يستمر الجدل منذ أيام في العراق بشأن تعديل منظور في البرلمان للمادة 57 من قانون الأحوال الشخصية اعتبره حقوقيون ومواطنون رجوعا إلى الوراء وحرمانا للمرأة من أبنائها، بينما يقول نواب إنه مطروح للمناقشة.
يراد بتعديل القوانين عادة ملاءمتها مع تطورات القوانين واللوائح الدولية والحقوقية العالمية.
وعندما يتعلق الوضع بقوانين الأحوال الشخصية وبنود تتعلق بالمرأة يكون التعديل عادة مدفوعا بتطور في الأوضاع الحقوقية للمرأة في ذلك البلد نحو الأفضل.
لكن كثيرا من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العراق يرون أن عكس ذلك يحدث الآن في ما يتعلق بتعديل قانون الأحوال الشخصية المطروح على البرلمان.
ما هي التعديلات المنظورة؟
البند الذي أثار الجدل الأكبر في التعديل، الذي أتم البرلمان قراءة أولى له منذ أيام، هو تعديل المادة 57 الخاصة بحضانة الأم لطفلها بعد الطلاق.
كانت المادة 57 من القانون عدد 188 الصادر عام 1959 تقول:
1-الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك.
2- يشترط أن تكون الحاضنة بالغة عاقلة أمينة قادرة على تربية المحضون وصيانته، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة أحقية الأم أو الأب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون.
ويقول الفصل الخامس منه:
5- إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من العمر يكون له حق الاختيار في الإقامة مع من يشاء من أبويه أو أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة من العمر إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار.
أما التعديل المنظور فيقترح أن تكون الأم المطلقة أحق بحضانة الولد حتى يتم السابعة ويشترط عدم زواجها لأخذ الحضانة.
ما يعني أن الأصل في الأمر يصبح حرمان الأم من الأحقية في حضانة أبنائها عندما يتموا السابعة من العمر وحرمانها من الأحقية في الحضانة مباشرة إذا تزوجت مرة أخرى .
لكن لا يشترط في الأب عدم الزواج لنيل حضانة الأبناء.
ويعتبر التعديل الجد من الأب أحق بالحضانة من الأم في حال توفي الأب أو انتفت لديه شروط الحضانة.
رفض شعبي وحقوقي
قوبلت التعديلات المقترحة برفض شديد وواسع داخل العراق وخارجه.
وخرجت فعاليات للتنديد بالتعديل، وما زالت الدعوات مستمرة للتظاهر رفضا لحرمان الأم من حضانة أبنائها في بغداد وفي مخلتف محافظات العراق.
اليوم، عشرات النساء في البصرة خرجن في وقفة احتجاجية للتنديد بتغيير فقرة في المادة ٥٧ من قانون الأحوال الشخصية، تمنح حضانة الطفل للأب الطليق بدلاً من الأم. ما تعليقك؟ pic.twitter.com/AhZK51Srsd
— بيج وجه العراق (@ffaceiraq) July 6, 2021
لا تحرمني من امي#كلا_لتعديل_المادة_٥٧ pic.twitter.com/7olyb52jZY
— سرى الجبوري (@V7pT09RVjNSIsqO) July 6, 2021
وأطلق تجمع النساء المدنيات في العراق حملة جمعت توقيعات المئات من النساء وممثلات منظمات نسوية وحقوقية للتنديد بمقترح التعديل والتعبير عن رفضه.
ثم أطلق التجمع حملة توقيعات إلكترونية على بيانه .
#كلا_لتعديل_المادة_٥٧
— ليليان الدمشقيه (@worldeyes14) July 5, 2021
بعد توقيع و تأييد ٦٠٠ منظمة وشخصية مدنية وسياسية بيان #تجمع_النساء_المدنيات في العراق الرافض لتعديل المادة (٥٧) من قانون الأحوال الشخصية المرقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ .. نطلق اليوم حملة المليون توقيع الكتروني الرافضة لتعديل
هنا https://t.co/SQFRn62UTZ
وعبر وسائل التواصل الاجتماعي في العراق، تتصدر وسوم رافضة للتعديل، مثل وسم كلا_لتعديل_المادة_٥٧ ، قوائم المواضيع الأكثر تفاعلا منذ أيام.
منذُ ايام ونساء العراق يقفن وقفة شجاعة ضد قوانين مجلس النواب الخاصة بتعديل المادة 57 من قانون الاحوال الشخصية
— حور الحسني (@eDJCwEMk7si1ouP) July 7, 2021
ويطلقنّ وسم #كلا_لتعديل_المادة_٥٧
ودفع الجدل الذي أثاره التعديل والرفض الذي لقيه حتى داخل البرلمان، بعض النواب إلى الدعوة إلى تأجيل النظر فيه "لحين وجود اتفاق وتوافق سياسي برلماني على فقرات التعديل" و"من أجل منع حدوث أي خلافات سياسية جديدة" حسب ما نقلت وسائل إعلام محلية عن النائب باسم خشان.
كما نقلت وسائل إعلام عن نواب في البرلمان القول إن هذا التعديل لا يزال مطروحا للنقاش.
أثر التعديل على المرأة والأسرة
الغاضبات والغاضبون من التعديل المنظور يقولون إن هدفه "ليس مصلحة الطفل" وإنها هو "يستهدف تقييد المرأة وإهانتها" .
في مقترح التعديل
— المحامي محمد جمعة (@lawyer_mohamd) July 7, 2021
ان كان الاب متوفي والجد متوفي والام الارملة متزوجة
فأن الطفل لايبقى عند والدته لكنه ينتقل الى دور الدولة!!(المادة ١ / ٨)
لااعرف اي منطق مريض يرى الغريب احن على الولد من امه
لكن كان هدفهم مند البداية اهانة الام فقط
قانونكم هذا خطر على الطفولة#كلا_لتعديل_المادة_٥٧
#لا_لتعديل_قانون_الاحوال_الشخصية
— أمنية (@amnya_2020) July 1, 2021
شكد قانون مقرف
لو هامكم لطفل تكدرون. تخلون. حضانة. مشتركة للطرفين
بس. تتفنون. ترجعون العراق للعصور المظلمه وتهينون المراءه
النسوان كافي تخلفن اذا الرجال مو كفو مو سند تايتهم الاطفال يتبهذلون
ووصف الإعلامي والأكاديمي زيد عبد الوهاب الأعظمي اقتراح التعديل "بالعبث بمستقبل الأسرة والطفل" .
هناك قضايا حيوية واستراتيجية للمجتمع تتطلب تشريعا وتعديلا، أهم من العبث بمستقبل الأسرة والطفل.#كلا_لتعديل_المادة_٥٧
— د. زيد عبدالوهاب الأعظمي (@zaidabdulwahab) July 5, 2021
بعض الرجال من مؤيدي القانون يقولون إنه "سيضع حدا لظاهرة التفكك الأسري" وإنه "في مصلحة الطفل" و"يتناسب مع تعاليم الدين" ويرون من الأفضل أن يعيش الطفل مع أبيه من أن يعيش مع زوج أمه .
رجال آخرون يؤيدون التعديل لضمان راحتهم في حال قرروا الزواج من امرأة مطلقة.
اذا باجر اتزوج مطلقه وعندها طفل شنو ذنبي انريد ندخل للحمام سوه نسبح نريد نسافر شكو مخلي جنطه طفل وياي وهو مو ابني صدك جذب
— نوار سعدون (@6BpSbxt0rNVkdQt) July 4, 2021
لكن آخرين من معارضي القانون يرون أنه بمجرد إرساء هذا القانون، الذي قد يعني أن تفقد المرأة أبناءها إذا أقدمت على الطلاق، ستضطر نساء كثيرات لتحمل أشكال مختلفة من العنف حفاظا على قربهن من أبنائهن.
وهو ما تحذر منظمات مناهضة للعنف ضد المرأة من تبعاته على سلامة المرأة والأطفال على حد سواء.
يحافظون على الاسره يخلون المراه تتقبل اي اهانه وعنف تتعرضله علمود اطفالها لاتخسرهم! #نرفض_لتعديل_قانون_الاحوال_الشخصية
— Noor (@Noor07655601) July 2, 2021
كما أن التعديل الجديد قد يمنع المرأة من الزواج ثانية بعد طلاقها حتى لا تحرم من أبنائها، فتحرم بذلك من حقها في خيارات حياتية تناسبها.
والعمل على انتزاع حضانة الطفل من الأم لصالح الجد، فيما تتحول الأم إلى أقارب من الدرجة الثالثة، بحجة زواجها، وهو ما يحرم النساء المطلقات من حق اختيار شركاء حياتهن والارتباط بهم.
— ثائرة عراقية حرة (@Narjuskhalifa1) July 2, 2021
إننا في تجمع نساء العراق نطالب البرلمان بأن يتم التعديل على المواد المتعلقة بمشاهدة الأطفال من قبل الاب
ويخشى الرافضون لتعديل القانون 57 من أنه سيفتح مجالا "للمساومة" بين المرأة والرجل.
🔴 مقترح تعديل
— Firas W. Alsarray - فراس السراي (@firasalsarrai) July 4, 2021
قانون الاحوال الشخصية مجحف بحق
الطفل والمرأة قانون يشرعن المساومة
بين الاب وامه " كالسلعة " للاسف
انت مع ام ضد هذا القانون ؟؟#ضد_تعديل_المادة_٥٧ #ضد_تعديل_قانون_الاحوال_الشخصيه #نرفض_لتعديل_قانون_الاحوال_الشخصية
نموذج العراق
يذكر أن القانون المعمول به في العراق الآن (قبل التعديل) كان يعتبر "نموذجا" لبعض الدول و"طموحا" لدى مجموعات تحارب من أجل منح الأم حق حضانة أبنائها.
ففي لبنان مثلا، الذي تعاني فيه نساء من قوانين المحكمة الجعفرية التي تحرمهن حضانة أبنائهن، كانت النساء تتطلع إلى النموذج العراقي وتقارن الوضع في لبنان به، خاصة وأن المرجعية للمحاكم الجعفرية في لبنان مركزها العراق.
وبرغم ذلك فالقانون الذي يسري على كل العراقيين بمختلف الأديان والطوائف يمنح الأم الأحقية في حضانة الأطفال.
على الجانب الآخر يحرم القانون المعمول به الآن الرجال من التمتع برؤية وصحبة أبنائهم في ظروف طبيعية وتكوين علاقة صحية معهم.
فبعد الطلاق وعندما يكون الطفل في حضانة الأم لا يسمح للأب برؤية أبنائه إلا في المحكمة لساعات محدودة كل فترة.
وقد سعت منظمات وجماعات حقوقية للدفع نحو تغيير هذا البند.
لكن التغيير الذي طلب منه المساواة وتحقيق الأفضل لمصلحة الطفل جنح نحو حرمان الأم هذه المرة من أبنائها.
التعليقات