الدوحة: أكد الدكتور عبدالعزيز حمد العويشق، الأمين العام المساعد لمجلس التعاون لشؤون المفاوضات والحوار الإستراتيجي أن المجلس وبعد مرور 33 عامًا على إنشائه، قد حقق تكاملًا بين دوله الست اكثر من أي تجمع آخر في العالم باستثناء الاتحاد الأوروبي.

وقال الدكتور العويشق في تصريحات للصحافيين وفي إجابته عن أسئلة الحضور بعد المحاضرة التي ألقاها اليوم في جامعة قطر حول ديناميكية دول مجلس التعاون الخليجي ودوره الإقليمي والعالمي، والتي تزامنت مع الذكرى الـ33 لإنشاء المجلس: "نحن درسنا كل التجمعات في العالم، في جنوب أميركا وشمالها وفي آسيا وأميركا، وليس هناك أي اتحاد استطاع أن يصل إلى درجة من التكامل بين أعضائه مثل مجلس التعاون الخليجي باستثناء الاتحاد الأوروبي".

وأشار في هذا السياق إلى أنه ومنذ إنشائه، تبنى مجلس التعاون لدول الخليج العربية حتى الآن عددا من الآليات والمبادرات التي جعلت منه منطقة اقتصادية واحدة، ومن ذلك مثلًا الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والتفاوض الجماعي" وكلها جعلت من الدول الست مجموعة واحدة ". لكنه نوه بأن ذلك لا يعني بالطبع انه ليس هناك تحديات أو خلافات في وجهات النظر حول أي قضية من هذه القضايا، سواء كان ما يتعلق بالجمارك أو قضايا أخرى سياسية أو أمنية، لافتا إلى أن ذلك هو طبيعة أي تجمع للدول كاملة السيادة.

وحول التحديات التي تواجه دول المجلس قال " التحديات الخارجية هي ما يشغلنا.. وتحديات ما بعد البترول تشغلنا وليس الخلافات الوقتية والتباين في وجهات النظر التي قد تحدث بين فترة وأخرى".

وتابع "نحتاج إلى التفكير في مستقبل الدول الأعضاء لمرحلة ما بعد النفط.. مجلس التعاون يشكل إمكانية لحل هذه الإشكالات .. بمعنى أن الدول التي سينضب فيها النفط مثلا تستطيع أن تعتمد على مجلس التعاون كمنطقة اقتصادية كبرى يمكن أن توفر لها البديل ". وكشف عن أن الاقتصاد الخليجي حجمه اليوم يعادل حجم اقتصاد 11 دولة في العالم، ويبلغ ألف وسبعمائة بليون دولار أي " 1.7 " ترليون دولار، وقال "إنه اقتصاد ضخم مقارنة بما كان عليه قبل 33 سنة عندما لم يتجاوز 200 بليون دولار".

وتطرق إلى الفرص الوظيفية والتعليمية في بداية إنشاء المجلس، وقال مثلا "إن عدد الجامعات كان بقدر عدد أصابع اليد الواحدة، بل إن بعض دول المجلس لم تكن فيها جامعات، في حين يعد عدد الجامعات اليوم بالمئات، وعدد الخريجين بعشرات الألوف، وهناك طاقة إنسانية وشبابية ضخمة جدا وطاقة اقتصادية كبيرة".

واستعرض كيفية تحويل هذه المجموعة وهذه الإمكانيات إلى مستقبل دائم لدول المجلس لمرحلة ما بعد النفط، وكيفية عكس هذه القدرة الكامنة للدول الست ولقطاعاتها المختلفة وللشعوب الخليجية وقطاعات الأعمال في التعامل مع العالم الخارجي، مبينا أن المجلس نجح إلى حد كبير في الإجابة عن هذا السؤال، سواء في الحوارات الإستراتيجية أو في التحالفات مع الدول الأخرى.

وأوضح في هذا الصدد "في بداية مجلس التعاون كان لدينا حليف واحد هو الولايات المتحدة الأميركية وفي الدرجة الثانية الاتحاد الأوروبي، واليوم لدينا شبكة تحالفات استراتيجية في كل المعمورة، فلدينا اتفاقات مع دول أميركا الجنوبية ومع الصين واليابان وكوريا واستراليا ونيوزيلندا، إضافة إلى الحلفاء التقليديين، وليس على حسابهم، ودول المجلس تستطيع أن تعتمد على هذه المنظومة من العلاقات الخارجية أكثر بكثير مما كان ولعشرات السنين، فدول المجلس في معظمها اعتمدت على بريطانيا والولايات المتحدة، واليوم نعتقد أن التحالفات تكفي للتعامل مع كل هذه التحديات، لكن التحدي الذي يجب أن نحله بأنفسنا هو تحدي ما بعد النفط، الاقتصادي والبشري".

واستعرض الدكتور عبدالعزيز حمد العويشق، الأمين العام المساعد لمجلس التعاون لشؤون المفاوضات والحوار الإستراتيجي خلال محاضرته وفي رده على أسئلة الحضور، المقترح السعودي بتحويل مجلس التعاون الى اتحاد، وقال "إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز طرح مقترح تحول المجلس الى اتحاد في ديسمبر عام 2011" وبعدها شكلت هيئة متخصصة من 18 شخصا بواقع 3 من كل دولة.. ووضعت الهيئة الآن تصورا لهذا الاتحاد، وبناء على هذا التصور تم وضع مشروع نظام أساسي للاتحاد ، وهذا المشروع "النظام الأساسي" مطروح للنقاش بين الدول الأعضاء ، "وأستطيع القول إن غالبية الدول الأعضاء متفقة معه على المستوى الفني، وبقى القرار السياسي لإعلان الاتحاد".

وذكر أن القضايا الأربع الرئيسة التي توصلت اليها هذه الهيئة لتحويل المجلس إلى اتحاد تتعلق بموضوع الإجماع والتنفيذ القانوني والتطبيق الفعلي وآلية العمل، وقدم شرحا لكل منها.

حول قضية الإجماع في ما يتعلق بتحول مجلس التعاون إلى اتحاد، قال الدكتور عبدالعزيز حمد العويشق، الأمين العام المساعد لمجلس التعاون لشؤون المفاوضات والحوار الإستراتيجي في هذا الصدد :"إن الإجماع في المجلس يؤدى أحيانا إلى تأخر القرارات وإن الصيغة المطروحة هي أن تكون هناك إمكانية لمن يرغب من الدول إذا اتفقت على مبادرة معينة أو مشروع معين، أن تمضي فيه قدما ثم تلحق بها الدول الأخرى عندما تكون مستعدة، بدلا من تعطيل المشروع الى أن يتحقق الإجماع كما هي الحال الآن".

أما القضية الثانية فقال إنها تتعلق بالتنفيذ القانوني، وقال "إنه في الوقت الحاضر عندما يصدر قرار من المجلس، هناك حاجة إلى أن تصدر الدولة تشريعا داخليا لتفعيل قرار المجلس، وهذا يسبب تعطيل وتأخير في كثير من الأحيان. وأضاف "المطروح الآن هو أن يكون هناك أثر مباشر لقرارات مجلس التعاون بحيث يتم إما تنفيذها مباشرة من دون الحاجة الى إصدار أدوات إضافية أو أن يتم تحديد فترة زمنية محددة يتم خلالها تنفيذ القرار".

والقضية الثالثة قال إنها تتعلق بالتطبيق الفعلي. وأوضح أنه في الاتحاد الاوروبي هناك محكمة هي التي تفصل في أي خلافات، وتضمن أن يتم التطبيق الفعلي على أرض الواقع، ويلجأ إليها المواطن أو الدولة مباشرة (وفي تصور الاتحاد المطروح أن تكون هناك هيئة قضائية تبت في جميع القضايا الخلافية).

وحول القضية الرابعة قال إنها تتعلق بآلية العمل، حيث يعتمد مجلس التعاون في الوقت الحالي على أسلوب اللجان . وقال "إن هناك آلاف اللجان منذ أن تشكل مجلس التعاون وهذا يسبب تعطيلا، فإذا أردت أن تعطل موضوعا فشكل له لجنة.. واللجنة تشكل فريقا والفريق يشكل مجموعة عمل". وقال "إن المطروح هو أن نستغني عن معظم هذه اللجان، وتكون هناك هيئات متفرغة على مدار اليوم لتنفيذ القرارات بدلا من الاعتماد على لجنة تجتمع مرة في السنة لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات".

وردا على سؤال لوكالة الأنباء القطرية "قنا" حول أهم القضايا الاقتصادية التي أنجزها المجلس قال الدكتور العويشق :"إن من أهمها موضوع التجارة الحرة، حيث بدأ مجلس التعاون بتأسيس منطقة تجارة حرة من عام 83 إلى عام 2002 ثم الاتحاد الجمركي عام 2003 وحتى الآن، ثم السوق الخليجية المشتركة من 2008 الى الآن، لافتا إلى أن الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة أعلن عنهما بالدوحة.
حول اهتمامات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، قال الدكتور عبدالعزيز حمد العويشق، الأمين العام المساعد لمجلس التعاون لشؤون المفاوضات والحوار الإستراتيجي أنه يأتي على رأسها القلق من الوضع في سوريا والوضع الفلسطيني والأوضاع في عدد من الدول العربية الأخرى.

وبالنسبة إلى ما يجري في سوريا، أوضح أن دول مجلس التعاون دعمت منذ البداية رغبة الشعب السوري في التخلص من نظامه من أجل نظام يحقق مصالحه، مبينا أن المقاومة بدأت بتحرك سلمي ثم تحولت إلى مسلحة نتيجة لردة فعل النظام العنيفة بالقتل والسجن والاعتقال.

وبالنسبة إلى فلسطين قال: "إن توجه دول مجلس التعاون دائما هو دعم الشعب الفلسطيني في غزة ورام الله ماليا وسياسيا ودعم المصالحة الفلسطينية".

وحول موقف مجلس التعاون من البرنامج النووي الإيراني والمفاوضات بهذا الخصوص بين الولايات المتحدة الأميركية ومجموعة 5+1 مع إيران، لفت الدكتور العويشق إلى أن هذه المفاوضات تعالج نقطة واحدة فقط تتمثل في الملف النووي الإيراني.

وأوضح في هذا السياق أن مجلس التعاون رحب بالاتفاق المرحلي الذى تم التوصل إليه، وقال :"إنه مبشر بالخير كخطوة أولى قد يتبع بالتخلص من خطر الأسلحة النووية، خاصة وأن مجلس التعاون يطالب منذ فترة بإخلاء منطقة الخليج والشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل".

وأضاف "نريد أن يكون الاتفاق حقيقيا، فالخطر الذي يشكله هذا البرنامج لا يقتصر على الخطر العسكري، وحتى لو كان برنامجا سلميا فهو يشكل تهديدا بيئيا على دول المجلس لأن معظم دول المجلس تأخذ مياهها من الخليج العربي، وأي حادث يقع في مفاعل نووي إيراني سيؤثر على مياه الخليج وعلى الثروة السمكية وعلى غذاء ومياه الشرب بالخليج.. وهذا يشكل لنا قلقا لا يقل عن القلق لو كان البرنامج عسكريا.. وتعتقد دول المجلس أن اهتمام الغرب فقط بالجزء العسكري من البرنامج النووي لا يكفي .. دول مجلس التعاون تسلم بحق إيران مثل أي دولة اخرى في أن يكون لها برنامج سلمي، لكن هذا الحق يجب أن يصحبه توقيع إيران على جميع الاتفاقيات الدولية التي تتعلق بالسلامة النووية وبرفع تقارير مستمرة عن وضع هذه المفاعلات".

واستعرض في محاضرته مسيرة مجلس التعاون منذ نشأته وإنجازاته ودوره على الصعيد الإقليمي والدولي والحوار الإستراتيجي مع الدول والمجموعات الأخرى والتحديات التي تواجه دول المجلس.
&