"الزنا" يسيء لسمعة الزوجين والأطفال ويغلق باب التوبة

مراكز القوى بالكاتدرائية وأصحاب المصالح يقفون ضد اصلاح الكنيسة

الزواج على طريقة الكنيسة والطلاق على قانون البرلمان وفقاً للشريعة الإسلامية

إذا كان من حق الكنيسة وضع القوانين للمسيحيين فمن حق الأزهر أن يشرع أيضاً

يثير نادر الصيرفي مؤسس حركة "أقباط 38" الكثير من الجدل في مصر، لاسيما أنه يحمل على عاتقه هموم نحو ثلاثة ملايين أسرة قبطية تعاني من أزمة الطلاق في مصر، ويتعرض بالإنتقاد للكنيسة، بسبب إصرارها على أنه "لا طلاق إلا لعلة الزنا".

صبري عبد الحفيظ من القاهرة: لا تقف إثارة نادر الصيرفي مؤسس حركة "أقباط 38" للجدل عن هذا الحد، بل زادت مع إنضمامه إلى حزب النور السلفي ذي المرجعية الإسلامية، وترشحه على قوائم الحزب في الإنتخابات البرلمانية.

وبعيداً عن السياسة وهموم الإنتخابات البرلمانية، تجري "إيلاف" مقابلة مع الصيرفي، حول أزمة الأحوال الشخصية للمسيحيين في مصر.

ينفي الصيرفي مهاجمة الكنيسة أو البابا تواضروس الثاني، مشيراً إلى أنه يدعم الإصلاحات التي يقوم بها البطريرك.

واتهم الصيرفي من يصفهم بـ"مراكز القوى في الكنيسة، وأصحاب المصالح"، بالوقوف وراء أزمة الطلاق، ومن خلال الإصرار على نص غير موجود في الإنجيل يقول "لا طلاق إلا لعلة الزنا"، على حد قوله.

وفي الوقت الذي يقدر فيه الصيرفي عدد المتضررين من أزمة الطلاق بثلاثة ملايين أسرة، يرى أن "الهجر" هو أفضل حل للأزمة، مشيراً إلى أن الكنيسة سلطة تزويج وليست سلطة تطليق.

ويرى أن "الطلاق بسبب الزنا" يمثل إساءة إلى سمعة الزوجين والأطفال، ويغلق الباب أمام المرأة للتوبة، وقد يجرفها إلى طريق "الدعارة"، إذا أصبحت "زانية" في نظر المجتمع.

وإلى نص المقابلة:

لماذا تصرون على مهاجمة الكنيسة والبابا تواضروس الثاني دائماً؟

نحن لا نهاجم البابا تواضروس، وتقابلت معه أكثر من مرة، ولدي علاقة جيداً جداً معه. وأنا المسيحي الوحيد الذي طالب بوضع مادة لتحصين البطريرك في الدستور. ورفضت رسمياً الدعوات التي خرجت مؤخراً تطالب بسحب الثقة منه. بالعكس نحن ندعم البابا وندعم الإصلاحات التي يريد وضعها في مجال الأحوال الشخصية. نحن لم نهاجم سوى القوانين الكنسية غير السليمة. ونحن نارب عبارة يقولون أنها وردت في الأنجيل وهي ليست منه في شيء، وتنص على أنه "لا طلاق إلا لعلة الزنا"، وبالتالي نحن نريد الحفاظ على الانجيل ونصوصه. ليس هناك مشاكل بيننا وبين الكنيسة، نحن رفضنا الزواج المدني، وما نريده فقط هو إقرار حق الأقباط في الطلاق، وأن ترفع الكنيسة يدها عنه، وهذا خلاف تشريعي وليس خلاف شرعي معها.

لكن الكنيسة على المستوى الرسمي ترى أنكم مشاغبون، وقدمت بحق بعضكم بلاغات إلى الشرطة، بسبب مظاهرات لكم أمام مقر الكاتدرائية؟

مجموعة "أقباط لائحة 38"، هي الحركة الأم للمطالبة بإقرار الطلاق، ولكن هناك مجموعات أخرى تظاهرات ضد البابا أمام الكاتدرائية، ولم نشارك فيها.

ونعترف أن هذه الحركات خرجت من رحم حركتنا، لكننا نخالفهم في طريقة اعتراضهم على قانون الأحوال الشخصية، فنحن نرفض الهجوم على الكنيسة والبابا، بينما الحركات الأخرى تمارسه، ونظمت مجموعة منها مظاهرات أمام الكاتدرائية، ونظمت مجموعة ثانية مظاهرات أمام وزارة العدل، بينما دشنت مجموعة أخرى حملة لسحب الثقة من البابا. ليس لنا علاقات بهؤلاء جميعاً.

نحن قدمنا مقترحاتنا إلى الكنيسة بشكل رسمي عبر نيافة الأنبا دانيال، بل إن الكنيسة أخذت برأينا في موضوع "الواتس آب"، عندما أرادوا وضعه ضمن الزنا الحكمي، في حالة ضبط أحد الزوجين الآخر يجري محادثات مع طرف آخر عبر "واتس آب" تكون فيها خيانة زوجية، ورفضنا ذلك، وتم الأخذ برأينا، ونحن من وضعنا البند الخاص بالتحريض والتعريض للزنا. وقدمنا مقترحاتنا أيضاً في مؤتمر الأحوال الشخصية الذي عقدته الكنيسة، كما أننا قابلنا البابا والأنبا بولا أكثر من مرة، وقال عنا الأنبا باخوميوس إننا أصحاب حقوق.

ما تفسيرك للإنتقادات التي توجه إليكم من بعض قيادات الكنيسة ومجموعات أخرى ترفض دعواتكم؟

مراكز القوى في الكنيسة، وبعض الحركات أصحاب المصالح مثل "رابطة حماة الإيمان"، لا يريدون استقرار للأسرة القبطية، فهناك شخص ألف مجموعة من الكتب عن تحريم الطلاق في المسيحية، ولا يريد ألا يظهر أن رأيه خاطئاً، رغم أننا أثبتنا من خلال الدراسات أنه لا يوجد نص في الإنجيل يقول إنه "لا طلاق إلا لعة الزنا"، ومنها ما ذكره الأنبا بيشوي في ترجمة للنصوص اليونانية، أن كلمة طلاق تعني "تسريح" أو "إطلاق سراح"، وما نطالب به تشريع موجود باعتراف البابا شخصياً والأنبا باخوميوس، ونحن شركاء في إصلاح الكنيسة ونرفض دعوات عزل البطريرك، ونريد مادة في الدستور تحصنه.

ما مقترحاتكم فيما يخص أزمة الطلاق حتى تعترف الكنيسة به وتقره؟

نحن نتبنى إضافة بند "الهجر" لأسباب الطلاق، كما أعلن الأنبا دانيال، الذي قال في تصريحات له بقنوات مسيحية، إن تعرض الزوجة للضرب من الزوج، مسوغ لطلب الطلاق، لكن الأزمة الحقيقية تكمن في "مراكز القوى بالكنيسة" التي ترفض الإصلاح، ويتحالف معهم بعض المحامين المنتفعين من قضايا الأحوال الشخصية للأقباط.

هناك قطاع عريض يرفض الطلاق بسبب الزنا، حتى ولو وقع، بدعوى أنه يسيء إلى الزوجة أو الزوج، وأنتم تؤيدون هذا التوجه، كيف ذلك؟

ورد في رسالة بولس الرسول بالإنجيل أن "المرأة إذا فارقت رجلها، فلتلبث غير متزوجة أو لتصالح رجلها"، وهذا يعني أن الانجيل أقر حق المرأة في الإنفصال عن زوجها، وليس هناك تحريم لذلك، ولا يحق للكنيسة أن تحرمها من التناول إذا انفصلت عن زوجها.

وإذا اعتبرنا أن الهجر أحد تفريعات الزنا الحكمي، فهذه جريمة تشريعية، ويمثل تحطمياً لشرف المسيحيات بالباطل، فإذا انفصلت زوجة عن زوجها ومكثت في منزل والدها، لا يمكن وصمها بالزانية. ونحن طالبنا بألا يكون الهجر من تفريعات الزنا الحكمي، لأنه يدمر شرف المسيحيات.

لكن المادة الثالثة من الدستور تحيل المصريين من المسيحيين واليهود إلى شرائعهم فيما يخص الأحوال الشخصية.

تنص المادة الثالثة على: "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية". كما أن المادة الثانية تنص على: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع"، وبذلك يكون المقصود من المادة الثالثة أنها لا تلزم الكنيسة بالزواج الثاني فقط، وهذا هو المستقر عليه في أحكام المحكمة الدستورية العليا، وبذلك تكون المادة الثانية هي الحاكمة لكافة التشريعات، وليس الثالثة.

وسأضرب مثالاً ب"التبني"، فالمسيحية تقر التبني، ورغم ذلك لا يسمح به القانون المصري، كما هو الحال أيضاً من قضايا مثل "النفقة" و"الطاعة"، وكلها أمور تحال إلى المادة الثانية من الدستور وليس المادة الثالثة.

كما أن البرلمان هو الذي يسن القوانين، وليس الكنيسة، وإذا كانت الكنيسة تستند للمادة الثالثة في وضع قانون الأحوال الشخصية، فإنه من حق الأزهر أن يضع القوانين أيضاً طبقاً للمادة الثانية، وإذا كان الأزهر لا يسن القوانين، فالكنيسة أيضاً لا تضع تشريعات، وهذا حق أصيل للبرلمان.

هل تتوقع تمرير القانون من خلال البرلمان المقبل؟

أتوقع ألا يقره البرلمان المقبل، لأنه غير دستوري، يلغي المادة الثانية من الدستور، ويلغي دور القضاء، ويريد إنشاء محاكم ملية، وهو ما يفتح الباب أمام مطالبة المسلمين أيضاً بإقامة محاكم شرعية.

القانون بصيغته الحالية ينتزع سلطة القضاء ويسلمها للكنيسة، فهو يعطي الحق للكنيسة في تشكيل لجنة ترفع تقريراً للمحكمة ويكون ملزماً لها. وهذا يهدر حقا دستوريا وهو حق التقاضي، "هل من حق الكنيسة أن تطلق الأزواج، ويكون على القاضي أن يبصم فقط على قراراتها؟! إن هذا يهدر مبدأ استقلال القضاء أيضاً.

إذن لا ملجأ ولا مفر من الكنيسة إلا إليها؟

هذا ما يقره مشروع القانون بالضبط، وما سلطة الكنيسة في أن تطلب من زوج أو زوجة تقديم فواتير أو بيان بمكالمته الهاتفية، للتأكد من خيانة أي منهما أو ارتكابه الزنا. من حقي ألا أذهب إلى الكنيسة نهائياً في الطلاق، يمكن أن أذهب إليها في حالة الزواج فقط.

ولماذا تفصلون دائماً ما بين الطلاق والزواج الثاني رغم أنهما يشكلان أزمة واحدة؟

هناك فرق كبير بين الطلاق والزواج الثاني، وأوضح ذلك بالقول إن البرلمان هو مؤسسة التشريع للمسلمين والمسيحيين، على أساس المادة الثانية من الدستور (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع)، في جميع الأحوال الشخصية ما عدا الزواج، فهو بيد الكنيسة، وإذا كنت أود الزواج من خلال الكنيسة، فيجب علي الإلتزام بشروطها، ولكن إذا أردت التطليق، يكون الطلاق على شروط البرلمان، الكنيسة سلطة تزويج وليست سلطة تطليق.

كم يبلغ عدد الأقباط المتضررين من أزمة الطلاق في مصر، حسب تقديراتكم؟

يصل عدد الأقباط المتضررين إلى ثلاثة ملايين في أقل التقديرات، أي أن هناك 3 ملايين أسرة معلقة، تعاني من غياب الاستقرار.

يعاني الثلاث ملايين زوج وزوجة من مشاكل وخلافات متنوعة غالباً ليس من بينها الخيانة الزوجية، ما الحل من وجهة نظرك؟

بند الهجر في اللائحة الجديدة يمكن أن يحل جميع الخلافات ويصل بها إلى الطلاق، وأعتقد أن فترة الهجر يمكن أن تكون ثلاثة سنوات، وهي فترة معقولة، لأنه في حالة اللجوء للقضاء لن تقل مدة التقاضي عن الثلاث سنوات. فإذا كانت المشكلة بسبب العجز الجنسي أو الزنا، أو أية أسباب أخرى، فالهجر مخرج شرعي لها. لاسيما أننا نؤكد أن الزنا لا يمكن اثباته إلا بحكم قضائي، حتى لا يتم الخلط بينه وبين سوء السلوك والزنا الحكمي والهجر، فالخلط بين هذه المفاهيم ظلم تشريعي، ومخالفة شرعية وجريمة. كيف يمكن أن أضع "رنة التليفون" و"الهجر" و"الخيانة الزوجية" في كفة واحدة؟

نحن نسعى من وراء ذلك إلى أن يكون الطلاق ليس لعلة الزنا، حفاظاً على سمعة الزوجين والأطفال. إن "الطلاق لعلة الزنا" يغلق باب التوبة، فإذا كانت هناك إمرأة طلقت بسبب "الزنا" وأصبحت زانية أمام المجتمع، لن يكون أمامها إلا العمل في الدعارة، فهي في جميع الأحوال زانية. نحن نريد أن تكون هناك فرصة للتوبة وتكوين أسرة جديدة، التوبة مبدأ أساسي في المسيحية، ولا يمكن أن نذبح من أخطأ.