يثبت الاعتداء على مقر صحيفة شارلي ايبدو في باريس صحة المخاوف من وصول تهديد الاسلاميين المتطرفين إلى قلب اوروبا، وتحديدًا إلى دولة مشاركة في الحرب على التطرف.

يشكل الهجوم على صحيفة شارلي إيبدو، التي اثارت في السابق سخط العالم الاسلامي بنشرها رسومًا اعتبرت مسيئة للنبي محمد، أداة دعائية قوية لهذه الجماعات، ووسيلة استقطاب مهمة لتجنيد مزيد من المقاتلين، بحسب ما يرى محللون.

وقالت مديرة مركز كارنيغي للابحاث في الشرق الاوسط لينا الخطيب لوكالة الصحافة الفرنسية: "هذا هجوم تم تدبيره بغية إحداث صدمة لدى المجتمع الدولي، فالطريقة الاستعراضية التي نفذ بها يراد من خلالها ابراز نفوذ الحركات الجهادية داخل اوروبا".

رد محصور

وهاجم ثلاثة مسلحين الاربعاء في وضح النهار مقر الصحيفة الاسبوعية في وسط باريس، ما اوقع 12 قتيلا وعشرة جرحى، في اعتداء غير مسبوق في العاصمة الفرنسية منذ نصف قرن تقريبًا.

ولم تتبن أي جهة الاعتداء، لكن مصدرًا في الشرطة الفرنسية نقل شهود قولهم إن المهاجمين هتفوا "انتقمنا للرسول!"، فيما سمع في تسجيل فيديو التقطه رجل لجأ إلى سطح احد الابنية خلال العملية، صوت رجل يهتف "الله اكبر، الله اكبر"، وسط اطلاق أعيرة نارية.

وكانت اسبوعية شارلي إيبدو، التي تعتبر رمزًا للصحافة الحرة والمتمردة، هدفًا في السنوات الاخيرة لتهديدات وحريق اجرامي بعد نشرها رسومًا اعتبرت مسيئة للنبي محمد. لكن الخطيب ترى أن خلفية الهجوم اكبر من أن تكون محصورة بالرد على هذه الرسوم.

الهجوم الرسالة

تشارك فرنسا إلى جانب الولايات المتحدة ودول أخرى في قيادة تحالف دولي، يضم ايضًا دولًا عربية، وينفذ غارات ضد مواقع لتنظيمات متطرفة في العراق وسوريا، على رأسها تنظيم الدولة الاسلامية الذي يسيطر على مساحات واسعة في هذين البلدين.

كما تقود فرنسا، التي تضم أكبر عدد من المسلمين في اوروبا، عمليات ضد جماعات جهادية في افريقيا، وهي موضع انتقاد في خطاب هذه الجماعات ولدى زعمائها. وقالت الخطيب: "تم اختيار مكان الهجوم في منطقة رئيسية في باريس، لذا فهو ذو رمزية كبيرة، والاعتقاد بأن الهجوم يهدف إلى رد الاعتبار على رسوم الرسول هو مجرد حجة تهدف إلى جذب انتباه اكبر".

وتابعت: "الهدف الرئيسي من الهجوم ايصال رسالة، خصوصًا إلى الدول التي هي جزء من التحالف الدولي لمحاربة تنظيمات مثل تنظيم الدولة الاسلامية، بأن هذه الدول لم تعد في منأى عن هذه التنظيمات".

مخاوف معززة

ووقع هجوم باريس بعد مخاوف متزايدة عبرت عنها دول غربية من وقوع اعتداءات يشنها متطرفون ضد دول مشاركة في التحالف الدولي، في وقت تحذر اجهزة استخبارات من الخطر الذي يشكله مواطنون اوروبيون عائدون من القتال في سوريا والعراق، على دولهم.

ويقاتل آلاف الاوروبيين في صفوف تنظيمات متطرفة عدة، على رأسها تنظيم "داعش"، الذي يستقطب مزيدًا من المقاتلين منذ أن اعلن قيام الخلافة في الاراضي التي يسيطر عليها.

وبحسب الحكومة الفرنسية، هناك ألف فرنسي على علاقة بشبكات التجنيد في سوريا والعراق، بينهم نحو 350 في الميدان، فيما تشير تقارير إلى مقتل 50 فرنسيًا على الاقل في المعارك الدائرة في هذين البلدين.
وحث تنظيم الدولة الاسلامية وتنظيم القاعدة في مناسبات عدة مناصريهما في الدول الغربية على شن هجمات في الدول التي يقيمون فيها.

بأي وسيلة

وفي ايلول (سبتمبر) الماضي، دعا ابو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم الدولة الاسلامية، في تسجيل صوتي تم بثه على الانترنت، مؤيدي التنظيم إلى قتل اي كافر في دولهم، بأي وسيلة او طريقة كانت، وقد خص منهم الفرنسيين.

ومنذ سنوات، تحض الحركات المتطرفة عبر مقالات تنشر في مجلات الكترونية خاصة بها أو أشرطة فيديو عبر الانترنت، مجنديها ومتطوعيها إلى شن هجمات فردية من دون انتظار اوامر محددة.

وقد وقعت هجمات عدة تحت هذا العنوان في الفترة الاخيرة، بينها قتل جندي كندي امام البرلمان في اوتاوا في تشرين الاول (اكتوبر) الماضي، وقتل اربعة اشخاص في أيار (مايو) في متحف بروكسل اليهودي.
وأبدى العديد من مناصري هذه التنظيمات على الانترنت الاربعاء تأييدهم للهجوم الدامي في باريس.

هجوم ناجح!

وعلى موقع تويتر، تناقل عشرات المغردين اخبار الهجوم تحت عناوين عدة، مثل "اجتياح_باريس" و"باريس_تحترق". واطلق بعضهم على المهاجمين لقب "ذئاب"، بينما نشر اخرون احد رسوم شارلي ايبدو عن الرسول، وكتبوا قربها "لهذا السبب قتل"، في اشارة إلى صاحب الرسم الذي كان احد رسامي الكاريكاتير الاربعة الذين قتلوا في الاعتداء.

وقال ماكس ابرامز، استاذ العلوم السياسية في جامعة نورث ايسترن الاميركية في بوسطن: "لا شك في أن تنظيم الدولة الاسلامية وجماعات جهادية اخرى ستحاول أن تبرز هذا الهجوم على انه اعتداء ناجح وعلى انه يجب أن يستنسخ في اماكن أخرى".

ويضيف: "عندما تعطي الجماعات الجهادية الانطباع بأنه هجوم ناجح بالفعل، فسيكون من السهل استقطاب المزيد من المتطوعين، وبالتالي تجنيدهم".