الإنتصارات الأخيرة التي حقّقها جيش بشار الأسد في يبرود والحصن والزارة، تعود في جانب منها إلى دعم ميليشيا حزب الله واستعمال سلاح التطويق والحصار والتجويع، علاوة على تشرذم المعارضة وتقاتلها في ما بينها.


بيروت: تعود سلسلة الانتصارات العسكرية التي حققها النظام السوري اخيرا بصورة كبيرة الى انخراط حزب الله بكل ثقله في المعركة، لا سيما في المناطق الحدودية مع لبنان، مقابل تفكك شامل عسكريًا وسياسيًا داخل المعارضة.

ومنذ اشهر عديدة، بدأ النظام السوري تنفيذ استراتيجية جديدة على الارض تقوم بشكل اساسي على تطويق المناطق التي يريد السيطرة عليها واستخدام سلاح التجويع والحصار الى حين الوصول الى اتفاق مع المقاتلين للانسحاب.

في المقابل، تتالت مؤشرات الانهاك في صفوف مقاتلي المعارضة المتشرذمين الذين يفتقدون قيادة موحدة والسلاح والدعم المادي.

حزب الله غيّر المعادلة

يقول استاذ الدراسات الاسلامية والشرق اوسطية في جامعة ادنبره توما بييريه لوكالة فرانس برس quot;حقق النظام نجاحات في منطقة القلمون (شمال دمشق) بسبب انخراط حزب الله القوي فيها لأسباب تتعلق بقربها من لبنان. في ريف حمص الغربي (الزارة وبلدة الحصن)، المعركة خاسرة منذ وقت طويل بالنسبة الى المعارضة المسلحةquot;.

إنقسام المعارضة

وكان مصدر عسكري سوري اكد لفرانس برس ان النظام يعتمد منذ اشهر استراتيجية جديدة تقوم على quot;تطويق المنطقة التي يراد الدخول اليها والسماح للمقاتلين داخلها بالخروج شرط تسليم سلاحهم...quot;. واشار الى ان هذا quot;يخلق انقسامات بين المقاتلين، ثم يحصل الهجومquot;، بعد ان يخلي العدد الاكبر منهم المنطقة، كما حصل في يبرود وغيرها من قرى القلمون قبلها، وفي الزارة والحصن.

ويؤكد ناشط سوري على اتصال وثيق بالمجموعات المقاتلة على الارض ان خسارة مقاتلي المعارضة مدينة يبرود، آخر اكبر معقل لهم في القلمون، والحصن التي يقاتلون فيها منذ اكثر من سنتين في ريف حمص الغربي، تعود الى عوامل عدة ابرزها التفوق التقني والبشري مقابل مجموعات استنزفها عامل الوقت.

الحصار والتجويع

ويوضح ان بلدة الحصن التي تضم القلعة الاثرية كانت quot;محاصرة منذ اكثر من سنتين. من اجل الحصول على الطعام، كان المقاتلون داخلها يرشون العناصر الموجودين على حواجز النظام من اجل ادخال بعض المواد الغذائية. بعد ان قرر النظام شن هجوم جديد في المنطقة وسيطر على الزارة، صار الوضع اكثر صعوبة. فحصل اتفاق بينهم وبين النظام على ان يفتح النظام طريقا للمقاتلين الى لبنان ويسمح لهم بالانسحاب وهذا ما حصلquot;.

ويضيف quot;سنتان من الحصار، وهم يقاومون البراميل والجوع والمدافع بقدرات ضئيلة. لقد تعبوا. كانت تمر عليهم اوقات يكتفون خلالها بأكل الاعشابquot;.

بالنسبة الى يبرود، يقول الناشط quot;لعب التفوق التقني والعسكري دورا بارزا، وخصوصا الدم الجديد المتمثل بوضع حزب الله كل ثقله في المعركة، وانضمام ميليشيات عراقية بكثافة الى القوات النظاميةquot;.

المعارضة أنهِكت

ويضيف quot;كان الثوار يقومون بعمليات نوعية نهارا. ليلا حزب الله الذي يملك المناظير الليلية والقدرات التقنية يعود فيأخذ كل شيء. المقاتلون العراقيون من جهتهم متعافون لم يشاركوا في معارك سابقة، على عكس مقاتلي المعارضة المنهكينquot;.

وينقسم مقاتلو المعارضة الى مئات المجموعات المسلحة التي لا تجمعها قيادة واحدة، ويفتقدون الاسلحة النوعية والدعم العسكري الفعال، في ظل استمرار التردد الغربي في تقديم السلاح وتراجع الدعم الخليجي.

بالاضافة الى ذلك، هناك صراعات على السلطة داخلها وينخرها الفساد وتبديد الاموال. بينما تستنزف الجبهة المستجدة منذ بداية العام في الشمال خصوصا مع تنظيم quot;الدولة الاسلامية في العراق والشامquot; قوتها وقدراتها.

خسارة يبرود

على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت، تتجلى بوضوح انقسامات مجموعات المعارضة المسلحة.

وغرد المتحدث باسم جبهة النصرة في القلمون في هذا الاطار على حسابه على موقع quot;تويترquot; قائلا quot;يبرود لم تسقط.. يبرود تم تسليمهاquot; الى النظام وحزب الله.

ثم تساءل quot;هل تم بيع يبرود؟ (...) هل تم تسليمها بالمجان؟quot;، متهمًا مجموعات بـquot;الهروبquot; من المدينة وquot;اشاعة خبر سقوطها لتبريرquot; انفسهم.

القاعدة الشعبية تتقلّص

من جهة ثانية، يؤكد ناشطون ان السكان المتعاطفين مع المعارضة باتوا يظهرون مؤشرات ملل من حرب هجّرت الملايين وتسبّبت بمقتل حوالى 150 الف شخص.

ويقول الخبير الفرنسي في الشؤون السورية فابريس بالانش quot;لا يمكن لمعارضة منقسمة في مواجهة نظام موحد ان تنتصرquot;.

ويضيف quot;بعد ثلاث سنوات من النزاع، السوريون يتوقون الى استعادة الامنquot;، مشيرا الى ان المناطق التي يسيطر عليها النظام تبدو quot;آمنةquot; اكثر من المناطق الاخرى، مشيرا الى غياب quot;البديل السياسيquot; لدى المعارضة.

ويشير الى ان هدف النظام، في اطار استراتيجيته التي بدأها منذ معركة القصير في ريف حمص مدعوما من حزب الله ايضا في حزيران/يونيو 2013، quot;استعادة كل الجيوب المعارضة الموجودة في مناطق سيطرته، بقعة وراء بقعة، بالقوة (القلمون)، او بالتفاوض (ببيلا والزبداني في ريف دمشق)quot;.

ويرى ان النظام سينتقل على الارجح في المرحلة المقبلة quot;الى وسط حمص والرستن، واليرموك (في دمشق) وغيرها من الاهداف الصغيرة، قبل ان يقرر ما اذا كان سيخوض معركة الجنوب او الشمالquot;.

إنتصارات محدودة

الا ان بييريه يحذر من المبالغة في تقييم هذه النجاحات العسكرية الاخيرة للنظام.

ويقول quot;التطورات العسكرية محددة جغرافيا. (...) النظام يتقدم في بعض المناطق، ويتراجع في اخرىquot;، في اشارة الى سيطرة مقاتلي المعارضة اخيرا على سجن درعا المركزي وتقدمهم في حي جوبر في شرق دمشق واستيلائهم على حواجز عديدة في محافظتي ادلب (شمال غرب) وحماة (وسط)، ومنع النظام من التقدم في حلب (شمال).