كانت أميركا لا تقيم وزنًا في بادئ الأمر للحروب الالكترونية إلا إذا كان مصدرها روسيًا أو صينيًا، إلا أن إيران أمست أخيرًا في عداد القوى العشر الأولى في هذا المضمار. وباتت القرصنة الالكترونية لطهران سلاحًا سياسيًا تفعّله أو تحجبه حسب الظرف والمصلحة السياسية.


حدث أمر غريب عندما اقتربت محادثات القوى الدولية الست مع إيران، بشأن برنامجها النووي، من التوصل إلى اتفاق مرحلي في خريف العام الماضي. إذ تباطأت، حتى كادت تتوقف تمامًا الهجمات الالكترونية الواسعة، التي ظلت تستهدف مواقع وول ستريت طيلة عام تقريبًا.

تساءل مراقبون عن السبب، الذي أدى إلى توقف هذه الهجمات المرتبطة بإيران على مصارف أميركية، وكأنها صنبور ماء أُغلق فجأة. ويقول خبراء أميركيون في الحرب الالكترونية إن أحد الأسباب كان رغبة إيران في تخفيف الاحتكاك موقتًا على الأقل خلال مفاوضات فيينا النووية.

باستثناء أميركا
لكن في الوقت الذي انحسرت فيه الهجمات الالكترونية لاعتبارات دبلوماسية على ما يبدو، فإن تجسس إيران الكترونيًا على الجيش الأميركي وشبكات الطاقة الأميركية استمر بلا هوادة، بل تصاعد، بحسب هؤلاء الخبراء. على سبيل المثال، ذكرت صحيفة وول ستريت أن البحرية الأميركية احتاجت حتى أربعة أشهر لإزالة آثار الهجوم، الذي نفذه قراصنة إلكترونيون إيرانيون، والمتمثل في اختراق أكبر شبكاتها الالكترونية غير المصنفة، وقبل ذلك اختراقهم شبكة لسلاح مشاة البحرية.

يرى الخبراء أن هذا النشاط الإيراني الاستثنائي دليل على تحوّل إيران لمصدر تهديد كبير في حقبة الحرب الالكترونية، التي تشهد تطورات متسارعة، بعد سنوات، ظلت فيها إيران لاعبًا صغيرًا في هذه الساحة.

يثير هذا التحول قلقًا متزايدًا، سواء في أجهزة الاستخبارات، أو شركات أمن الانترنت، التي توفر الحماية للمصالح التجارية والمجمعات الصناعية والتكنولوجية الأميركية. وتضع هذه الدوائر إيران الآن في عداد القوى العشر الأولى في ميدان الحرب الالكترونية.

ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث أميركي في واشنطن، قوله quot;إن إيران تمثل لاعبًا الكترونيًا يختلف نوعيًا. فالإيرانيون لا يسرقون ملكيتنا الفكرية بالجملة، كما تفعل الصين، أو يستخدمون الفضاء الالكتروني سوقًا سوداء، كما يفعل الروس، بل إن أهداف إيران من استخدام التجسس الالكتروني بناء قدراتها على الرد في الخارج، تجعلها تهديدًا خطيرًاquot;.

خطر جدي
وفي حين أن إيران ليست قوة عظمى في الحرب الالكترونية بمستوى الولايات المتحدة والصين وروسيا، فإن كثافة الاختراقات الالكترونية المرتبطة بإيران وتنوعها وقدرتها التدميرية خلال السنوات الخمس الماضية، دفعت الخبراء إلى إعادة النظر في تقويم حجم الخطر الذي تمثله.

وأوضح خبير في الحرب الالكترونية، طلب عدم ذكر اسمه، quot;أن الاستخبارات الأميركية كانت حتى الآونة الأخيرة تنظر إلى خصوم أميركا الالكترونيين على أنهم ثنائي، قطباه روسيا والصين، وأن قدرات إيران قد تكون بدائية من نواحٍ عديدة، لكن ما تفتقد إليه على مستوى التطور التكنولوجي تعوّض عنه وأكثر بتصميمهاquot; على إلحاق أضرار بالغة.

على سبيل المثال، يُشتبه في أن إيران كانت وراء الفيروس، الذي عطل 30 ألف كومبيوتر في شركة أرامكو السعودية عام 2012، وتنفيذ هجوم مماثل على شركة رأس غاز القطرية في العام نفسه.

وإذا كانت هذه الهجمات بدائية، فإن قدرات إيران شهدت منذ ذلك الحين نموًا متسارعًا، بفضل التمويل الضخم، الذي يلقاه هذا النشاط من طهران، حيث بلغ مليار دولار في عام 2011 وحده، فضلًا عن سهولة حصول إيران على أدوات الكترونية وخبرات روسية وصينية في السوق السوداء.

فرق قرصنة
قال جيمس لويس، خبير الحرب الالكترونية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن الإيرانيين quot;أعدوا الأُطر البنيوية والاستراتيجية، وحصلوا على أدوات برمجية من السوق السوداء، ولديهم فرق مهمتها القرصنة الالكترونيةquot;.

كما تعمل إيران على تطوير قدراتها التجسسية، من خلال القرصنة الالكترونية، لأسباب داخلية أيضًا. إذ كان من أكثر هجماتها الالكترونية تطورًا في عام 2011 اختراق كومبيوترات شركة هولندية، لسرقة شهادات رقمية، تُستخدم في تأمين الاتصالات عبر الانترنت. وأفادت تقارير أن إيران استخدمت هذه الشهادات من أجل التجسس على مواطنيها ومراقبة بريدهم الالكتروني واتصالاتهم.

وأشار الخبير بيرمان من مجلس السياسة الخارجية الأميركي إلى أن إيران، بخلاف الصين، تطور قدراتها الهجومية الالكترونية لتكون أداة غير متناظرة، قادرة على الوصول إلى أنحاء العالم، تعويضًا عن ضعفها النسبي في القوات التقليدية.

كما تريد إيران من خلال اكتساب قدرات جديدة في مجال الحرب الالكترونية إرسال إشارات إلى الولايات، تنقل إليها رضاها أو امتعاضها، كما فعلت حين أوقفت عمليًا هجماتها الالكترونية على مواقع وول ستريت، خلال المفاوضات بشأن برنامجها النووي تعبيرًا عن رغبتها في التوصل إلى اتفاق.

الاستفادة من فيروسات الآخرين
من الأسباب الأخرى لقلق الولايات المتحدة ودول أخرى إزاء تنامي التهديد النووي الإيراني، استفادة إيران من الهجمات الالكترونية التي ينفذها آخرون ضدها، كما يلاحظ خبراء.

ويشير الخبراء إلى الدراسة التي نشرها المهندس الالكتروني الإيراني مرتضى رضائي في مجلة كونترول غلوبال Control Global الالكترونية الأميركية عن طرق الدفاع ضد فيروسات، مثل فيروس ستاكسنت، الذي استهدف منشآت نووية إيرانية عام 2010.

في هذا الشأن، نقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن الخبيرة في أمن المنظومات الالكترونية جو فايس قولها quot;إن هذا يبيّن أن لدى الإيرانيين معرفة وقدرة على الوصول إلى أحدث الحلول بلا استثناء، وهو يبيّن أنهم قادرون على أن يفعلوا بنا ما يعتقدون أننا فعلنا بهمquot;. وأضافت فايس إن الإيرانيين quot;أرسلوا خبراءَهم التكنولوجيين لدراسة الفيروس ستاكسنت، ورؤية ما يمكن تعلمه منه، ولن أستغرب إذا شاهدنا شيئًا بمثل هذه القوة منهم في المستقبل غير البعيدquot;.