برلين: تابع مستشارو الرئيس السوفياتي الاسبق ميخائيل غورباتشيوف سقوط جدار برلين بفرح كبير، لكنهم بعد 25 عاما ينتقدون "خيانة" البلدان الغربية ويقدمون دليلا على ذلك الازمة الاوكرانية.

وقبل ستة اعوام على سقوط الجدار، في 1985، وصل الى الكرملين زعيم جديد نشط، بعد عشرين عاما من حكم بريجينيف. ولم تكن الحرب الباردة قد انتهت بعد، لكن سياسة الانفتاح التي بدأها ميخائيل غورباتشيوف عبر "البيريسترويكا"، احدثت تغييرا عميقا في صورة "امبراطورية الشر" الملتصقة بالاتحاد السوفياتي. وعما قريب سيسقط جدار برلين وينهار الاتحاد السوفياتي، وسيعاد رسم الحدود في اوروبا.

واشادت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل السبت ب "شجاعة" معارضي النظام في المانيا الشرقية السابقة، مشددة على دورهم في سقوط جدار برلين الذي تستعد المانيا للاحتفال بذكراه الخامسة والعشرين في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.

واعتبرت ميركل في كلمتها الاسبوعية ان الاشخاص الذين شاركوا في تحركات المعارضة الديموقراطية لنظام جمهورية المانيا الديموقراطية "برهنوا عن شجاعة".

واضافت "لقد امدوا الآخرين بالشجاعة"، وخصوصا "مئات الاف وملايين" الاشخاص الذين شاركوا بعد ذلك في "تظاهرات الاثنين" في لايبزيغ اولا ثم في المدن الاخرى في جمهورية المانيا الديموقراطية. وقالت "لولاهم لواجهت هذه العملية كثيرا من الصعوبات ... لذلك يتعين علينا ان نقول لهم شكرا جزيلا".

ويتذكر مستشار ميخائيل غورباتشيوف للسياسة الخارجية اناتولي تشيرنياييف (95 عاما)، ان العلاقات بين السيد الجديد للكرملين والقادة الاجانب "خصوصا الادارة الاميركية" سرعان ما اصبحت "شخصية وبالتالي ودية".

وفي تصريح لوكالة فرانس برس، اضاف "بات واضحا مع سقوط جدار برلين ان لا تراجع عن هذه العملية". وقال "اتسمت تلك المرحلة بغبطة شاملة".

وقال المستشار في السفارة السوفياتية في برلين ايغور ماكسيميتشيف، ان ليلة 9 الى 10 تشرين الثاني/نوفمبر 1989 كانت مضطربة. فبعد ساعات على الاعلان عن امكانية مغادرة المانيا الشرقية، اتجه عدد من سكان برلين نحو "جدار العار" الذي يبعد 300 متر عن البعثة السوفياتية.

واضاف هذا الديبلوماسي الذي يبلغ الثانية والثمانين من العمر، "من نافذتي، رأيت اشخاصا صامتين يجتازون جادة اونتر دن ليندن في الظلام ويتوجهون نحو الجدار". وقال لوكالة فرانس برس "سمعت وقع اقدامهم، وكنت خائفا من سماع اطلاق نار". لكنه اوضح "لم يحصل اطلاق نار، فقد تلاشت الحدود".

وفي اليوم التالي، "تبلغ غورباتشيوف النبأ بارتياح وشكر للسفير سياسته الحكيمة. ارتياح شامل". لكن الاحداث التي ستلي اعادة توحيد المانيا -توسيع الحلف الاطلسي وخصوصا انهيار الاتحاد السوفياتي اواخر 1991- تلقي بظلالها القاتمة اليوم على ذكريات المقربين من غورباتشيوف.

وقال ايغور ماكسيميتشيف ان "اعادة توحيد المانيا كانت خطوة منطقية، لكن شرط ان تشارك روسيا في اوروبا الجديدة والا يقترب الحلف الاطلسي من حدودنا".

وشدد على القول ان "غورباتشيوف طرح هذا الشرط، وطمأنه القادة الغربيون". وقال "لم يوقع يا للأسف اي وثيقة في هذا الشأن". ودائما ما رد معظم صناع القرار في البلدان الغربية في فترة انتهاء الحرب الباردة تهمة الحنث بالوعد.

ويعرب ايغور ماكسيميتشيف عن اسفه "لفترة الاوهام الكبيرة" التي نجمت عن "تصديق كلام الغرب". ويذكر بأن الحلف الاطلسي ضم 13 بلدا من الكتلة الاشتراكية السابقة.

والدعم الراهن من البلدان الغربية الى السلطات الاوكرانية التي تريد تسريع التقارب مع الاتحاد الاوروبي والحلف الاطلسي، يعتبره مستشارو غورباتشيوف، وكذلك الكرملين في عهد فلاديمير بوتين، دليلا اضافيا على خيانة الاميركيين والاوروبيين. وقال اناتولي تشيرنياييف انه كان شاهدا على تأكيدات واشنطن حول عدم توسيع الحلف الاطلسي نحو الشرق.

وقال "سمعت شخصيا وزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر يعد غورباتشيوف في التاسع من شباط/فبراير 1990 في قاعة كاترين الثانية في الكرملين بأن الحلف الاطلسي لن يتمدد +قيد انملة+ نحو الشرق اذا ما وافقنا على دخول المانيا موحدة الحلف الاطلسي".

واوضح تشيرنياييف ان "غورباتشيوف اخذ هذه التأكيدات على انها كلمة شرف اعطاها اصدقاء". واعلن السفير السوفياتي السابق في بون في بداية التسعينات فلاديسلاف تيريخوف ان "على غورباتشيوف ان يبرر لماذا صدق ما قاله الغرب له".

وفي تصريح لوكالة فرانس برس قال "بعد كل الكلام المعسول حول اقامة اوروبا موحدة من المحيط الاطلسي الى المحيط الهادىء، ستقيم قوات الحلف الاطلسي معسكراتها عما قريب لدى جيراننا الاوكرانيين".

واضاف الدبلوماسي السابق الذي يبلغ الحادية والثمانين من العمر وشارك في اعداد معاهدة الشراكة والتعاون بين الاتحاد السوفياتي والمانيا الموحدة، "في تلك الفترة كنا نتصرف بالتالي تصرف اصدقاء مع اوروبا".

وخلص اناتولي تشيرنياييف الى القول ان "البلدان الغربية كانت تؤكد انها تريد القضاء على الشيوعية، لكن هدفها الحقيقي كان في الواقع القضاء على الاتحاد السوفياتي، وموقف الغرب المعادي لروسيا في الازمة الاوكرانية دليل اضافي على ذلك".