بعد سنوات على هدر أكثر من 25 مليار دولار في محاولة لبناء جيش عراقي جديد عقب غزو العراق عام 2003 عاد المدرّبون الأميركيون للمساعدة على تحقيق مهمة مماثلة. ولكنهم عادوا في ظروف مغايرة تمامًا. إذ وجد الخبراء الأميركيون أن العراقيين بلا أسلحة كافية وبلا ذخيرة يمكن استخدامها في التدريب.


عبدالاله مجيد: حتى تتوافر هذه الذخيرة، يتعيّن على الجنود العراقيين، الذين يدرّبهم أميركيون في معسكر التاجي في شمال بغداد، أن يحاكوا أزيز الرصاص بأصواتهم، صارخين "طق، طق، طق" أثناء التمارين.
&
أضاف المدرّبون الأميركيون إلى التمارين العملية دروسًا تثقيفية لرفع المعنويات، واضعين نصب أعينهم أن الجنود العراقيين تركوا مواقعهم وهربوا في حزيران/يونيو الماضي، عندما اجتاح مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" مناطق واسعة من العراق، وسيطروا على مدن كبيرة، بينها الموصل، ثاني مدن العراق.&

إرادة وتأهيل
وقال الرقيب مايكل غرينستون، الذي درّب الجنود العراقيين في 2006 و2007، إن "دروسًا في إرادة القتال" أُضيفت إلى برنامج التدريب. ويهدف البرنامج، الذي بدأ في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الثاني إلى إعطاء 5000 جندي عراقي تدريبًا أساسيًا على استخدام السلاح ومبادئ التكتيك العسكري في دورات تستمر من 6 إلى 8 اسابيع. ويأمل الجيش الأميركي في أن يبني في نهاية البرنامج قوة قادرة على شن هجمات مضادة ضد داعش.

لكن زيارة يوم واحد لمعسكر التاجي اقتصرت على عدد محدود من الصحافيين، كشفت التحديات التي تواجه المستشارين الأميركيين والجنود العراقيين على السواء. إذ رأى المراسلون جنديًا أميركيًا يدق عمودًا معدنيًا بمطرقة لإحداث صوت نيران العدو، فيما كان خمسة مجندين عراقيين يحاولون اقتحام مبنى من الخشب بكلاشنكوفات لا يعرفون تمامًا كيف يمسكون بها، وكان مدرّبان أميركيان يحاولان تعليمهم أين يصوّبون أسلحتهم.&

تعقيدات تحول
وقال النقيب جون كومبي أحد المدرّبين الأميركيين إن العراقيين لا يمتلكون إلا الحد الأدنى من المعدات. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن النقيب كومبي قوله إن السبب ليس بالضرورة عدم توافرها، بل العقبات التي تعترض إيصال الأسلحة والمعدات إلى المكان المطلوب، نظرًا إلى تعقيدات البيروقراطية العراقية وتخلف النظام اللوجستي. وأضاف "إنها موجودة في مكان ما، ولكن يجب أن تصل إلينا".&

وقال ضابط العلاقات العامة المقدم شون راين إن الجنود العراقيين يحتاجون مزيدًا من الأسلحة الصالحة، لأن الشعور بعمل السلاح على الوجه المطلوب يؤثر تأثيرًا كبيرًا في المعنويات.&

فقدان دبابات
إضافة إلى المشاكل الناجمة من ضعف النظام اللوجستي والبيروقراطية والفساد المتفشي، فإن تدريب الجنود يصطدم بعراقيل أخرى سببها النزاع الذي يمزق البلد. وعلى سبيل المثال، إن لدى الفرقة التاسعة دبابات أميركية، كان أفراد طواقمها يعملون في مناطق ساخنة، مثل الأنبار وبيجي وسامراء. وفي حين أن بعض دبابات الفرقة ما زالت تعمل فإن العديد منها فُقد في القتال أو سُلم إلى العدو، كما أكد النقيب في الجيش العراقي ياسين صالح، الذي يشارك في تدريب الجنود العراقيين في قاعدة التاجي. ويقدر النقيب صالح أن نصف الدبابات الأميركية الـ 140 التي أُعطيت للفرقة في 2011 ما زالت متاحة للعراقيين، والنصف الآخر فُقد بطريقة ما.
&
ويشكل فقدان هذه الكميات الكبيرة من الأسلحة والمعدات مبعث قلق بشأن تسليح القوات العراقية، ولكن مسؤولين أميركيين يقولون إن ضوابط أُعدت للحفاظ على المخزون الحالي من السلاح.&

يعمل الجنود الأميركيون اليوم بصفتهم ضيوفًا، لا جنود احتلال، كما كانوا بعد الغزو. وقال الرقيب تيموثي بارنهاوس مخاطبًا جنوده "نحن لم نعد إلى هنا للقتال، ولكن لكم الحق في الدفاع عن أنفسكم وعن رفاقكم". وأضاف الرقيب غرينستون "تذكروا، نحن في قاعدة عراقية، فاسترخوا وانتبهوا إلى ما تفعلون".&

زيادة المستشارين
ويتمركز نحو 1800 مستشار عسكري أميركي في مناطق متفرقة من العراق، بينهم المدرّبون العاملون في قاعدة التاجي، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 3000 مستشار في الأسابيع المقبلة، مع زيادة معسكرات التدريب إلى ثمانية معسكرات.

لكن الدروس التي تغرس في الجنود العراقيين "إرادة القتال" ليست العنصر الجديد الوحيد في برنامج التدريب. إذ طلبت الحكومة العراقية مزيدًا من التدريب للضباط والقادة العسكريين أيضًا. ويشمل برنامج التدريب بناء القيادة على كل المستويات وتعليم الجنود كيف ينفذون المهمة حين يُقتل آمرهم أو يُصاب. فإن انهيار القيادات العسكرية هو الذي أدى إلى تبخر أربع فرق عسكرية عراقية في حزيران/يونيو الماضي.&&

فساد يستدعي تغييرًا
&في هذه الأثناء أكد الملازم الأول محمد هاشم محمد، الذي يدرّبه الأميركيون، ليكون مدرّبًا في فرقة عسكرية شُكلت حديثًا، أن الفساد ما زال متفشيًا في وزارة الدفاع. وقال الملازم محمد لصحيفة واشنطن بوست "عليك حتى اليوم أن تدفع رشوة من أجل الترقية، ولكننا نحاول تصحيح الأخطاء التي حدثت".

وتعهد رئيس الوزراء حيدر العبادي بمكافحة الفساد في الجيش، وأحال عشرات الضباط الكبار على التقاعد، ولكن الطريق ما زال طويلًا. ويقول ضباط عراقيون إن الجيش العراقي، مهما تلقى جنوده من تدريب، سيبقى ضعيفًا في الأساس، إلى أن تجري التغييرات الجذرية المطلوبة في بنيته بكاملها.&&