تكرّم جمعية أميركا للاعلام الخارجي الاعلامي السعودي تركي الدخيل، وبهذه المناسبة قال لـ"إيلاف" إن وقوفه ضد الأصولية هو السبب في وصوله إلى ما هو عليه الآن.


حسن حاميدوي: قال الإعلامي السعودي تركي الدخيل إن المعايير التي أوضحتها جائزة جمعية أميركا للإعلام الخارجي تتمثل في بثّ الوعي والتثقيف وتمكين المواطنين من الحصول على المعلومات الضرورية، مشيرًا إلى أنه ساهم مع آخرين بشيء من هذا، إذ وقفوا بالمرصاد ضد مكائن الأصولية والتطرف عبر طرح اقتراحات وخيارات بديلة كالمواطنة الفاعلة، والخيارات المدنية، والاستقرار الاجتماعي.

كما تطرق الدخيل، في حديثه لـ "إيلاف" إلى حال الإعلام العربي والطفرة في البرامج الحوارية والمعايير التي لا بد أن تحكم هذا التشظي والانفجار، فما هو تقييمه لحال الحوار الإعلامي العربي؟ وما هي المعايير التي يتمسك بها؟ وكيف يقيم أداء الفضائيات العربية؟

تركي الدخيل يجيب&على أسئلة "ايلاف" في الحوار الآتي:
&
ما قولك في ما وصل إليه الحوار الإعلامي اليوم؟

أظن أن الحوار الإعلامي تفجّر وتشظّى في مدارس عديدة في العالم العربي. ثمة حوارات مدتها على الشاشة نصف ساعة، وأخرى تمتد ثلاث ساعات من خلال برامج "توك شو"، لاقت نجاحًا كبيرًا في مصر خصوصًا، وفي لبنان بشكلٍ أقل، لكنها في مصر مؤثرة كثيرًا.

برأيي، الحوار الإعلامي يتطبّع ببصمة المذيع والإعلامي والإنسان المحاور قبل أي شيء، ولكلّ بصمته ورؤيته وطريقته، أحب أن أكون متفائلًا بمستقبل الحوار الإعلامي العربي خصوصًا بعد النضج في التحضير والإعداد الذي نشهده في القنوات الرئيسة في المنطقة.

الإعلام للتسلية وليس للتثقيف
&
هناك طفرة في البرامج الحوارية، فهل تخدم الإعلام العربي ودوره التثقيفي؟

أي طفرة هي في مصلحة الإعلام، ومن ثم البضاعة الجيدة تطرد البضاعة السيئة، وهذا ما أسميه "الفرز". لستُ مع من يخاف على الشعر الفصيح من انتشار الشعر الشعبي، ولا ممن يخافون على الرواية الرصينة مقابل انتشار روايات الشباب، أعتبر الطفرات عناصر حياة وتوقّد، وقس على ذلك الإعلام وطفراته، والحوارات وكثرتها، وأرى أن المشاهد يستطيع أن يحكم، والعبرة بزر "ريموت كونترول" في يد المشاهد. فهو المصوّت التلقائي لنجاح البرنامج من عدمه. الدور التثقيفي ليس شرطًا في الإعلام. فالإعلام ليس أكاديمية أو مؤسسة، بل هو أداة وهدفه الأول التسلية لا التثقيف.
&
أتعني الحوار الإعلامي نحا باتجاه الترفيه، من خلال استفزاز المتحاورين لتسلية الجمهور بالتشنّج؟

أنا ضد الاستفزاز، لكنني لست ضد الحوارات المسلية. والمعرفة إن وجدت تأتي بمرحلة تابعة، الإعلام ليس مسؤولًا عن أي شيء، هو فضاء وأداة، وهناك فرق بين الإعلام كأداة وبين الإعلاميين، وأنا أفضل أن نستبدل كلمة "مسؤولية الإعلام" في النقاشات والخطابات لتكون "مسؤولية الإعلاميين".

فالإعلام لا يفكّر، وهو مجرد عاكس، وما يضخّه الإعلام هو مدخلات اجتماعية وثقافية بحتة، فالفرق بين الإعلام الحي والمضيء وبين الإعلام المسيء والمظلم هو فرق بين ثقافتين وبين مجتمعين، وبين أدبياتٍ متعددة تخضع لمستوى تطور الإعلامي نفسه أو مالك القناة أو المسوّق لها والمحرض على متابعتها، قد تنقلب قناة غناء إلى قناة دين، والعكس. لذا، فالإعلام ليس مسؤولًا عما يطرح بقدر ما هو يعكسها. فالناس هم المسؤولون، والمجتمع بثقافته وطبيعة مجتمعه هو المسؤول، الإعلام ليس مسؤولًا لكن الإعلامي هو الذي يضع المنتج في ماكينة الإعلام ليعرضها، الإعلام ليس مسؤولًا عن التطرف ولا عن المخدرات ولا عن الإجرام ولا عن الإرهاب، وبالتالي التشنج جزءٌ من الواقع وليس جزءًا من الإعلام، حتى وإن انعكسَ من خلاله.
&
هل دخل الحوار في لعبة جذب المشاهدين على حساب تقديم محتوى مفيد؟

طبيعة الشاشة أن تبحث عن جمهورها. والمحتوى ليس شرطًا أن يكون مفيدًا. لكن الشرط أن يكون متوفرًا على الشروط المهنية والحرفية وعلى الجودة الإعلامية، والمحتوى من الناحية الثقافية ليس شرطًا إعلاميًا، إلا في قنوات التعليم التي تدعم من وزارات التربية والتعليم.&
&
ضد الأصولية

كيف تقيّم دور برامج الحوار في الأحداث العربية الحالية؟

بطبيعة الحال، الأحداث الحالية أشعلت كل شيء. ومن ضمن ما اشتعل الإعلام. نرى قنوات ولدت لتغطية الأحداث والاضطرابات، وتقييمي لها يجب أن يكون مبنيًا على دراسة وهذا لم يحدث. لكن بوصفي من المشاهدين، أرى أن البرامج نجحت كثيرًا في تغطية الحدث وتحليله. وأضرب مثلًا برنامج الزميل محمود الورواري "الحدث المصري"، الذي أعتبره من أهم البرامج التي تعطيني فكرة عن الأحداث الجارية في مصر بشكلٍ مفصل ودقيق ورصين.
&
ما هي المعايير الحوارية التي يتمسّك بها تركي الدخيل؟

المعايير المهنية هي أن تتوفر ثلاثة شروط: ضيف لديه قصة، ملف وإعداد جيد، مناخ حواري فعّال في الحلقة.
&
بماذا تنصح المحاور العربي، حتى ينال التكريم من مجتمعه وفعالياته المختلفة؟

أنا ضد النصائح، لكن أحب أن أسدي إن صح التعبير خبرة، وهي أن التكريم لا يُسعى إليه ولا يُخطط له، بل يأتي ضمن مناخ الإنجاز المهني. ولا أخفيك أن الإنجاز والتكريم الأهم حين ينتشر المُنتج الذي أقدمه وحين يكون موضع اهتمامٍ وبحث أو حتى نقد، لأن من لا يتم انتقاده يموت ويأسن، والهواء إذا أغلق في الغرفة تحول إلى مادةٍ سامة، والماء إذا لم يتحرك تلوث.
&
ما هي المعايير التي اعتمدتها جمعية أميركا للإعلام الخارجي أساسًا لتكريمكم؟

المعايير التي أوضحتها الجائزة هي بثّ الوعي والتثقيف وتمكين المواطنين من الحصول على المعلومات الضرورية حول قضايا اجتماعية ووطنية حرجة. وأظن أنني ساهمتُ مع آخرين بشيء من هذا، إذ وقفنا ضد الأصولية، وضد الحراك الجماهيري المضطرب، ولا أزال أحارب يوميًا، بما أوتيت من وسائل، كل أشكال التطرف والأصولية، وكل ما يهدد أمن مجتمعي وبلادي.
&
أدعو إلى المواطنة الفاعلة

ما هي أبرز التغيّرات الاجتماعية التي يرى تركي الدخيل أنه أحدثها في سنواته الإعلامية الطويلة؟

التغييرات الاجتماعية لا تحدث بسبب منتج واحد، ولا بسبب عشرة منتجات، بل تحدث ضمن صيغ تغيير. ساهمتُ في طرح اقتراحات وخيارات بديلة لمجتمعي غير الذي يطرح من خلال مكائن الأصولية والتطرف، وأدعو يوميًا إلى المواطنة الفاعلة، والخيارات المدنية، والاستقرار الاجتماعي، هذا ما أدعو إليه وأساهم به مع زملاء لي لديهم الرؤية نفسها.
&
ما رأيك في تكريم أميركي يسبق تكريما عربيا؟

كرمتُ عربيًا ولله الحمد، والتكريم لا جنسية له، فكل البشر إخوة، كما تعبر سيمفونية بيتهوفن التاسعة. والإخوة يستفيدون من بعضهم في العلم والتكريم والإنجاز. وأعتبر التكريم الأميركي امتدادًا للتكريم العربي.
&
ماذا سيزيد هذا التكريم& إلى تركي الدخيل؟

يزيد علي المسؤولية، ذلك أن لدي الكثير أطمح لتحقيقه لشخصي على المستويات المهنية، ولبلادي ومجتمعي في مثل هذه الظروف العصيبة.