يزور الرئيس السوداني عمر البشير مصر، اليوم، ويلتقي الرئيس عبد الفتاح السيسي، للتباحث في مجموعة من القضايا، منها: أزمة سد النهضة مع أثيوبيا، والأوضاع في ليبيا. واستبق البشير لقاءه مع السيسي بتصريح قال فيه إن منطقة حلايب وشلاتين سودانية، ما يزيد من توتر الأوضاع بين البلدين الجارين، في وقت تتخذ فيه الخرطوم حزمة من الإجراءات لدعم موقفها في تلك القضية.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: يرى خبراء أن عمليات دعم السودان للميليشيات الإسلامية المسلحة في ليبيا، ودعم جماعة الإخوان المسلمين والجماعات التكفيرية في مصر، ستكون على رأس مباحثات الرئيسين المصري والسوداني.

بالتفاهم السلمي
بينما يبدأ زيارة إلى مصر هي الأولى منذ ثورة 30 يونيو، التي أطاحت بنظام حكم الإسلاميين بقيادة الرئيس السابق محمد مرسي، قال الرئيس السوداني عمر البشير، إن منطقة "حلايب وشلاتين" على الحدود المصرية السودانية، هي "ملك للسودان"، غير أنه استبعد أن تدخل الجارتان في حروب على هذه المنطقة.

أضاف في تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط: "لن نحارب مصر في هذه الحدود، وسنحاول حلّها بالتحاور والتفاوض مع إخوتنا المصريين، وفي حالة العجز التام، فلن يكون أمامنا إلا اللجوء إلى التحكيم وإلى الأمم المتحدة، ونحن لدينا أمل بأن نصل إلى نهاية سعيدة بالتفاهم والتحاور والتفاوض المتعقّل، ولن ندخل في حرب مع الشقيقة مصر في هذه الحدود، لأن ما بين البلدين والشعبين الشقيقين أكثر من تداخل، فهما كفيلان بأن يتجاوزا مشكلة الحدود".

وأكد البشير عمق العلاقات بين مصر وبلاده، وقال: "لا بد من أن نؤكد أن هناك علاقات ثنائية معمقة، وهذه لا تعاني أي نوع من الإشكالات، حيث ترجمت عمليًا إلى عدد من الإنجازات، منها تنفيذ الطرق البرية الرابطة بين البلدين، وهي طرق مفتوحة، وهناك تجارة مفتوحة وحركة كثيفة من المواطنين، ولدينا اتفاقية موقعة، غير أنها معطلة من جانب الإخوة في مصر، وهي اتفاقية الحريات الأربع"، مشيرًا إلى أن "الاتفاقية كفيلة بأن تلغي الحدود بين البلدين حال تنفيذها، لأن المواطن المصري له حق الإقامة والعمل والتنقل والتملّك، والحقوق نفسها يتمتع بها المواطن السوداني في مصر، ما عدا الحق السياسي فقط، لأنه يرتبط بالجنسية، وذلك إذا جرى تنشيط هذه الاتفاقية، فمن المؤكد أنها ستساعدنا على إزالة جميع العوائق، التي تعطل التواصل وحركة المواطنين بين البلدين، وهذا ما نسعى إليه في النهاية من أجل إلغاء الحدود بشكل عملي".

دعم الإسلاميين وأزمة السدود
ومن المتوقع أن تشهد الزيارة مباحثات بين الرئيسين المصري والسوداني، حول ملفات عدة، أهمها: دعم الحكومة السودانية للجماعات الإسلامية في ليبيا، والدعم المقدم إلى جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى أزمة السدود على منابع نهر النيل، فضلاً عن التعاون الإقتصادي بين البلدين.

وقالت الدكتورة أماني الطويل، الخبير في الشؤون الأفريقية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن ثمة ملفات مهمة مطروحة على مائدة اللقاء بين البشير والسيسي، مشيرة إلى أن "من أهم تلك الملفات، دعم السودان لبعض فصائل الإسلام السياسي، وما نتج من ذلك من دعم فصائل إسلامية مسلحة في ليبيا".

وأضافت لـ"إيلاف" أن ملف مثلث حلايب وشلاتين سيكون حاضرًا في لقاء الرئيسين، وقالت "أعتقد أنه سيكون موضوعًا شبه ثانوي خلال المباحثات". وتابعت: "أظن أن هناك إجماعًا مصريًا سودانيًا على عدم تصعيد المسألة (حلايب وشلاتين)، وأشك في أن السودان لديه نية تصعيد هذا الأمر، حتى يصل إلى التحكيم الدولي، لاسيما أن هذه القضية يمكن حلها من خلال الحوار بين البلدين".

السودان المتضرر الأكبر
وأوضحت أن "سلوكيات دول منابع نهر النيل، ولاسيما مسألة بناء السدود، والموقف السوداني، ستكون حاضرة أيضًا، في ظل اتجاه العديد من الدول في المنبع نحو بناء سدود، وليس أثيوبيا فقط"، لافتة إلى أن "هناك وحدة إستراتيجية بين الموقفين المصري والسوداني من مسألة السدود، خاصة أنهما من دول المصب". وأفادت بأن الموقف السوداني من تلك القضية غير واضح بشكل جيد، منوهة بأن "السودان أول المتضررين من السدود، وليس مصر". ووصفت حجم الضرر السوداني بأن سيكون "كارثيًا"، بينما حجم الضرر على مصر سيوضع في خانة "الخسائر" على حد تعبيرها.

عادت الطويل لتشدد على أن "موقف السودان من فصائل الإسلام السياسي، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين، والفصائل المسلحة في ليبيا، والعلاقة مع إيران، ستكون على رأس الأولويات في مباحثات السيسي والبشير". وتتهم وسائل إعلام مصرية غير رسمية السودان بدعم جماعة الإخوان المسلمين، والمساهمة في تهريب قياداتها إلى الخارج عبر أراضيها، غير أن تلك الإتهامات لم تدعمها أية مؤسسات رسمية. وتتهم الحكومة الليبية النظام السوداني بدعم الميليشيات الإسلامية المسلحة، وهو ما يتم نفيه دائمًا.

وقال الدكتور يسري العزباوي، الخبير السياسي، إن الملف الليبي من أهم الملفات التي تهمّ مصر والسودان، مشيرًا إلى أن "السودان أحد الممرات المهمة لتمويل الجماعات التكفيرية، من خلال قطر، ومصر في حاجة إلى التنسيق مع السودان لإغلاق هذا الممر".

أراض مصرية بحتة
وأضاف لـ"إيلاف" أن "التطرق إلى قضية حلايب وشلاتين سيكون هامشيًا"، لافتًا إلى أن "هذه القضية ليست أساسية، ومطروحة طوال الوقت، لكنها حصلت على حيز أكبر في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، الذي وعد السودان بحلها لمصلحته، رغم أنها أراض مصرية بشكل خالص". وأرجع السبب في التصعيد السوداني بشأنها إلى وجود "خلافات بين النظامين في مصر والسودان في أعقاب ثورة 30 يونيو، إضافة إلى الإستهلاك المحلي".

وذكر العزباوي أن دعم السودان للإخوان والمجموعات الجهادية من أخطر الملفات التي تهمّ مصر، وقال: "هناك أدوار أخرى قام بها السودان في الفترة الماضية، منها استقبال الإخوان وتهريبهم، وتمويل وتدريب المجموعات الجهادية التي تعمل في سيناء والواحات في الصحراء الغربية ضد الجيش المصري". ونبه إلى أن النظام في السودان يعتبر نفسه "نطامًا إسلاميًا"، معتبرًا أن "هذه هي نقطة الخلاف الأساسية بين مصر والسودان، وليس حلايب وشلاتين".

أزمة سد النهضة الأثيوبي ستكون حاضرة في مباحثات السيسي والبشير، وقال العزباوي: "السودان منذ بدء الأزمة يمسك العصا من المنتصف، لكنه فعليًا يتبنى الموقف الأثيوبي"، مشيرًا إلى أن مصر تعمل على بلورة موقف موحد مع السودان في هذا الشأن وإلى أن السودان في حاجة إلى مصر، لأنه يمر بالعديد من الأزمات داخليًا وخارجيًا.

البشير يحتاج دعم مصر
وقال العزباوي إن الرئيس البشير في حاجة إلى الدعم المصري في مواجهة مذكرة الإعتقال المقدمة بحقه من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لاسيما أن مصر ترفض هذا الأمر منذ عهد الرئيس السابق حسني مبارك.

وأوضح أن السودان في حاجة إلى علاقات مصر الدولية والإقليمية، خاصة أنها تخطت أزمة ما حصل في 30 يونيو، إضافة إلى أنها تملك التأثير في السودان، ولديها علاقات جيدة مع دولة جنوب السودان، مشيرًا إلى أن نظام عمر البشير لديه أزمات كثيرة داخلية، منها أزمة إقليم دارفور، والغضب الداخلي، خاصة أنه "نظام تسلطي بشكل أو بآخر"، مضيفًا أنه يحاول "تسكين الأوضاع، وحل المشاكل الخارجية، من أجل الوصول إلى توافقات سياسية للحفاظ على وجوده في الحكم".

&

&

&