كما انقسم المواطنون الألمان إلى فئات ثلاث منذ أن طفت أزمة المهاجرين إلى سطح الأحداث، إنقسم الاعلام الألماني بدوره، فظهرت أصوات تنادي بضرورة التريّث قبل إبداء الرأي في موضوع حيوي ومصيري كهذا، وتجنّب التحريض والتحلّي بمزيد من المسؤولية والرصانة.


عبدالإله مجيد من لندن: يقول علماء وأكاديميون ان المتأثرين بفترات الانعطاف ينقسمون الى ثلاث فئات، الأولى التي نادرا ما تضم أكثر من 25 في المئة لا تخشى المجهول وترحب بالتغيير.

والفئة الثالثة التي كثيرا ما تكون اكبر من الأولى تكره ما يحدث خوفا من الجديد.

والفئة الثانية التي تقع في الوسط تنتظر لترى كيف تتطور الأوضاع، وهي تكون قلقة لكنها ليست عدوانية، وهي ليست مرنة لكنها ليست خائفة.

إنقسام في ألمانيا

وفي مواجهة ازمة اللاجئين يتحلى الالمان الذي ينتمون الى الفئة الأولى بمعنويات عالية وروح متفائلة، بعضهم مدفوعون بالرغبة في مساعدة منكوبين هم اخوة لهم في الانسانية والبعض الآخر لأسباب اخرى مثل اقتناعهم بـأن استقبال المهاجرين ضروري لمستقبل الاقتصاد الالماني.

ويشعر المان الفئة الثالثة بالخوف من تدفق غرباء على بلدهم.

ومن هذه الفئة ينبثق حزب الشاي الالماني وهو حركة تعارض بشراسة كل ما هو غريب وتروج الشائعات وتوجه اقذع الشتائم الى المستشارة انغيلا ميركل وتزدري الثقافة والنخبة والاعلام.

ومن السهل توثيق الفئتين الأولى والثالثة لأن من ينتمون اليهما يجاهرون بآرائهم. ولكن ما بينهما يقفون حائرين لا يعرفون من يثقون به وما هو الموقف الصائب في مثل هذه الأوقات المشحونة بعلامات الاستفهام.

ما العمل؟

لا احد يهاجر تاركا وطنه وتاريخه بخفة ناهكيم عن الهجرة بسعادة. فالهجرة قرار بالغ الأثر وكل من ينسلخون عن جذورهم يعرفون ذلك.

في عام 2005 سافر مراسل مجلة شبيغل الالمانية كلاوس برينكبويمر والمصور ماركوس مارتسيل مع لاجئين من غانا الى اسبانيا عن طريق توغو وبنين والنيجر والجزائر والمغرب في رحلة اصبحت قصة الغلاف الأمامي للمجلة وموضوع كتاب.

وتحدث الاثنان مع مئات على متن شاحنات وفي مخيمات وفي وسط الصحراء الكبرى، وكانوا جميعهم مهمومين لمغادرتهم اوطانهم، وجميعهم يحلمون بحياة كريمة.& وكان كثير منهم يخافون مما ينتظرهم لأنهم يعرفون مخاطر الرحلة وخاصة عبر البحر المتوسط.

مزيدا من الحذر والدقة

ويقول الصحافي برينكبويمر "ان المهاجرين الذين يأتون الى بلدنا يستحقون العطف" متسائلا "أي خيار لدى الوافدين منسوريا التي تمزقها الحرب؟ وماذا سنفعل لو كنا في وضعهم؟ "ودعا برينكبويمر زملاءه الاعلاميين الى الحذر والدقة في اختيار صياغاتهم والابتعاد عن اللغة التحريضية.

اشاعة عدم الثقة

عندما اختارت مجلة تايم المستشارة الالمانية انغيلا ميركل شخصية العام لتزيين غلافها كتب المحامي الالماني المعروف يواخيم ستاينهوفل تغريدة قال فيها "أليس هذا لطيفا؟ ان تكون فتاتنا العضو في شبيية المانيا الشرقية سابقا شخصية العام؟".

واضاف ساخرا ان رئيس زمبابوي روبرت موغابي سيكون شخصية تايم في عام 2016.

وحذرت مجلة شبيغل من ان مثل هذا اللغة تصب الزيت على النار.

وحين يشير صحافي يتخلى بشعور بالمسؤولية مثل مايكل هافيلد الى قناتي "أي آر دي" و"زد دي اف" الرصينتين على انهما من المرحبين بالمهاجرين فانه هو ايضا يلعب بالنار، على حد تعبير مجل شبيغل قائلة ان مثل هذه اللغة تشيع عدم الثقة.

دور الصحافة

ومع ذلك، يجب على الصحافيين ان يتحدثوا بصراحة عما يجري وان يخرجوا بخلاصات عن التطورات المحتملة.&

وحين تخطئ اوروبا وترتكب الحكومة الالمانية اخطاء في غمرة الأزمة أو يكون رد فعلها متأخرا أو بطيئا فان على الصحافيين ان ينقلوا ذلك الى الجمهور. وهذا ما تفعله منافذ اعلامية كثيرة دون ان تصبح معادية للمهاجرين أو عنصرية، بحسب مجلة شبيغل.

من الصعب تحقيق الموضوعية في ازمة معقدة مثل ازمة اللاجئين. وهناك دليل على كل شيء. فالمناطق التي نجحت في دمج الكثير من مجتمعاتها سابقا مناطق مزدهرة اليوم ولكن الاندماج لا يتحقق إلا إذا احتفظت الدولة بسيطرتها على الموقف.

والمانيا في الوقت الحاضر فقدت السيطرة، بحسب مجلة شبيغل مؤكدة ان اللجوء حق من حقوق الانسان الاساسية ولكنها تضيف انه من دون تحديد سقف لأعداد اللاجئين سيكون من المستحيل تقريبا ايجاد مخرج من الأزمة.

ويعني هذا بالنسبة للاعلام ان على جميع الصحافيين ان يعرضوا القصة بكل جوانبها وبلغة مدروسة ومتوازنة قدر الامكان. ومن الممكن تحقيق التعايش بين التعاطف والنقد، على حد تعبير مجلة شبيغل.