تهدف موجة الاغتيالات السياسية الضخمة التي تواجه ليبيا إلى القضاء على كل المساعي الهادفة إلى بناء دولة ديمقراطية، بعد اسقاط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي. وكانت لبنغازي الحصة الأكبر حيث قتل أكثر من 100 من كبار شخصياتها.


لندن: توجس القاضي جمال بنور، أحد قادة الإنتفاضة الليبية خشية على مستقبل الثورة يوم قُتل صديقه الناشط الحقوقي، عبد السلام المسماري برصاص مسلح مجهول أمامه.
حدث ذلك في تموز (يوليو) الماضي بعد نحو عامين على مشاركة بنور والمسماري في إسقاط نظام القذافي وعام على تسليم مسؤولياتهما في الحكومة إلى المؤتمر الوطني العام. وكان الصديقان خارجين من المسجد بعد صلاة الجمعة عائدين إلى منزليهما في بنغازي، عندما أطلق مسلح في سيارة ذات دفع رباعي النار على المسامري وأصابه في صدره.
وقال بنور quot;انها كانت لحظة واحدة فقدنا فيها عبد السلامquot;.

الانقسامات السياسية
وتشهد ليبيا منذ قيام الثورة في عام 2011 أعمال عنف أسفرت عن مقتل أكثر من 1200 شخص، وقعوا ضحية اعتداءات إنتقامية وصراعات على السلطة وجريمة متفاقمة.
وبسبب الانقسامات السياسية في المؤتمر الوطني العام، أعلى هيئة سياسية منتخبة في ليبيا، ودعم كل كتلة داخل المؤتمر بميليشيات متنازعة، كانت الحكومة التي شُكلت بمباركة المؤتمر نفسه، عاجزة عمليًا لا حول لها ولا قوة.
وأبقت الصراعات السياسية سيف الإقالة مسلطًا على رئيس الوزراء علي زيدان طيلة أشهر، قبل أن يصوت المؤتمر الوطني بعزله يوم الثلاثاء، وما شاع من تكهنات عن فراره تاركًا ليبيا بلا وزير داخلية منذ استقالة محمد خليفة الشيخ في آب (اغسطس) العام الماضي.
بنغازي
ولم تتضرر منطقة في ليبيا بتردي الوضع السياسي، والاضطراب الأمني كما تضررت مدينة بنغازي، مهد الانتفاضة. إذ شهدت ثاني المدن الليبية مقتل أكثر من 100 من كبار شخصياتها العامة ومسؤوليها الأمنيين، وقضاتها وناشطيها السياسيين. واستنزفت موجة الإغتيالات الكوادر القيادية المحلية وأصابت الادارة المدنية والأجهزة الأمنية بالشلل.
ويشكو سكان بنغازي من تصرفات ميليشيات عديدة سائبة، بينها جماعات إسلامية متطرفة لها قواعد في المدينة.
كما تُعزى بعض أعمال القتل والاغتيالات إلى عصابات التهريب والجريمة المنظمة ومئات العتاة من المحكومين الذين فروا من السجون خلال الانتفاضة، وكذلك إلى انتشار الأسلحة التي نُهبت من مخازن السلاح لتجد طريقها إلى الشارع.

لا للديمقراطية
ولكن الاغتيالات السياسية اكتسبت طابعًا منهجيًا حتى أن مسؤولين وأعضاء في المؤتمر الوطني العام وناشطين، يقولون إنها حملة مخططة لإخماد أمل الليبيين في بناء دولة ديمقراطية، وبلد يسوده الأمن والاستقرار والازدهار. وتكفي الاشارة إلى أن المسماري الذي قُتل في تموز (يوليو) الماضي كان قائد ائتلاف 17 فبراير الذي يضم قانونيين وحقوقيين وناشطين، تولوا قيادة الحكومة الثورية في بنغازي خلال الانتفاضة.
وبعد ثلاث سنوات على الانتفاضة، رحل العديد من أعضاء الائتلاف عن مدينتهم التي كانوا مستعدين للتضحية بحياتهم لتحريرها من قبضة القذافي. وقال القاضي بنور لصحيفة نيويورك تايمز، إن غالبيتهم اضطروا إلى الرحيل وغادروا ليبيا طالبين اللجوء السياسي في الخارج.
وكان القاضي بنور نفسه نجا بإعجوبة من محاولة اغتيال قبل 10 ايام على مقتل صديقه المسماري. وتلقى منذ ذلك الحين تهديدات عديدة بالقتل على هاتفه الخلوي، حتى أنه غادر بنغازي ونقل عائلته إلى طرابلس. ويعيش القاضي بنور الآن متخفياً لا يستطيع أن يزور عائلته.
القتل شمل الجميع
وتصاعدت الإغتيالات في بنغازي مع مرور الوقت، وبعد ما كان الضحايا الأوائل مسؤولين سابقين في الأجهزة الأمنية، فإن الإغتيالات تستهدف اليوم ضباطًا من شباب الثورة، كما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن دبلوماسي غربي طلب عدم ذكر اسمه.
واستهدفت أعمال القتل قنصليات أجنبية وعمالًا أجانب ايضًا في محاولة لترهيب حلفاء ليبيا الجديدة واصدقائها، على ما يبدو، بمن فيهم دبلوماسيون وعمال من دول مجاورة مثل تونس ومصر. ففي غضون أسبوع واحد مؤخراً، خُطف وأُعدم سبعة مصريين وقُتل مهندس فرنسي وستة ليبيين برصاص مسلحين مجهولين. وأُصيب آخرون بجروح في محاولات اغتيال فاشلة.
وحين قُتل خمسة ليبيين في يوم واحد مؤخرًا، نزل سكان بنغازي إلى الشوارع واشعلوا النار في إطارات احتجاجاً، فيما أعلنت السلطة القضائية والمحاكم تعليق عملها.

غياب الأمن
وقال القاضي بنور بحزن quot;اننا حتى خلال الحرب لم نتوقف عن العملquot; مضيفًا quot;أن المشكلة تكمن في غياب الجيش والأمنquot;. وتساءل القاضي بنور quot;كيف يمكن أن تطلب من القضاة أن يعملوا إذا كنتَ لا تستطيع حمايتهم؟quot;
رأى القاضي بنور قاتل صديقه المسماري يطلق النار من مسافة قريبة لا تتعدى بضعة أمتار، وقال إن القاتل كان مجرمًا عاديًا، ولكنه بدا حسن التدريب. وأضاف أن الجريمة المنظمة وفلول نظام القذافي، والاسلاميين كلهم لهم مصلحة في إجهاض الثورة.
ورأى آخرون أن موجة الاغتيالات محاولة لتصفية الخصوم بين القيادات المحلية. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن عضو في لجنة الأمن في المؤتمر الوطني العام قوله quot;إنها عملية منهجية لمنع بناء دولة حديثةquot;. واضاف quot;أن هؤلاء العناصر المتطرفين يريدون استئصال الجهاز الأمني والعيش وفق أحكام الشريعة كما يفهمونها، وهم لا يريدون دولة لها جيش وقوات أمنيةquot;. واسلوبهم في تحقيق هدفهم هو الارهاب، بحسب عضو المؤتمر الوطني العام الذي طلب عدم ذكر اسمه.