يعيش أكثر من مليار إنسان في هذا العالم من دون مراحيض نظيفة، وهم محرومون من الطبخ على الغاز. مبادرة "اوماندا ترست" الكينية أطلقت أول مشروع في العالم للطبخ بغاز تنتجه مفاعلات بسيطة من فضلات البشر.
بعد المراحيض البيئية الحديثة التي تغسل الفضلات بماء يتم ترشيحه من الادرار، جاء دور المراحيض البسيطة التي تنتج غاز الميثان من الفضلات. الفكرة ليست حديثة، لأن الهند بدأت بتطبيقها قبل سنوات في قراها النائية، لكن الجديد هو نقلها إلى مناطق أفريقيا المحرومة من المراحيض الصحية والبعيدة عن مصادر الطاقة.
مبادرة كينية
فقد أطلقت مبادرة اوماندا الكينية على المشروع اسم "كيبيرا بيوسنتر" وشاركت فيه عدة منظمات إنسانية أوروبية. وكيبيرا حي "صفيح" عشوائي في ضواحي العاصمة الكينية نيروبي، ولا تعترف الحكومة الكينية بوجوده أصلًا. وهذا يعني أن حي كيبيرا يعيش بعيدًا عن الحضارة، وتقول مبادرة اوماندا إن السكان هناك يتغوطون في العراء ويقطعون ويحرقون أعدادًا لا حصر لها من الأشجار بغية غلي الماء والطبخ.
يعيش في هذا الحي أكثر من 200 ألف إنسان بلا كهرباء ولا غاز ولا مراحيض، ويسكنون في أكواخ افريقية تقليدية مبنية من الأغصان اليابسة وأكياس النايلون. حرصت مبادرة أوماندا على بناء المراحيض بنفس الاشكال والمواد التي تبنى منها البيوت والمحلات وغيرها.
ويقول فريدريك اموك، من مبادرة اوماندا، أن السكان يلقون النفايات في المسافات الضيقة بين البيوت، كما يتغوطون في هذه الأمكنة أيضًا. ويعتقد اموك أن المراحيض العامة ستكون نقلة في حياة الناس إلى الحضارة، وخصوصًا أنها ستزودهم بالغاز اللازم للطبخ.
عصافير بحجر
عبر الألماني رالف كنوخة، من منظمة "مهندسون بلا حدود" عن قناعته بأن مشروع "كيبيرا بيوسنتر" يضرب أكثر من عصفور بحجر. فالمشروع يحسن الشروط الصحية في الحي ويعلم السكان ضرورة تجنب إلقاء الفضلات والروث في الشوارع، لأن هذه الفضلات تنتهي في أغلب الأحيان إلى المياه التي يشربون منها، ما يزيد نسبة الأمراض. من ناحية أخرى، المشروع يقلل من قطع وحرق الأشجار التي تستخدم في الطبخ.
وتعتبر أفريقيا أكثر القارات تعرضًا للتصحر، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، حيث من المقدر أن 46% من أراضيها مهددة بذلك، مع نسبة أخرى من هذه الأراضي تقدر بـ 50% معرضة للاحتراق. وترتفع نسبة الأراضي المعرضة للتصحر في آسيا إلى 20% عمومًا وإلى أكثر من 60% في مناطق آسيا الوسطى.
هذا المشروع سيدفع السكان إلى استخدام المراحيض لأنها ستكون مصدر الغاز الذي يطهون به طعامهم، وهذا يعني الكثير بالنسبة للفقراء، لأنه غاز مجانيّ سيشجعهم أيضًا على غسل ملابسهم بالماء الحار أيضًا. ويعمل كنوخة منذ سنوات في أفريقيا على بناء المنشآت البيئية التي تقلل من آلام السكان المحليين، وتؤدي بعض الخدمات البسيطة لحماية البيئة.
إن المراحيض البيئية مزودة بمفاعلات طبيعية يجري فيها خلط الغائط مع الأزبال الأخرى بغية الحصول على غاز الميثان، وهذا حل آخر لمشكلة التخلص من النفايات العضوية. ويمكن رفع إنتاج الغاز من المراحيض عن طريق خلط البراز بالقش والأغضان والنفايات الأخرى.
تستجيب للشروط الاجتماعية
حرص كنوخة وزملاؤه على الالتزام بشروط الحالة الاجتماعية في الحي، فبنوا المراحيض كي لا تختلف عن بقية البيوت والمحيط العام من مواد مجانية، لا تزيد عن كونها نفايات أيضًا، وهي نفس المواد التي يستخدمها السكان المحليون في البناء.
تحتاج المفاعلات الصغيرة تحت المراحيض إلى الحرارة كي تعمل على تفسيخ الفضلات والحصول على غاز الاحتراق (الميثان). ويقول كنوخة إن الحرارة يوفرها الجو في كينيا لأن المفاعلات تحتاج إلى درجة 15 مئوية كي تعمل، في حين أن درجة حرارة الجو الخارجية تزيد عن ذلك بكثير.
واستجابة للشروط الاجتماعية أيضًا لم يشِد المهندسون مراحيض الـ"بيوسنتر" كمراحيض أوروبية يجلس الانسان فوقها، وأنما بنوها كشق في الأرض تتجمع الفضلات تحتها في مرجلين. يتم غلق المرجل الثاني حال امتلائه وتسخن فيه الفضلات للحصول على الغاز. وهناك انبوب أزرق ينقل الغاز إلى الطباخ في البيت القريب وإلى مصادر ضوئية (مصابيح) في البيوت، وثبت أن انتاج الغاز يكفي لتحسين معيشة مئات الناس في المرحلة الأولى من المشروع.
شملت المرحلة الأولى بناء 70 مركزًا بيئيًا، ويقول كنوخه انهم حسنوا طريقة قديمة استخدمها الباحث الهندي بندشوار باتاك، الذي زود العديد من القرى الهندية الفقيرة بالغاز المنتج من المراحيض. وطبيعي ستبقى بعض الفضلات من عملية تفسيخ محتويات مراجل المراحيض، لكن مثل هذه الفضلات صالحة كسماد تمكن به محاربة ظاهرة التصحر هناك.
كسب الثقة
يعترف كنوخه بأن إنجاز المشروع لا يعني نجاحه بالضرورة لأن المشكلة هنا إجتماعية وليست تقنية. فهناك صعوبة في إقناع الناس بالتخلي عن عاداتهم، ثم إنهم لا يصدقون إمكانية الطبخ بواسطة غاز يستخرج من المرحاض. ويبدو أن الناس، والأطفال في مدارس الحي الرثة أيضًا، لا يعرفون عن علاقة الفضلات بانتشار الأمراض، ويحتاج الأمر إلى جهد إعلامي وتثقيفي مركز لنشر الوعي الصحي بين الناس.
كي يتساءل الناس عن سر البيوت الجديدة (المراحيض)، وبغرض اثارة اهتمامهم بالمشروع والحصول على دعمهم، عمل المهندسون على اشراك عدد كبير من سكان الحي في أعمال بناء المراحيض رغم بساطتها. ويقول فريدريك أموك انه "يجند" شبان الحي للحديث مع العوائل حول أهمية المشروع وفوائده، لأن حديث المهندسين الأوروبيين المباشر مع السكان لن ينجح في كسب ثقتهم.
في خطوة لاحقة يخطط أصحاب مبادرة اوماندا، بعد كسب ثقة الناس، إلى وضع مبلغ بسيط جدًا مقابل استخدام المراحيض. تذهب هذه المبالغ إلى حساب مصرفي يشرف عليه سكان الحي، ويستخدمونه في بناء المزيد من المراكز البيئية. اما الخطوة الأكبر فستكون نقل التجربة إلى بقية البلدان الأفريقية الفقيرة.
الطبخ بأشعة الشمس
في غامبيا، كانت جامعة جيلزنكيرشن التقنية في ألمانيا صاحبة مبادرة نشر الطباخات الشمسية في غامبيا في إطار التعاون الاقتصادي بين البلدين. وذكر توماس بيرنهوف، من جامعة جيلزنكيرشن، ان الطباخات الشمسية هي البديل الأفضل، اقتصاديًا وبيئيًا، لمناطق غامبيا الريفية. فالشمس الحارقة في غامبيا توفر طاقة الطبخ بأقل كلفة ممكنة، كما أن الطباخات التي توزعها الجامعة من خلال المشروع يقل سعرها كثيرًا عن الطباخات النفطية والغازية المطروحة في السوق.
ويتميز الطباخ الشمسي الجديد بسهولة الاستعمال، ورخص الثمن والسرعة في الطبخ. ويتألف من عدد من المرايا المقعرة المرصوفة، بشكل يشبه صحن استلام بث الأقمار الصناعية، التي تلم ضوء الشمس في بؤرة الجهاز حيث يمكن وضع طنجرة الطعام. ويأمل بيرنهوف بأن يجري تعميم الطريقة إلى بقية بلدان العالم التي تسطع أشعة الشمس في سمائها طوال فصول العام أو خلال معظم فصوله.
في متناول الجميع
نظم الألمان نقل وحدات إنتاج الطباخات الشمسية من ألمانيا إلى غامبيا وتدريب العمال المهرة على انتاجها وبيعها بأسعار تجعلها في متناول السكان. وسبق للقسم التقني في جامعة جيلزنكيرشن أن أسس مدرسة تقنية في قرية بيركاما (غامبيا) هدفها تأهيل تلاميذ المدارس كعمال تقنيين لانتاج وتشغيل وإدامة الطباخات الشمسية.
الجدير بالذكر أن فرق الرقابة الأممية على غابات غامبيا تحذر من تراجع حجم مساحات الغابات بشكل مؤثر خلال الخمسين سنة الماضية بفعل القطع الذي لا يرحم للأشجار في هذه المناطق، لأغراض الطبخ أساسًا، و لأغراض البناء وغيرها.
هذا ما دفع توماس بيرنهوف وزملاءه للبدء بمشروع "الطباخات الشمسية لغامبيا"، بعد أن تم الانتهاء من تصميم وانتاج الطباخات اللازمة. وعمل الباحثان على تطوير وتصنيع الطباخ بالتعاون مع المدرسة التقنية في بوتروب الألمانية.













التعليقات