أطلق مجموعة من الأثريين حملة تعارض نقل الآثار خارج البلاد، متهمين مسؤولي الوزارة بمخالفة الدستور والقانون، والتسبب في تلف وسرقة القطع النادرة، وفي إحجام السائحين عن زيارة مصر، لأن الآثار ذهبت إلى بلدانهم على طريقة "هوم ديلفيري".

القاهرة:&رغم المخالفة الدستورية، ومعارضة الأثريين المصريين، إلا أن وزارة الآثار تنظم معرضًا يضم 124 قطعة أثرية فرعونية لمدة عام تحت رعاية الحكومة اليابانية، بعد التأمين عليه بنحو 771.4 مليون دولار، يستمر حتى تشرين الأول (اكتوبر) 2015.

10 ملايين دولار عائد

قال ممدوح الدماطي، وزير الآثار المصري، إن القطع المعروضة توضح جوانب من تفاصيل الحياة اليومية في مصر القديمة، وإن المعرض يضم قطعًا نادرة للملك توت عنخ آمون، الذي ما زال موته الغامض لغزًا لم يحسمه المؤرخون.

أضاف الدماطي في بيان له، أن الوزارة التي تضع ضوابط مشددة نحو تأمين القطع الأثرية أثناء التغليف والنقل، وافقت على معرض (توت عنخ آمون والعصر الذهبي للفراعنة) الذي سيقام في مدينتي طوكيو ونيجاتا بداية من أيلول حتى تشرين الأول (اكتوبر) 2015.

وتابع البيان: "العائد المادي المنتظر للمعرض سيبلغ نحو عشرة ملايين دولار، إضافة إلى مليوني دولار، و10 بالمئة من قيمة مبيعات النماذج الأثرية التي سيتم عرضها على هامش المعرض".

ما تطلعش بره بلدنا

يواجه نقل الآثار المصرية للخارج معارضة قوية من قبل الأثريين، وأطلق بعضهم حملة "كنوز معارضنا ما تطلعش بره بلدنا". وقال الباحث الأثري أمير جمال لـ"إيلاف" إن متاحف ودولاً ومنظمات واشخاصاً لم يستطيعوا الحصول على كنوز الملك توت عنخ أمون عندما اكتشفت، لأن الضجة الاعلامية التي حدثت وقت اكتشاف مقبرته جعلت المسؤولين المصريين والصحف المصرية تركز على أنه كنز وطني، ويجب الحفاظ عليه، ولولا هذا الاهتمام لتعرض للسرقة.

وأضاف: "لكن ظل لعاب هؤلاء يسيل من اجل الحصول عليه، لعدد من الأسباب، أولًا الكنوز لملك عاش في الأزمنة البعيدة ولم يحدث من قبل أن تظهر كنوز لملك، ثانيًا إنه كنز لا مثيل له من حيث الاتقان الشديد وجمال يثير الرهبة والذهول، ثالثًا الملك توت عاش في فترة من تاريخ البشرية يلفها الغموض، رابعًا الملك توت هو ابن الملك اخناتون ملك التوحيد الذي يعتقد اليهود أنه من بنى اسرائيل، وهذا ما يريدون اثباته بأي شكل".

لا يهتمون

وألمح جمال إلى أن فكرة المعارض الخارجية تهدف إلى إخراج كنوز عجز لصوص الآثار عن سرقتها. وأوضح: "منذ الستينات وكنوز توت تخرج في معارض خارجية وعلى فترات متباعدة، فخرجت إلى لندن وأميركا، وتعرضت أثمن الكنوز لمخاطر التغليف والسرقة والحوادث".

وكشف جمال واقعة تثبت صحة إتهاماته، وقال: "بعد انتهاء عرض مجموعة توت عنخ آمون في شيكاغو، وأثناء اشراف الدكتور أحمد فخري على عملية التغليف، لاحظ استبدال ست من العصي الأثرية بأخرى مقلدة بإتقان شديد، وعند ابلاغه رئاسة الجمهورية بما حدث، طالبوا بعودته فورًا وارسال بديل له ليصاحب المعرض في باقي المدن الأميركية. ولم يبالِ أي مسؤول بالسرقة".

يمنع خروج القطع النادرة

ولفت جمال إلى أن مجلس الشعب اضطر للتدخل في مسألة المعارض، عندما حدث تلف شديد ببعض القطع المهمة في أواخر الثمانينات، وصدر قانون يمنع خروج القطع النادرة. وأردف قائلًا: "لكن في العام 2002، عندما كان زاهي حواس أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للآثار أعاد المعارض الخارجية مرة أخرى حتى العام 2012 عندما تولى وزارة الآثار".

وكانت تلك المعارض تنظمها الجمعية الجغرافية الأميركية المملوكة لرجل الأعمال روبرت مردوخ، وباشراف من تيري غارسيا، نائب الرئيس التنفيذي للجمعية، وجون نورمان رئيس لجنة المعارض الدولية، وتوماس ميزرا اندينو نائب الرئيس التنفيذي للمعارض الخارجية، وكل هؤلاء كانوا يديرون معارض مصر الخارجية طوال عشر سنوات من حراسة وتنظيم، رغم أن النائب العام الأميركي ينظر دعاوى قضائية ضد الجمعية بتهمة الرشوة.

مخافة دستورية

واتهم جمال وزير الآثار المصري بمخالفة الدستور بعرض الآثار في الخارج، وقال إن الدستور الحالي نص في مادته رقم 33 على الآتي: "تكفل الدولة حماية الملكية العامة وعلى رأسها التراث الحضاري". كما نصت المادة 34 على "للملكية العامة حرمة وحمايتها ودعمها واجب على كل مواطن".

ما نصت المادة 49 على أن "تلتزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها". ولا يجوز للحكومة أن تتخطى السياسات العامة للدولة وأولها الحفاظ على الآثار وحمايتها كما ورد بالمادة 168 من الدستور. كما نصت اتفاقية حماية التراث العالمي لمنظمة اليونسكو على أن تتكفل كل دولة بحماية آثارها، وقعت مصر على هذه الإتفاقية وأصبحت جزءًا من نسيج التشريعات المصرية.

مقلدة غير أصلية

يبرر مسؤولو الآثار المصريون اللجوء إلى المعارض الدولية، من أجل تعزيز موارد الوزارة التي تئن من قلة الموارد بسبب ضعف السياحة، إلا أن الحملة تهدف إلى عرض القطع المقلدة، وليس الأصلية، لاسيما أن المعارض المقلدة تحقق أرباحًا طائلة.

وقال جمال إن أحد المسؤولين عن الآثار صمم نماذج طبق الأصل من كنوز توت عنخ آمون بالإشتراك مع شركة فاكتيوم آرتى السويسرية، وعرضت بعدة مدن عالمية وبلغ عدد زائريها أربعة ملايين شخص، وكان متوسط قيمة التذكرة الواحدة 17 يورو، ما يعني أن المعرض ربح أكثر من نصف مليار جنية مصري، ولم تحصل مصر على أي عائد من هذا المعرض".

هوم ديليفيري

ويرد جمال على قول مسؤولي الآثار بأن المعارض الخارجية تحقق الدعاية للآثار المصرية دوليًا، وقال: "عشرات المتاحف العالمية تعج بمئات الآلاف من القطع الأثرية المصرية، التي خرجت بطرق شرعية وغير شرعية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وهذا دليل دامغ على أن الآثار المصرية ليست في حاجة إلى عرض المزيد منها في الخارج ولا تحتاج إلى دعاية، لاسيما أنها تدرس في جميع مدارس الغرب وأميركا، وكان الأولى أن تقوم مكاتبنا السياحية بسبل الدعاية اللازمة لآثارنا".

ولفت إلى أن العالم يرى الآثار في الوقت الذي تمنع وزارة الآثار المصريين، وخاصة طلاب الآثار والسياحة من التدريب العملي عليها، ويتم تخريج دفعات عديدة لا تتمكن من رؤية هذه الكنوز، الأمر الذي يعد ضررًا جسيمًا بمصلحة الوطن.

وقال جمال إن المعارض الخارجية تحرم مصر من العائد السياحي، لاسيما أن تنقل الآثار إلى السياح في بلدهم على طريقة توصيل الطعام للمنازل "هوم ديليفري"، فلماذا يكلفون أنفسهم مشقة السفر إلى مصر لرؤيتها؟.