يستمرّ السجال اللبناني حول طرح تشريع زراعة الحشيش، لكن من المستفيد الحقيقي من هذا الأمر إن كان الحشيش غير مفيد طبيًا؟ ثمّة من يلمح إلى أن الطرح غير بريء.
بيروت: في لبنان، بلد المعادلات السياسيّة، تبرز معادلات اقتصاديّة – اجتماعيّة تنطبق إحداها على منطقة البقاع المحكومة بمعادلة الحشيش والحرمان. فبعد فشل الحكومات المتعاقبة في إنماء هذه المنطقة وتوفير ما يلزم المزارع البقاعي من احتياجات للعيش بكرامة، لم يجد الأخير نفسه سوى أمام زراعة الحشيش التي تدرُّ عليه أرباحًا مرتفعة نسبيًا تمكّنه من الاستمرار.
غض نظر
مضى نحو 94 عامًا على زراعة الحشيش في لبنان، إذ بدأت عام 1920. وعلى الرغم من صدور قرار يمنع زراعتها منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، لكنها&ما تزال الأولى على الساحة البقاعيّة، كونها الأكثر ملاءمة للزراعة في ظلّ الظروف المناخيّة وشحّ المياه.
وبين تلف هذه المزروعات وغضّ النظر عنها، ونظرًا لغياب الدولة عن تنفيذ مشاريع بديلة، عادت مساحة الأراضي المزروعة بحشيش الكيف للتوسّع، فتنتشر بين الفينة والأخرى دعوات لتشريع زراعة الحشيش وجعلها تحت سيطرة الدولة ورقابتها، محدثة جدلًا عن جدواها الاقتصاديّة ومدى تأثيرها على سعر النبتة المرتفع نسبيًا، نظرًا لعدم شرعيتها وأخطارها.
استفادة طبيّة محدودة
هل الحشيش مكوّن أساسي في صناعة الدواء؟ يقول النائب ووزير الصحّة السابق الدكتور اسماعيل سكريّة لـ"إيلاف": "الحشيش ليس مكوّنًا أساسيًا في صناعة الدواء، إنّما المصدر الأساسي هو الهيرويين والأفيون، فالحشيش يُستعمل في بعض أنواع التخدير ولكن بمحدوديّة، فمادة THS الموجودة في الحشيش لا تُستعمل كثيرًا في الطبّ، أما الأفيون فيؤخذ منه المورفين والكودايين والتيبائين، وأدوية السعال وغيرها، ولها استعمال طبّي واسع".
وعن أسباب الدعوات إلى تشريع زراعة الحشيش في لبنان لاستعمالات طبيّة، خصوصًا أن الاستفادة منها في هذا الإطار محدودة، يردّ سكريّة: "الفقر يولّد الاقتراحات، لكن مثل هذه الاقتراحات لا تليق بنا في لبنان، لأنها تستوجب وجود دولة ترعى وتضبط وتراقب، فلا أحد يضمن حصرها ضمن صناعة الدواء ولا حصر المساحات المزروعة، وصحيح أن هناك كثيرًا من الدول تعتمد على زراعات محدودة منها لاستعمالات مفيدة، لكن في لبنان الوضع يختلف وهذه الطروحات أُدرجها ضمن المزاح".
طرح غير بريء
وعن الاستفادة الاقتصاديّة من هذه الزراعة، التي كانت تدرُ أكثر من 500 مليون دولار خلال الحرب اللبنانيّة، يقول سكريّة: "المزارع يرى في الحشيش زراعة سهلة وغير مكلفة، لكن الأرباح الكبرى يحصل عليها التاجر وليس المزارع العادي، لذلك لا يمكن الحديث عن فائدة اقتصاديّة للأغلبيّة الساحقة من سكان البقاع الذين بمعظمهم هم من المزارعين، ما يحدث يدخلنا ضمن ما يسمّى بالاقتصاد الريعي".
وعن أسباب طرحها بهذا التوقيت، وإمكانيّة وجود نافذين مستفيدين من الاستثمار في هكذا مشروع، يقول سكريّة: "طرحها في هذا التوقيت ليس بريئًا، هناك من يخطّط للاستثمار فيها، وهناك علامة استفهام كبيرة حول الموضوع، وللأسف هناك من يفكّر بالأرباح التي قد يجنيها، والاستثمارات التي قد يحقّقها، بغض النظر عن إمكانيّة ضبطها".
وعن جديّة هذا الطرح، في ظلّ التشكيك والمخاوف التي تحيط به، يردّ سكريّة: "حاليًا، ما من معطيات حول تشريع هذه الزراعة، لكن طرحه للتداول عدة مرّات ومن فترة إلى أخرى يساهم بجعله مقبولًا ولو نفسيًا، ما يعني قابليته للتنفيذ".
عقوبات دوليّة
لهذا القرار تبعات قانونيّة في حال جنح لبنان عن المعايير الدوليّة لهذه الزراعة والتجارة فيها، ما يدخله في خانة تبييض الأموال. ويقول سكريّة: "التنفيذ يجب أن يكون ضمن مساحة معيّنة، ووفق اتفاقيات مع الأمم المتحدة والفاو ومنظّمة التجارة العالميّة، وهناك ضوابط دوليّة يجب الالتزام بها، لكن إذا جنح لبنان وكثرت المساحات المزروعة لأهداف غير طبيّة، لاشكّ أن ذلك ستترتّب عليه عقوبات دوليّة".
من جهة أخرى، يقول وزير العدل السابق ابراهيم نجّار، إن تشريع زراعة الحشيش والاستفادة منها لأمور طبيّة لا يدخل ضمن القانون الدولي، والدليل أن كثيرًا من الدول تعتمد عليها مثل أفغانستان وبعض الولايات الأميركيّة. ويضيف نجّار: "الموضوع خلافي في لبنان، والمسألة نسبيّة تمامًا مثل الخمر الممنوع في بعض المجتمعات، لكنها ليست إشكاليّة قانونيّة، فالانتاج لاستعمالات داخليّة طبيّة يختلف عن التصدير وليس مخالفًا للنظام الدولي". ويشير نجّار إلى أن ليس له موقف من هذا الموضوع، ولكن قانونيًا لا يوجد نصّ يحرّم تصدير الحشيش.
الوصف النباتي
تُعرف نبتة الحشيش باللغة اللاتينيّة بإسم "Cannabis sativa" وهي تعني الضوضاء التي تصيب متعاطيها بعد وصول المادة المخدّرة إلى ذروة تأثيرها، وتعرف هذه النبتة باللغة العاميّة في لبنان بإسم الحشيشة.
تُعرف نبتة الحشيش علميًا باسم القنب الهندي، صنّفت من ضمن أنواع المخدّرات وفق الاتفاقية الوحيدة للمخدرات عام 1961، والتي شارك لبنان بإبرامها ووافق عليها. وتنص المادة 11 من القانون 673 الصادر عام 1998 المتعلق بالمخدّرات على الآتي: "تحظر زراعة خشخاش الأفيون ونبتة الكوكا ونبتة القنب وبصورة عامة جميع النباتات التي تنتج عنها مخدّرات، وذلك سواء كانت في شكل بذور أو في سائر أطوار نموها".
ويُعتبر الحشيش اللبنانيّ من أفضل الأنواع عالميًا، إذ يتميّز بلونه الأخضر اللامع وهو قاسٍ وجاف. و البعض يسمي&هذه النبتة بالحشيش الذهبي لأنه يدرّ الكثير من المال.
إنتشار الحشيش في لبنان
كان لبنان خلال فترة الحرب الأهليّة المصدّر الرئيس للمخدّرات في منطقة الشرق الأوسط، ينتج سنويًا ألف طن من الحشيشة، وما بين 30 و50 طنًا من الأفيون المكوّن الأساسي للهيرويين.
يبلغ عدد العاملين في قطاع الزراعة في منطقة البقاع حوالى 60% من السكان، لذلك تتوارث كثير من عائلات بعلبك والبقاع زراعة الحشيش عبر الأجيال، كونها الأكثر ملاءمة في ظل ظروف إهمال إنماء هذه المنطقة والظروف الاقتصاديّة الصعبة. فزراعة الحشيش كانت تدرّ في الثمانينيات على منطقة بعلبك - الهرمل ما يقارب 500 مليون دولار سنويًا.
مع نهاية الحرب الأهلية في لبنان عام 1990، أطلقت الحكومة اللبنانيّة برنامج إستئصال المخدّرات بالتعاون مع برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، وبفضل الوعود التي قدّمتها برامج المساندة الحكوميّة والدعم المالي العالمي، توقف الفلاحون عن زراعة الحشيش. وبحلول عام 1994 أعلن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة أن سهل البقاع خالٍ من المخدّرات، وقدّرت كلفة عدم العودة إلى إنتاجها بـ 300 مليون دولار أميركي، لكن القيمة التي سُلّمت من هذا المبلغ حتى عام 2001 لم تتخطَ 17 مليون دولار، لذا سرعان ما فشل البرنامج، ليستمرّ البحث عن طرق جديدة لإقناع المزارعين بزراعة المحاصيل الشرعيّة الأخرى البديلة، فعادت زراعة الحشيش إلى سابق عهدها.
التعليقات