ظهر جيب بوش في مناسبتين إجتماعيتين فتكلم بإصرار كبير، ما بيّنه منافسًا جديًا على كرسي الرئاسة الأميركية، لما يتمتع به من شغف، ومن سجل حافل بالاتزان.


بيروت: في ظل تكهنات تنمو باطراد حول ترشح جيب بوش لرئاسة الولايات المتحدة، يبرز سؤال أساسي: هل يملك الشغف اللازم لخوض هذه المعركة الشرسة؟ وأول من يطرح هذا السؤال كان منافسه المحتمل كريس كريستي.

فجوة في الإنجاز

فقد ظهر بوش في مناسبتين مختلفتين خلال الأسبوع الماضي. في عشاء رسمي يوم الاثنين في مانهاتن، وفي حفل تخرج يوم السبت في الكلية المسيحية، ما يشير إلى أن حاكم فلوريدا السابق بدأ يستجمع طاقاته ويستعرض نقاط قوته وضعفه لحملة رئاسيات 2016.

وقال بوش لخريجي كلية غروف سيتي: "اذا كنتم تتمتعون بالإلهام لخدمة مواطنيكم، فلا تسمحوا لبشاعة السياسة بمنعكم من السعي إلى المناصب العامة، فهناك دائمًا مكان للقادة والشغوفين في الحكومة".

وفي الذكرى الستين لقضية براون ضد مجلس التعليم، قال بوش إن التقدم أحرز في هذه المسألة، لكنه لا يكاد يكفي، مشيرًا إلى فجوة في الإنجاز بين الطلاب البيض والأقليات. وانتقد بوش الحكومة الاتحادية التي تنتهك الحرية الدينية، وتجعل من قضية إصلاح الهجرة محركًا اقتصاديًا.

كان مرتاحًا

كان بوش مرتاحًا، لكنه تكلم بسرعة، وأضاف لمسة من الفكاهة عندما تحدث عن والدته، التي قالت ساخرة قبل عام إنه ينبغي أن يكون لأسرة أخرى الفرصة في الوصول إلى البيت الأبيض.

قال: "بما أنها تعمل مستشارة في هذه الأيام، سألتها عما أتكلم عنه اليوم، فقالت لي جيب تكلم لنحو 15 دقيقة ثم اجلس". لكنه خرق وصية والدته بأكثر من دقيقة. مارك جونسون، مهندس من ولاية أوهايو كانت ابنته من بين الخريجين، قال أثناء استماعه إلى بوش: "أعتقد انني قد أنتخب هذا الرجل، على الرغم من أنني لم أكن على وفاق مع شقيقه".

كثير من الكاريزما!

بوش جدي للغاية، لكنه لم يحسم قراره بعد، وفقًا لأصدقائه المقربين والمستشارين. لكن جدول أعماله المزدحم يشير إلى أنه نشاط ما قبل الحملة الانتخابية، ولا سيما أنه يزخر بالتواصل مع الجهات المانحة والمحادثات الصريحة مع القيادات الدينية الرئيسة. ومسألة سياسة التعليم ساهمت في توسيع رسالته، عن طريق إلقاء الخطب العاطفية والقصص، وهذا يعني أن لا أحد سيكون بإمكانه اتهام بوش بـ "الكثير من الكاريزما".

وبوش يتمتع بالاهتمام ولو جزئيًا، بسبب الاضطرابات التي تواجه كريستي، حاكم ولاية نيو جيرسي، بعد أن حل محله باعتباره المرشح الأفضل للطبقة المانحة وتسلق أعلى سلم الانتخابات. من خلال ذلك، يصنع بوش صورته كمفكر أكثر اهتمامًا في انجاز الامور من شن هذا النوع من الحرب الأيديولوجية، التي قد سحبت حزبه إلى اليمين. فهو شخص حريص على تجنب "دوامة معركة الطين"، كما قال أخيرًا.

رجل منهجي ومتأن

وفي مؤشر على مدى جديته وتنظيمه، وزعت نقاط الحوار على العاملين في دائرة بوش الداخلية. والمذكرة الخاصة للاستخدام الصحافي تتضمن ما يأتي: "من بين الاعتبارات الأهم التي قد ذكرها، قال بوش إنه يريد أن يعرف أن بإمكانه تنظيم حملة انتخابية بفرح، وجلب التفاؤل للأمة التي تشعر بالتشاؤم حول السياسة والحكومة، وعدم اليقين بشأن المستقبل. فهذا الأمر يصب في مصلحة عائلته".

وتسعى المذكرة إلى إسكات التكهنات حول الجدول الزمني المحموم لبوش وجمع الأموال، فقد فعل كل ذلك في الماضي، وعما اذا كان سوف يتخذ قرارًا بشأن ما على المرشحين الآخرين القيام به، ما يجعله "رجلا منهجيا ومتأنيا".

لا تحليلات

بدأت أعمال بوش بالحصول على نوع جديد من الاهتمام، فقد ظهر تقرير في الصفحة الأولى من صحيفة نيويورك تايمز في الشهر الماضي تعدد مجالس إدارة الشركات التي يستلمها بوش، بما في ذلك شركة بناء ميامي InnoVida التي أفلست، فضلًا عن مبلغ مليوني دولار، التي حصل عليها بوش من تينيت للرعاية الصحية، وهي الداعم الرئيس لنظام الرعاية الصحي لأوباما.

ليست هناك أي تحليلات عن أن بوش كان يعرف بمشاكل InnoVida، إذ قال مسؤول تنفيذي في تينيت للصحيفة إن بوش قدم اعتراضاته على قانون الرعاية الصحية المعروفة في اجتماعات مجلس الإدارة.

لكن تلك القضايا قد تكون ثانوية مقارنة بالمشاكل التي تواجه بوش مع اسم عائلته وتورطه في بعض القضايا التي تعتبر بمثابة "لعنة" بالنسبة للقاعدة المحافظة، وهي الهجرة ومعايير الدولة الأساسية المشتركة للتعليم.

لا تنازل عن المعايير

هناك انفصال بين الحماس الذي يراه بوش بين النخب الجمهوري والمشاعر بين نشطاء القاعدة الشعبية. فالمدونات والمنتديات المحافظة مليئة بالانتقادات. قال لاري نوردفيغ، المدير التنفيذي لحزب الشاي في ريتشموند: "إذا لكزت الدب ولوحت أمامه بمسألة المعايير الأساسية للتعليم، فسوف تحصل على ردة فعل".

ويبدو أن بوش غاضب من الجدل المتورم بشأن معايير الدولة الأساسية المشتركة للتعليم، الذي تجاوز نظريات المؤامرة وترسخت أكثر في ظل إحباط الأهالي في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الولايات التي زارها الاسبوع الماضي.

وقال بوش الاثنين في حفل عشاء فاخر في معهد مانهاتن: "أعتقد أن التوقعات المرتفعة والنبيلة جزء كبير من سياق التأكد من أن الأطفال يتعلمون، وسواء كانت معايير الدولة الأساسية المشتركة أو معايير أعلى بشكل عام، فنحن لا نتراجع أو نتنازل عن معاييرنا".

فعل حب

تميز بوش بالقوة والإصرار بشأن الحاجة إلى إصلاح نظام الهجرة، وأثار غضب بعض المحافظين بالقول إن الناس الذين يأتون إلى هنا بطريقة غير شرعية ينتهكون القانون، لكن معظمهم يفعل ذلك من أجل أسرهم، انه "فعل الحب".

وقال بوش في نيويورك: "خلال حياتي، عانيت صعوبة في فهم السبب الذي جعل الناس يخشون من تراثنا الخاص ومن تاريخنا، القاعدة هي أن الناس يأتون إلى هذه البلاد لتحقيق أحلامهم وأحلام عائلاتهم، فلماذا نتجاهل ذلك في الوقت الذي نحتاج فيه إلى إعادة تشغيل وتنشيط اقتصادنا؟ هذا غير منطقي بالنسبة إلي".

رودي غولياني، الذي قدّم بوش، تحدث عن كيفية حصول المتحدث، الذي يتقن اللغة الاسبانية بطلاقة، على أغلبية أصوات الناخبين من اصل اسباني. أضاف: "يا للهول، انه نجاح باهر، مجرد التفكير أن حزبنا يمكن أن يفوز بفريق ناشئ والحصول على تصويت فئة كبيرة وتغيير طبيعة السياسة أمر مذهل، وآمل في أن نحقق ذلك".

وأضاف: "هناك الكثير من التكهنات بأن بوش قد يترشح للرئاسة، لديه مشكلة كبيرة جدًا عليه التغلب عليها، وهي انه حقق رقمًا قياسيًا من النجاح"!

سجل حافل بالاتزان

حتى بين جمهور وول ستريت، كان ثمة قلق من أن يكون اسم بوش عائقًا. هذا الأمر تجلى سابقًا في ولاية بنسلفانيا أثناء المقابلات مع الناخبين في هذا الشهر في نيو هامبشاير.

وقالت جولي براون (79 عامًا)، التي حضرت خطاب السيناتور ماركو روبيو، وهو مرشح جمهوري آخر من فلوريدا يتطلع إلى الرئاسة: "لا مزيد من آل بوش، ليس لأنني لا أحب جيب، بل لأني لا أعتقد أنه الرجل المناسب لهذه الساعة".

وأضافت: "لو كان الاسم الأخير لجيب هو براون بدلًا من بوش، أعتقد أنه سيكون الاوفر حظًا اليوم". وقال حاكم ولاية ميسيسيبي السابق هالي باربور، الذي أشار إلى أن بوش لديه سجل حافل بالاتزان والمهارة: "ما هي نسبة الملل والتعب من بوش اليوم مقارنة مع العامين الماضيين؟ وما هي النسبة اليوم مقارنة مع العامين المقبلين؟".

وتواجه هيلاري رودهام كلينتون، المرشحة الديمقراطية المحتملة الاوفر حظًا في العام 2016، مشكلة مشابهة، لكن الحماس في قاعدتها الشعبية أعلى، ما يجعلها أكثر احتمالًا في أن تدخل التاريخ، أول امرأة تصل إلى الرئاسة.

خطوة إلى المركز

منذ فترة ليست بطويلة، اشار بوش إلى أن وقته قد انتهى، عندما قال في مقابلة في العام 2012: "هناك فرص في الحياة، وربما انتهى وقتي، لست متأكدًا من أنني قد أنجح كمرشح، وهذا الوقت مختلف عما كان عليه قبل ست سنوات عندما ترشحت، أو حتى لوقت أطول من ذلك".

وقال توم مكينيرني، مستثمر في وول ستريت ومانح من الحزب الجمهوري: "الحزب الجمهوري يتخذ خطوة كاملة إلى المركز برفض اليمين المتطرف، وبوش يجسد هذا الفكر". أضاف: "انه ليس متطرفًا، بل هو رجل متزن وذكي، وهو جدير بالانتخاب في حين أن معظم الآخرين ليسوا كذلك".

المحيطون بجيب بوش أبقوه بعيدًا عن الصحافيين، مشددين على أنه لا يرغب في المضاربة أو التكهنات التي تتسم بها الحملات. لكنه يستمر في تأجيج الحديث والنقاش حوله. فيوم الخميس يستضيف بوش حفلا لجمع التبرعات في ميامي لحاكم ولاية أيوا تيري برانستاد، وهو مبتدأ الترشيح في البلاد، كما أن الخطب الحماسية مثل تلك التي ألقاها في نيويورك تثبت أنه يتمتع بما يكفي من الشغف للترشح.

أثرياء وفقراء

أمام كبار المانحين السياسيين في نيويورك، قال بوش: "الحلم الأميركي يستبد بما يسميه الاقتصاديون (الأطراف الدبقة)، فأولئك الذين ولدوا أثرياء سيبقون اثرياء، والفقراء سيبقون فقراء. أما أولئك في الوسط، أي الطبقة المتوسطة التي حددت من نحن كأمة لقرنين من الزمان، فإنها تتقلص تحت المزيد من الضغط".

أضاف بوش: "اليوم، وللمرة الأولى على مدى أطول فترة من الزمن، فإن غالبية الأميركيين يعتقدون أن أطفالهم سوف تكون فرصهم أقل ممن سبقوهم، وأن شعبنا لا يتقدم، وأن أمتنا لن ترتقي". وأكمل بوش فكرته هذه خلال احتفال التخرج يوم السبت، عندما قال: "هذا هو المكان المثالي، فللجيل القادم من القادة الأميركيين دور كبير لإنجازه".