في اليوم الثاني من شهادته أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، روى النائب مروان حمادة مقدار الضغوط السورية الهائلة التي تعرّض لها الحريري قبل اغتياله، كإجباره على بيع أسهمه في جريدة النهار.


إيلاف - متابعة: تابعت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اليوم الثلثاء الاستماع إلى الشاهد النائب مروان حمادة، الذي قال إن رئيس الحكومة اللبناني الراحل رفيق الحريري كان هدفًا للاغتيال السياسي بسبب سياساته وسمعته ومعنوياته وكلماته، "وما تلا هذا الاغتيال في العام 2005 كان محاولة مستمرة من سوريا وحلفائها لعدم التخفيف من النفوذ السوري في لبنان، فكان هناك هجوم مستمر على شخصه وانجازاته، وعلى مقاومته النفسية والشخصية لهذه الضغوط، وما رافق ذلك من تهديدات".
&
الكلام عن الطائف ممنوع
وقال حمادة في اليوم الثاني من شهادته: "في العام 2005، طلب من الحريري تعديل الحكومة، وبعد تعديلها بشهرين تعرضت محطة تلفزيون المستقبل، التي يملكها الحريري،لهجوم بالقنابل أدى إلى تدميرها واحراقها، فكان لا بد من نقلها إلى مكان آخر".
وأضاف أن الحريري طلب منه كتابة مقدمة البيان الوزاري لحكومته، كما طلب من كل وزير أن يضع فكرة عن وزارته وعن أهدافها الاساسية، "فقمت بصياغة المقدمة وعرضتها عليه، وفيها اشارة اعتبرتها طبيعية للغاية بأن تقوم الحكومة بتنفيذ البنود غير المنفذة في اتفاق الطائف، وهي كثيرة،وأهمها ما يتعلق بقانون الانتخاب والشروع في عملية الغاء الطائفية السياسية وتحقيق اللامركزية الادارية، وانسحاب القوات السورية من لبنان، وحل الميليشيات نهائيًا. وعندما قدمت له المشروع قرأه بإمعان وتوقف عند الجملة المتعلقة باتفاق الطائف، وقال لي بالحرف الواحد "عزيزي مروان أتريد أن نُقتل، أتريد أن نُلغى". وأبديت دهشتي وقلت له يا دولة الرئيس هذا اتفاق الطائف الذي وضعته مع سوريا والسعودية،فلماذا ممنوع الاشارة الى هذه البنود، فقال "فهمك كفاية"، وأخذ الورقة ووضعها في سلة المهملات، وطلب أن أعيد كتابة المقدمة من دون الاشارة إلى اتفاق الطائف".
&
نصف صامتة
وصف حمادة الحكومة التي تشكلت في نيسان (أبريل) 2003 بأنها الحكومة التي فرضت". كما وصف معارضة الحريري للوجود السوري بالمعارضة نصف الصامتة، "أي صامتة بالمعنى الرسمي للكلمة، اما في محيطه ولدى الرأي العام التابع له، توسعت المعارضة للوجود السوري وكان الحريري يعرف في قرارة نفسه أن اي اعلان رسمي عن هذا الرأي يعني القطيعة النهائية مع نظام بشار الأسد، مع ما يستتبع ذلك من ردود فعل، وكانت المرحلة في غاية الدقة إذ كانت تحصل حينها احداث العراق".
&
وعن تعبير الحريري عن معارضته للوجود السوري على المستوى الخارجي، قال حمادة: "لم اكن احضر الزيارات الخارجية والمناقشات التي كان يقوم بها في الدول العربية أو اوروبا، لكن كان يعرب فيها عن تحفظاته لاصدقائه كالرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وفي الدوائر الاكثر خصوصية والاقرب اليه أي في دول الخليج ومصر".
&
اضاف: "كان واضحًا انزعاجه من الوجود السوري ومن ترجمة هذا الوجود ضغوطًا على الحياة السياسية اللبنانية في كل شاردة وواردة وكان منزعجا إلى اقصى الحدود، والأحداث التي ذكرتها تدل بشكل واضح،إلى جانب ما كان يقوله لنا من نتائج للقاءات مع العميد السوري رستم غزالة وما يسمعه في دمشق أن مساحة الحرية اللبنانية في تقلص دائم بسبب الوصاية السورية بعد العام 2000، وصولا إلى الاحداث في العامين 2004 و2005".
&
مارس الاعتكاف
أشار حمادة إلى أن الضغوط كانت تحصل باستمرار منذ العام 2000، لكنها بدأت منذ العام 1998 بعد أن خرج الحريري من الحكومة، وقبل ذلك. وقال: "لقد تنحى قبل ذلك واعتمد الاعتكاف، أي مارس نوعًا من المقاطعة للاعلان عن عدم رضاه عن الاوامر السورية التي كانت توجه للوزراء او المسؤولين الامنيين".
وعن الخطر الناجم عن صياغة البيان الوزاري في ما يتضمنه حول عدم تطبيق الطائف بأكمله، قال حمادة: "الخطر الاول كان الحكومة التي فرضت في العام 2003 وتعدلت فيها الاكثريات، وكان معظم اعضائها تحت النفوذ السوري وأجهزته،والخطر الثاني غير ظاهر، لكنه كامن في فيتو سوري على تنفيذ اتفاق الطائف، لأن احتمال الانسحاب كان غير وارد في المنطق السوري، ولم يكن أحد في لبنان يحاول أن يفاتح السوريين بشكل واضح أن ينسحبوا، فكانت صرخة من القوى السياسية كالبطريرك الماروني ووليد جنبلاط".
واعترف حمادة أن الاشارة لتنفيذ الطائف لم تكن فكرته، "لأنه في كل بيان وزاري وتحديدًا بعد الطائف كنا نشير إلى هذا الموضوع، لكن مع مرور الوقت، وغياب انسحاب القوات السورية، وبعد انسحاب اسرائيل بدأ اللبنانيون يطالبون بانسحاب القوات السورية بالتوازي مع أحداث العام 2004".
&
اجتماع دمشق
وقال حمادة في شهادته إن الموضوع صار حساسًا بالنسبة للسوريين، فقد تبلورت الظروف في ذلك الوقت، ونادت اغلبية الرأي العام اللبناني والمسيحي والقوى السياسة اللبنانية بوقف استمرار الاحتلال السوري، وكذلك تصاعدت هذه المطالبة عربيًا.
أضاف: "في ذلك الوقت، لم ندرك انه كانت هناك امكانية لقتله، كنت أظن أن الالغاء سيكون سياسيًا او عبر إجباره على مغادرة لبنان، والصحافة كانت تشير إلى اقوال عديدة، واوافق انها يمكن أن تكون شائعات بأن الحريري اذا استمر في معارضة السوريين فان مصيره النفي او الموت".
وعن اجتماع الحريري في دمشق مع الاسد في كانون الاول 2003، لم يكن حمادة على علم به قبل انعقاده. وقال: "بعد أن زار الحريري دمشق في القسم الثاني من شهر كانون الأول (ديسمبر) 2003، اتصل بغسان تويني وبجبران تويني واستدعاهما إلى قريطم فلبيا دعوته وقال لهما بالحرف إن بشار الاسد اتهمه بأنه يساعد ويدعم جريدة النهار المعادية في نظر الاسد للنظام السوري والمتبنية سياسة المعارضة اللبنانية التي كانت تطالب بتنفيذ اتفاق الطائف وبنوده غير المنفذة، وقال له الحريري انه غير مسؤول عن جريدة النهار لانها مستقلة، وكونه مساهمًا فيها لا يغير شيئًا".
وأشار إلى أن الحريري لم يقل له ما حصل معه في دمشق، "بل حدثني عن ذلك لاحقًا كما تحدث إلى عدد من المقربين اليه، قال ذلك لغسان وجبران ولي والمقربين منه والمحامين".
&
أخرج من النهار!
سئل حمادة: "هل قال لك الحريري لماذا أمره الاسد بذلك؟"
اجاب: "قال لي إن سياسة الجريدة لم ترضِ على الاطلاق الاسد، وهي جزء من معارضته للاعلام الذي كان يطالب بانسحاب سوريا، فالمقالات الافتتاحية لغسان تويني الذي كان يقارن فيها الوضع في العراق بمصير سوريا ما لم تعامل لبنان كدولة شقيقة، هذه الكلمات في الافتتاحية لم ترضِ الاسد وازعجته كثيرًا، كما هناك مقالات كتبها سمير قصير، الذي اغتيل في ربيع 2005، وكانت شبه أسبوعية وتطرق فيها إلى الوضع في فلسطين وايضا في سوريا".
سأله القاضي: "في ذلك الحوار، هل كان هناك أي تلميح إلى أن الاسد قال للحريري لمَ عليه أن يبيع اسهمه في النهار؟"
اجاب حمادة: "قانون المطبوعات اللبناني لا يسمح لحامل الاسهم بالبيع إلى اشخاص من الخارج، انما فقط لحاملي الاسهم من ضمن المؤسسة، الا اذا حصل على توافق من جميع المساهمين. الحريري قال للاسد إن عائلة تويني لا تملك 12 مليون دولار قيمة اسهم الحريري، قال فليجدوا طريقة وانت اخرج من تلك الصحيفة".
وقال حمادة إن العلاقة الودية والاخوية بين عائلتي التويني والحريري تتخطى الاعتبارات المالية، "وكان غسان تويني يعلم أن الحريري تحت ضغط متواصل من السوريين، من نسف تلفزيون المستقبل واغلاق ام تي في إلى النهار، كان الحريري يعلم أن آل التويني لا يستطيعون شراء الاسهم وان لا احد يستطيع أن يشتريها، فابتكر في العقد تقسيطًا بتواريخ تؤجل الدفع إلى ما بعد الانتخابات،إذ كان الحريري يأمل في أن تكون الظروف في لبنان اقل تشنجًا".
&