يتقدم النظام السوري ببطء في ريف اللاذقية بعد أسبوع من القصف الروسي العنيف لمواقع المعارضة، وهذا التقدم يهدد أقلية تركمانية هناك، تبدو تركيا مستعدة للتدخل من أجل حمايتهم إن اضطرها الأمر لذلك.


علي الإبراهيم: أدى القصف الروسي المتواصل على منطقة جبل التركمان في ريف اللاذقية، في شمال غرب سوريا، خلال الأيام الماضية إلى عمليات نزوح واسعة للأهالي، هي الأكبر من نوعها في المنطقة من حيث العدد والفترة الزمنية. وتم رصد أكثر من 1500 عائلة هربت من بلداتها وقراها في خلال يوم واحد. وتوجه معظم النازحين، وهم من النساء والأطفال، نحو الحدود السورية التركية.

متى تتحرك؟
جاء هذا النزوح بعد هجوم شنته قوات النظام السوري، مدعومة بغطاء جوي روسي مكثف منذ أسبوع، على جبلي الأكراد والتركمان، الخاضعين لسيطرة المعارضة المسلحة، ما اضطر آلاف المدنيين من بلدات عرافيت ومركشيلة والبلدات الواقعة على خط التماس مع قوات النظام إلى الفرار ليلًا نحو المخيمات القريبة من الشريط الحدودي مع تركيا، في ظل ظروف انسانية صعبة.

تروي الخمسينية مريم سلوم لـ"إيلاف"، وهي أم لخمسة أولاد، اللحظات الأولى للنزوح من القرى المستهدفة قائلة: "إشتد القصف ليلًا، واستمر حتى الصباح الباكر، كانت الغارات الجوية تتواصل، والصواريخ تنهال علينا من كل مكان، لم يكن بوسعنا سوى ترك منازلنا، والفرار بأرواحنا، وإذا لم تتدخل تركيا لإنقاذنا من هؤلاء الوحوش، فمتى تتحرك؟".

وقالت جمعية أتراك سوريا في بيان لها: "طال القصف الجوي الروسي منطقة جب الأحمر وبلدات جبل التركمان في ريف اللاذقية، وأدت الهجمات المكثفة لسلاح الجو الروسي إلى موجة نزوح كبيرة، إضافة إلى دمار هائل في المنطقة".

في السياق عينه، أكد ناشطون لـ"إيلاف": أن "قوات النظام والميليشيات التي تدعمها تمكنت من السيطرة على تلة جبل الزاهية الإستراتيجية، التي لا تبعد سوى كيلومترين عن الحدود التركية، وتشرف على معظم قرى جبل التركمان، بعد معارك عنيفة بدأت فجر يوم الجمعة الماضي، وما زالت مستمرة، ترافق ذلك مع غارات جوية روسية مكثفة استهدفت المنطقة".

معارك استراتيجية
كما فشلت حملة قوات النظام، المدعومة من الطيران الروسي، في إدلب وحماه وحلب في شمال سوريا، ولقيت حملة ريف اللاذقية في غرب سوريا هي الأخرى فشلًا ذريعًا خلال الأسابيع الماضية، لكن المنطقة اليوم تشهد هجومًا هو الأعنف منذ بدء الحملة، في محاولة لاستعادة ريف اللاذقية المحرر، حيث سيطرت قوات النظام والميليشيات التي تدعمها على بعض النقاط في قرى قريبة من الحدود التركية، وباتت على تخوم برج القصب، الذي يعدّ أول تلة يسيطر عليها مقاتلو المعارضة بريف اللاذقية، وأكثرها أهمية، نظرًا إلى ارتفاعها وقربها من طرق إمداد قوات المعارضة، لا سيما الطريق بين اللاذقية وحلب.

قال أبو رحال، قائد غرفة عمليات الفرقة الساحلية الأولى، التابعة للجيش السوري الحر، لـ"إيلاف": "تركز قوات النظام والميليشيات التي تدعمها منذ بداية الحملة العسكرية التي شنتها مدعومة بغطاء جوي روسي قبل نحو شهر تقريبًا على محورين، لاختراق صفوف المعارضة، الأول على مدينة سلمى التابعة لجبل الأكراد، أبرز معاقل قوات المعارضة، والثاني على تلال جب الأحمر في شرق سلمى، لفتح الطريق باتجاه بلدة السرمانية في سهل الغاب، وبالتالي حماية المعقل العسكري الأبرز للنظام المتمثل في معسكر جورين، ومنع فصائل المعارضة من الوصول إليه، وفتح معركة بعد ذلك في مدينة جسر الشغور، فضلًا عن تحول هذه التلال إلى مركز للقصف على معظم مناطق سهل الغاب وجبل الأكراد".

طوق حماية
التقدم الجديد الذي تحرزه قوات النظام، مدعومة بغطاء جوي روسي، من شأنه تحقيق الثمرة التي جاءت من أجلها روسيا، في حال تمت السيطرة والتقدم نحو بقية المناطق، لتأمين طوق حماية للنظام في الساحل السوري، معقل قوات الأسد بالدرجة الأولى، إضافة إلى تأمين خط دفاع لأسطولها الجوي المتواجد في مطار حميميم، عدا عن جعل تلك المناطق نقطة انطلاق لعملياتها، لاستعادة المناطق التي خسرتها قوات النظام لمصلحة جيش الفتح في الشمال، في حال جرت الأمور وفق ما هو مخطط لها.

في المقابل، يصف مقاتلو المعارضة السورية المسلحة الوضع هناك بـ"السيئ"، مشيرين إلى أن "القصف هو الأعنف من نوعه على جبلي الأكراد والتركمان؛ فالطيران الروسي لا يهدأ، وحديثًا يتعرّض الجبل إلى قصف بصواريخ كروز الروسية، بالتزامن مع قصف براجمات الصواريخ، وصواريخ أخرى من نوع فيل، وهذا يعقّد مهمة المقاتلين".

وتسعي فصائل المعارضة السورية المسلحة إلى تدعيم صفوفها ومنع تقدم قوات النظام، حيث أكد أحد القادة الميدانيين في الجيش الحر أن قوات النظام تحاول منذ سنوات التقدم، لكنها تفشل في كل مرة، ويتم صدها، بل ونقوم بشن عمليات ضد نقاط قوات الأسد، لكن اليوم ومع تكثيف الطيران الروسي غاراته، بات الوضع أصعب، لكن المعارك تحسم على الأرض، وستكون الأيام المقبلة حاسمة لمصلحتنا، على حد تعبيره.

وكانت تعزيزات عسكرية بالعدة والعتاد، قادمة من ريف إدلب، وصلت مساء أمس إلى جبل التركمان، أرسلها جيش الفتح لصد التقدم البطيء، الذي تحرزه قوات النظام في تلك المناطق.

بوادر تدخل تركي
يبدو أن الموقف التركي من معارك ريف اللاذقية بدأ يتضح بشكل أكبر على المستويين الشعبي والسياسي. فقد أكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في كلمة أمام البرلمان التركي الأحد أن المناطق والقرى التي يستهدفها القصف الروسي ذات حساسية بالنسبة إلى تركيا، مضيفًا: "تم تناول هذه المسألة مع رؤساء أجهزتنا الأمنية، واتخذ العديد من القرارات المهمة في هذا الإطار، أولها أمن الحدود التركية، حيث أعطينا أوامرنا إلى الأجهزة الأمنية بالرد المباشر على أي تهديدات تطال الحدود التركية".

شعبيًا، أعلن 250 مقاتلاً من نادي "الشجعان"، التابع لحزب الاتحاد التركي، السبت، قرارهم التوجه إلى سوريا، لحماية التركمان في جبل اللاذقية، بعدما تعرّض حديثًا لهجمات مكثقة من النظام وروسيا.

وينتمي إلى هذه المجموعة ضباط وصف ضباط، وسينشئون ثكنة باسم محسن يازجي أوغلو، وسيتدربون على القتال في المناطق الساخنة، وفق ما نقل موقع "خبر" التركي. وجاء التحرك السياسي والشعبي السريع على خلفية تصاعد أصوات كتّاب وناشطين أتراك، طالبوا حكومة بلادهم بالتدخل العسكري السريع لإنقاذ تركمان سوريا من الموت، بعدما كثّفت مقاتلات النظام السوري والمقاتلات الروسية قصفها العنيف للقرى التركمانية في ريف اللاذقية. ويقدر عدد التركمان في سوريا بنحو ثلاثة ملايين، بحسب أحزاب سياسية تركمانية، وينتشرون في معظم المحافظات السورية، معظمهم في ريفي حلب واللاذقية.

&