ماذا لو بادرت امرأة بطلب الزواج؟
Getty Images

قبل أيام أطلت الشابة الثلاثينية مها أسامة، على متابعيها عبر فيسبوك لتعرب عن أملها في إيجاد الشريك المناسب لحياتها.

واستهلت الشابة حديثها بالقول: "أنا مها أسامة عمري 32 سنة. أعرض نفسي للزواج على الفيسبوك. من يهتم بالأمر فليتواصل معي عبر رسالة خاصة".

واعتبرت مها أن ما فعلته هو الأنسب لها، مشيرة إلى أنها تدرك حجم الانتقادات التي ستطالها بسبب الفيديو، خاصة أن مبادرتها تعد "غير مألوفة" وربما "مرفوضة" في المجتمع المصري.

وأكدت مها أنها "ستتأخذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المتنمرين وأصحاب التعليقات المسيئة".

كما وضعت مها الاحترام والجدية كشروط أساسية لقبول المتقدم لها.

وتابعت أنه كان بمقدورها أن تلجأ إلى تطبيق تيك توك، لكنها اختارت "الطريقة الأصح والأنسب"، على حد قولها.

كان هذا ملخص ما جاء في الفيديو، الذي حذفته صاحبته في وقت لاحق، وتعلن أنها خسرت عملها، دون أن توضح ما إذا كان ذلك متعلقا بالفيديو أم لا.

تفاعل كبير

ورغم حذف الفيديو، إلا أنه لا يزال يستأثر بجانب مهم من تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

لم تتوقع مها أن تنال مبادرتها كل هذا الاهتمام وأن تلقى تدويناتها كل هذا النقاش.

فثمة من أثنى على تصرف مها وشجاعتها في طرح موضوع يعد "معيبا في مجتمعات لا تزال تتداول مفاهيم خاطئة حول حياء المرأة وكبريائها"، على حد وصفهم.

ورأت معلقات أن مها "عبرت عن مشكلة تعاني منها مئات الفتيات في الشرق".

لكن التفاعل كان أغلبه سلبيا، إذ قوبل تصرف مها باستنكار من أخريات وجدن في كلامها "تقليلا من قيمة المرأة وترسيخا للأفكار النمطية التي تصور الفتاة الشرقية ككائن مهوس بالزواج".

ودعت كثيرات مها والمعجبات بها إلى تحقيق نجاحات مهنية تثبت استقلالهن بدلا من التفكير في الزواج، وكأن ذاتها لن تكتمل إلا بزوج أو رجل يحميها.

كما عابت أخريات على مها حديثها عن فتيات التيك توك وعدت أخريات كلامها خير دليل على أن "المرأة عدوة المرأة".

وكان ذلك سببا كافيا بنظر كثيرات للتشكيك في مبادرة مها وشجاعتها واعتبرنها مجرد محاولة منها إلى لفت الأنظار.

علاوة على ذلك، رأى آخرون أن الأسلوب الذي انتهجته مها سيجر عليها مشاكل عديدة وسينتقص من مكانتها الاجتماعية.

فالمعترضون على أسلوب الشابة يعتقدون بوجود خطوط حمراء يجب على المرأة أن تحترمها كي تحفظ كبرياءها، على حد تعبيرهم.

وفي هذا السياق، يعلق أحدهم: "حتى إن تعرفت على الرجل المناسب من خلال هذه الطريقة ستواجه مشاكل عديدة كأن يقلل الزوج من شأنها باعتبارها صاحبة المبادرة، ويعيّرها بأنها هي من فرضت نفسها عليه".

مها ترد

وردا على الانتقادات، نشرت مها تدوينة تعلن فيها رفضها لتلك الخطوط وختمتها قائلة: "يحكى أن كان في ناس خايفين من نظرة المجتمع وكلام الناس ولا حصلوا حياة ولا حصلوا موت".

كما نشرت مها تدوينة تضم صورا لتعليقات مؤيدة لما فعلت وشكرت من نشروها على دعمهم لها.

"كوني مبادرة وصارحيه"

وضمن هذه المعطيات والمعتقدات التي تنادي بحياء المرأة وترى في تحفظها عن التعبير عن مشاعرها دليلا على سمو أخلاقها وعفتها، تبرز أسئلة من قبيل: "كيف يمكن للمرأة أن تعبر عن عواطفها؟ وماذا يحصل لو بادرت بطلب الزواج من رجل نال إعجابها؟ ولماذا يرفض المجتمع مثل تلك المبادرات؟".

تستدعي الناشطة النسوية دينا أنور قصة السيدة خديجة وكيف بادرت بالتعبير عن رغبتها بالزواج من النبي محمد، دون أن تحط من كرامتها وقيمتها.

ترفض دينا إخفاء مشاعرها بل تشجع الفتيات على تخطي عتبة الخجل والأخذ بزمام المبادرة عوضا عن "الرضوخ للأمر الواقع وتوصيات المجتمع الذكوري".

وتقول دينا إن لديها تجربة في هذا الموضوع، قصت تفاصيلها باستفاضة في تدوينة نشرتها عبر حسابها على موقع فيسبوك.

وتقول دينا إن "الرجل الشرقي في العموم يخشى المرأة القوية والواثقة من نفسها فهو الذي تربى على اتخاذ قرار الزواج وقرار الطلاق منفردا مستمدا سلطته من العائلة والمجتمع الذي يمنحه مرتبة أعلى من المرأة وتحرره من كافة القيود".

وتردف دينا في حديثها معنا: "إن بادرت المرأة بالتعبير عن إعجابها به فسيرميها المجتمع بأبشع الصفات وسيرى الرجل في الأمر انتقاصا من ذكوريته فكيف لها أن تسلبه حق القوامة فهو المسؤول عن تكوين الأسرة ولا يحب أن يشعر أنه مفعول به فهو مجبول على أن يذهب إلى البيوت يشاهد أكثر من عروسة ومن يتخذ القرار".

وتتابع محدثتنا: "عدد النساء المعيلات في ارتفاع ومع ذلك نجد المجتمع يتمسك بحق الرجل في القوامة الشكلية وينتفض على مبادرة إحداهن بالتقدم لخطبة الشاب، رغم أن الدين منحها ذلك الحق".

الأمر لا يقتصر على الشرق

وتعج المنتديات بقصص لفتيات فضلن إخفاء مشاعرهن وبقين متحسرات.

مثل مريم التي أحبت جارها في السر فتقول: "كنا نتشابه في كثير من الأشياء ونتشارك نفس الهوايات والأفكار. كنت أهيم بحبه وأزعم أن كل من حولي يدركون ذلك لكنني لم أجرؤ يوما على مصارحته فكبريائي لم يسمح لي. لكني اليوم ألوم نفسي بعد أن سافر للعمل في الخارج وارتبط بأجنبية".

وأشار آخرون إلى أن المجتمع الشرقي غير مؤهل لتقبل فكرة أن تبادر الفتاة بطلب الزواج، رغم أن أغلبه يدرك بحكم الثقافة الدينية أن الأمر ليس فيه ما يعيبه شرعا، إلا أن سلطة المجتمع تقف عائقا أمام الفتاة.

وحتى اللواتي تشجعن وأخبرن الطرف الآخر بحقيقة عواطفهن، وجدن أنفسهن في مواجهة الفضيحة والوصم الاجتماعي فقد لا يكتفي الطرف المقابل برفض الفتاة بل أفشى سرها ليشيع خبره بين جيرانها ومعارفها.

ولذا يعتقد كثيرون أن تغيير المفاهيم الخاطئة حول خطبة المرأة للرجل يقتضي صياغة خطاب جديد يواكب المتغيرات الاجتماعية المتلاحقة التي صاحبت الحداثة والعولمة .

وتظهر بين الفينة والأخرى مبادرات لتشجيع المرأة على تحدي العقلية السائدة والطقوس المتبعة في الزواج حول العالم، خاصة أن المتعارف عليه في جل المجتمعات هو أن يتقدم الرجل لخطبة المرأة لا العكس.

ففي صيف عام 2013، تقدمت العديد من الممثلات بطلب للزواج من شركائهن.

ونذكر منهن الممثلة الأمريكية كريستين بيل، التي أعربت عن رغبتها في الزواج من الممثل والمخرج الأمريكي داكس شيبرد، عن طريق تغريدة.

وخلصت دراسة أجرتها شركة "كنوت" الأمريكية في عام 2017، إلى أن 61 فقط من أصل 12657 عروسة تقدمن بطلب زواج لشركائهن، أي ما يعادل 1% فقط من أولئك النساء.

ويعد يوم 29من فبراير/شباط، الذي يأتي مرة كل أربع سنوات، يوم السيدات بامتياز في إيرلندا واسكتلندا.

ففي ذلك اليوم تنقلب النساء على تقليد طلب الزواج ويسمح لهن بخطبة من يحبون من الرجال.

ينسب هذا التقليد إلى ملكة اسكتلندا مارغريت، التي أقرت هذا القانون عام 1288، بينما يرجعه الأيرلنديون إلى القديسة بريغيد، التي أقنعت القديس باتريك بالموافقة على هذا التقليد.