«إيلاف» من برلين:&ترفض السلطات الألمانية منذ عقود مبدأ "الموت الرحيم" للمرضى الميؤوس منهم، والذين يعانون من آلام لاتحتمل، لكن القتل بحسب هذا المبدأ، ولأسباب أخرى مجهولة، مستمر كما يبدو. وتتهم دراسة جديدة، نشرت في ألمانيا، الأطباء والموظفين الصحيين والمعينين في دور العجزة، بقتل 21 ألف انسان سنوياً.
وأثارت الدراسة، التي أعدها العلماء من جامعة فيتن-هيردكة الألمانية، ردود فعل عنيفة بين الأوساط السياسية والطبية والإعلامية. وطالب كارل يوزيف لاومان، مفوض حقوق المرضى في البرلمان الألماني، وهو من الحزب الديمقراطي المسيحي، بإجراء تحقيق فوري في الأمر وكشف كافة الملابسات التي تحيط بالموضوع. ووصف لاومان نتائج الدراسة، في حال التأكد من الاتهامات، بالفضيحة.&
ولا يمكن القول إن علماء جامعة فيتن-هيردكه يتكهنون حول موضوع ما، لأن دراستهم استندت إلى استطلاع للرأي شمل 5 آلاف طبيب وموظف صحي ومعين في دور العجزة. ووجهت الدراسة إلى المشاركين فيها سؤالاً&مهماً يقول: هل سبق لك في الأشهر الاثني عشر الماضية ان شاركت بشكل فعّال في اجراءات ما تنهي حياة مريض، أو حدث انك رصدت مثل هذه الإجراءات في محيط عملك؟
3% من الأطباء شاركوا في القتل
ويكشف الاستطلاع أن 3% من الأطباء قالوا انهم فعلوا ذلك بأنفسهم خلال السنة الماضية، وارتفعت هذه النسبة إلى 5% بين الموظفين الصحيين، وإلى 3% بين معيني المسنين في دور العجزة، وإلى 1,5% بين المعينين في المستشفيات،&توصل علماء الجامعة إلى ان عدد الضحايا يرتفع إلى 21 ألفاً سنوياً.&
وكتب الباحثون أن"الإجراءات المميتة" شملت القتل والاغتيال والموت الرحيم والقتل دون موافقة شفهية أو تحريرية من المريض. ولاحظ العلماء ان كل هذا النوع من"الإجراءات" يتعامل القانون معها بمثابة حالات قتل. وأكد العلماء انهم لم يحتسبوا المساعدة على الانتحار ضمن هذه الإجراءات.
المستشفى مسرح الجريمة
أجرى الدراسة فريق من العلماء بقيادة العالم النفسي المعروف كارل هـ. باينه من جامعة فيتن-هيردكه. وأكد باينه أن جرائم المعين الصحي نيلز هوغل حركته للبحث في أسباب الوفيات في المستشفيات الألمانية.&
واعتبر باينه، الذي ينشغل بموضوع"الموت" في المستشفيات منذ 25 سنة، نتائج الدراسة انعكاساً لواقع النظام الصحي المهترئ&في ألمانيا. وقال ان عصب هذا النظام المهترئ&هو تحقيق الأرباح على حساب الإنسان.&
بحسب تقدير باينه، أنتج هذه النظام&أطباء وموظفين صحيين ومهنيين&صحيين متوترين ومرهقين بالعمل، وهذا بدوره أدى إلى زيادة الأخطاء الطبية واليأس. وهكذا صار على آلاف المرضى ان يدفعوا حياتهم ثمناً لهذا النظام الصحي المهترئ.
وسيكون استطلاع الرأي المذكور الجزء الأهم من كتاب البروفيسور باينه "المستشفى مسرح الجريمة"، الذي سيصدر قريباً. ويشرح الباحث في الكتاب كيف يعزز النظام الصحي الفاشل جرائم القتل في المستشفيات الألمانية.
نسبة عالية
وعزا باينه ارتفاع الرقم إلى سوء فهم قد يكون الأطباء والموظفون الصحيون قد وقعوا فيه، لان الاستطلاع سأل عن"المشاركة الشخصية الفعالة" في انهاء الحياة. ورجح ان يكون البعض قد اعتبروا أخطاء ناجمة عن وقف استخدام جهاز معين، ربما بطلب من المريض، ضمن "المشاركة الفعالة". وأشار إلى أن مثل هذه الحالة لاتعتبر مساهمة فعالة في القتل، بحسب قانون الجزاء الألماني.
مع ذلك يبقى رقم 21 ألف ضحية في السنة عالياً جداً بالنظر إلى الاحصائيات الصحية الأخرى. إذ تستقبل المستشفيات الألمانية سنوياً 19 مليون إنسان، بحسب بيانات وزارة الصحة الاتحادية. ويموت في هذه المستشفيات 430 ألف مريض سنوياً، يضاف إليهم 175 ألفاً يموتون في دور العجزة والرعاية الصحية.
تشير إحصائيات شركة التأمين الصحي الاتحادية(الحكومية) في العام 2014 إلى موت 14 ألفاً كل سنة بسبب الأخطاء الطبية في هذه المصحات. وهذا يعني ان الـ21 ألف ضحية للاطباء والموظفين الصحيين والمعينين يشكلون نسبة 3% من الموتى في هذه المصحات، هي نسبة عالية.
تحذير من هز ثقة المرضى بالأطباء
طالب كارل يوزيف لاومان، مفوض حقوق المرضى في البرلمان الألماني، البروفيسور باينه وزملاءه بالتحقيق فعلاً ما إذا كان من شملهم استطلاع الرأي قد اساؤوا فهم السؤال، رغم انه يسأل بالضبط عن"المشاركة الفعالة” في الموت. وعكس ذلك، فإن الأمر يدور حول جرائم قتل ترتكب في المستشفيات والمصحات من قبل أشخاص مهمتهم هي انقاذ الحياة، وهذه جرائم يجب ان يمثل مرتكبيها أمام النيابة العامة.
وأشار لاومان إلى ان 21 ألف ضحية تزيد36 مرة عن مجموع حالات القتل التي تسجلها الشرطة في عموم ألمانيا سنوياً. وأكد على ضرورة الوضوح في الدراسة، لأن الأطباء والموظفين الصحيين يؤدون عملاً جيداً في المستشفيات الألمانية.
وعبر كارل لاوترباخ، الخبير الصحي في كتلة الحزب الاشتراكي البرلمانية، عن أمله بأن يكون الرقم 21 ألفاً مبالغاً جداً فيه. وقال انه غير مستعد لتصديق بأن الضغط الاقتصادي والنفسي في المستشفيات يدفع الأطباء والموظفين الصحيين لقتل المرضى. وحذر لاوترباخ بدوره من هز ثقة المرضى بالأطباء والعاملين في المجال الصحي.
الجدير بالذكر ان القاتل نيلز هوغل(41 سنة) نال سنة2008 حكماً بالسجن لفترة 7سنوات بتهمة القتل العمد في 13 حالة. تضاف إلى ذلك تهمة المشاركة الفعالة في قتل30 مريضاً. وشمل التحقيق عدة اطباء وموظفين صحيين بتهمة التستر على جرائم هوغل.
عمل هوغل 15 سنة في دارتين للعجزة في اولدنبورغ وديلمنهورست، وتعتقد النيابة العامة انه مسؤول عن 200 حالة قتل أخرى خلال هذه الفترة. وكشفه أحد زملائه في ديلمنهورست يوم21 يونيو2005 متلبساً وهو يسرب عقاراً يرفع ضغط الدم ويسبب توقف القلب المباغت، إلى شرايين مريض مسن. وثبت من تشريح جثث الضحايا السابقين انه كان يستخدم هذا العقار دائماً في جرائمه.
&
&
&
&
&
&
التعليقات