عندما توافد اللاجئون على ألمانيا، رحّب بهم الألمان، وهم يحملون كعكات، وقد انتشرت هذه الصورة في كل مكان. ولكن هناك صورة أخرى ظهرت مع الأزمة تمثلت في موجة كراهية وعنصرية لا يمكن تجاهلها على الإطلاق.


إعداد ميسون أبوالحب: تعتبر حركة بيغيدا أهم طرف في هذه الموجة المناوئة للمسلمين، والتي يحتشد افرادها كل أثنين في شوارع مدينة درزدن في شرق البلاد بشكل خاص رغم أن الحركة بدأت تظهر في مناطق اخرى أيضًا. مع ذلك، نبهت صحيفة شبيغل اونلان الى أن بيغيدا ليست كل شيء، بل هي جزء من مشكلة أكبر تتوسع يوما بعد آخر.&
&
فمنذ الهجوم الذي استهدف هنرييت ريكر في كولونيا عشية الانتخابات البلدية، ما عاد السياسيون في المانيا يشعرون بالأمان، رغم انهم يواصلون انجاز اعمالهم بالطريقة نفسها، بل ويفكر بعضهم في ارتداء ملابس واقية من الرصاص. اما الناس فما عادت تشعر بالخوف من اعلان كراهيتها ورفضها للاجانب، وهذه مشاعر اصبحت ملحوظة في كل مكان رغم اعتقاد سابق بأنها قد اختفت تمامًا، واصبحت جزءًا من الماضي.&
&
مشنقة ميركل
هناك نماذج كثيرة على ذلك، بعضها صادم ودموي، كما حدث في كولونيا. منها ايضا شكل المشنقة، التي رفعت في احدى مسيرات بيغيدا في 12 تشرين اول/اكتوبر، وقيل إنها صنعت خصيصًا للمستشارة انغيلا ميركل ونائبها سيغمار غابرييل، وهناك ايضا الشتائم التي تلقتها ميركل عند زيارتها مبنى يقيم فيه لاجئون في هيدنو قرب درزدن في آب الماضي.
&
وبمناسبة مرور عام على انشاء حركة بيغيدا، رفعت لافتة كتب عليها "أعداء الدولة الالمانية.. ميركل وغابرييل والمتواطئون معهما". وفي اطار عدم الخوف من العقوبة ايضًا، قال الكاتب الالماني من اصل تركي عاكف بيرينشي في كلمة القاها بالمناسبة "هناك بدائل اخرى بالنسبة إلى ازمة اللاجئين.. ولكن معسكرات الاعتقال لا تعمل حاليا للاسف".&
&
هجمات أكثر
ازداد ايضًا عدد الهجمات على اماكن اقامة اللاجئين، وسجلت الاشهر التسعة الاولى من هذا العام عددًا اكبر منها مقارنة بالعام الماضي. ووصلت الهجمات الى السياسيين انفسهم الذين يعتبرهم الكثيرون مسؤولين عن الفوضى في البلاد.

فمقر حزب ميركل الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ في برلين يستقبل الآلاف من رسائل الكراهية كل اسبوع، ويبدو ان الهدف الرئيس هنا هو المستشارة انغيلا ميركل. وحتى الحزب الاجتماعي الديمقراطي تلقى رسائل كراهية هو الآخر، إذ قالت الامينة العامة للحزب ياسمين فهيمي، وهي من ام المانية واب ايراني، إنها تلقت رسالة لا تحمل توقيعاً، جاء فيها "افتحوا الابواب امام المغاسل، واضرموا النار في الافران، لأننا سنحتاجها".
&
تجمع الطبقات
أشكال الكراهية في المانيا عديدة، ويمكن ملاحظتها في الشارع وعلى الانترنت، واحيانا تقال بصوت مرتفع، وهي تصدر من كل الطبقات وكل شرائح المجتمع. ووفقًا لدراسة اجراها اندريا زيك، وهو مدير معهد متخصص في النزاعات والعنف في جامعة بيلفيلد، فإن 50 بالمائة تقريبًا من الالمان يشعرون بالكراهية.
&
في دورتموند فتحت دوروثيا مويش قبل اربع سنوات دارًا في ويسترفيلد امام الفقراء والمهاجرين واطفالهم، فيما تبرع بعض المتطوعين بتدريس اللغة الالمانية وترجمة الرسائل التي تصل من السلطات المحلية. وكان الاحتجاج على فعلتها ينصب على الاتراك مع عبارات، مثل اخرجوهم من هنا، واطردوهم وما شابه. ولكن ما ان بدأ دفق اللاجئين الجدد حتى اصبحت النبرة اكثر عنفًا. وتقول دوروثيا إنها تلقت نداءين على هاتفها المحمول، حيث هددها صوت رجالي بالقول "سنحرقك ايتها الساحرة، مثل الانذال الآخرين".
&
اعتقال لا مدارس!
سيباستيان كوخ هو عمدة ونزنباغ قرب ريغنزبرغ في بافاريا، وهو من الحزب الاجتماعي الديمقراطي سمع عبارات مثل: لم لا ترحل الى سوريا؟. أما السبب فهو انه وبخ شخصًا يؤجر اماكن لسكن اللاجئين، لانه سلم المبنى بأثاث محطم، حتى في المطبخ، وبأسلاك كهربائية متدلية من الجدران. وانتقد كوخ ايضًا الطريقة التي يصل بها اطفال لاجئون الى مدارسهم، حيث يضطرون الى ركوب قطارات وباصات، وقال إن هذا كثير بالنسبة الى اطفال بهذا العمر ولا يتحدثون الالمانية.
&
بعدها وصلت رسالة الى البلدية جاء فيها "ما يحتاجه اطفال اللاجئين ليس قطارًا للمدرسة، بل معسكر اعتقال". بعدها بدأت الشرطة تحقيقًا، واصبحت تسير دوريات في المنطقة التي يقيم فيها لاجئون.

الحسم مطلوب
وتقول صحيفة شبيغل اونلاين إن على السياسيين ان يجدوا طريقة للتعامل مع هذه الكراهية المتفشية عن طريق الحوار والحلول الوسط، وهو اساس اي نقاش او جدال في المانيا، رغم أن من الصعب ايضا الوصول الى اشخاص تغلب عليهم الكراهية الى درجة هستيرية.&

اجهزة الامن تحتاج ايضًا اتخاذ موقف حاسم، ففي معظم الولايات لا تتابع هذه الاجهزة بيغيدا، رغم أن الشرطة ونواب الادعاء يملكون الادوات اللازمة للتحرك وسحق مثيري القلاقل.
&
اليمين المتطرف
تعتبر مواجهة غضب الناس عبر رسائل وتغريدات وفايسبوك وهجمات جسدية تجربة جديدة بالنسبة إلى معظم السياسيين. ويقول هانز بوده، المختص بالسوسيولوجي في جامعة كاسل، إن حركة بيغيدا تضم اشخاصًا يعانون من مشاكل وجودية، ولا يعرفون اين يولون وجوههم، وانهم يمثلون 25 بالمائة من الالمان.
&
وتشير الصحيفة الى ان جماعات اليمين المتطرف اكتشفت منذ زمن بعيد هذا الشعور بالاحباط لدى الناس، وهي تعرف كيف تستغله وتسثمره لصالحها. هناك مثلا موقع ألماني على الانترنت اسمه "غير صحيح سياسيًا"، ويعرف بمختصره IP وقد تأسس في عام 2004، وهو العام نفسه الذي شهد مقتل المخرج الهولندي تيو فان خوخ، الذي كان ينتقد الاسلام. هذا الموقع يتعرض لكل من يعتبر متعاطفًا مع الاسلام.
&
وتعتقد شبيغل أن من يديرون هذا الموقع وحدوا جهودهم على مدى السنوات الاخيرة مع اشخاص يحملون الافكار نفسها ليكونوا شبكة يمينية تضم عددًا من الجماعات المتطرفة منها "حركة السلام من أجل المواطنين الاوروبيين" و"رابطة الدفاع عن اللغة الالمانية" و"الحركة الالمانية لصالح مواطني المانيا". وترى الصحيفة ان كل هؤلاء ظلوا يروّجون لأفكارهم السياسية كي ينتقلوا من الهامش الى المركز، وليبدأ بعدها دور بيغيدا.&
&
مادي ملموس ومسموع
&من الاشخاص الذين يكتبون مدونات في موقع "غير صحيح سياسيًا" شخص يدعى ميكائيل ستورزنبرغر، وهو ايضا رئيس حزب الحرية اليميني المتطرف، وعادة ما يلقي كلمة في مسيرات بيغيدا، وقال آخر مرة إن ثلاثة من طالبي اللجوء اغتصبوا فتاة المانية في بلدة داوزبرغ في غرب المانيا، ثم اكد ان مثل هذه الحوادث تقع كل يوم. ثم سأل الجمع المحتشد وهو يصرخ "هل تريدون ألا تتمكن نساؤنا من السير في الشوارع ليلاً من دون خوف؟"، فردت الجموع بقوة "لا". غير ان ما لم يقله ستورزنبرغر هو ان الشرطة اعلنت بعد فترة قصيرة من اعلان الحادث ان المرأة لفقت القصة.
&
وترى الصحيفة ان "سياسيًا غير صحيح" يستخدم كل شيء لغرض إثارة الناس، حتى اصبحت حركة بيغيدا تنزل جموعها الى جميع الساحات العامة في مدن المانيا كي تحول الكراهية الى شيء مادي ملموس ومسموع.&

ملكة مهربي البشر
ويقول يورغن ايلساسر، وهو معلم سابق وعضو الرابطة الشيوعية في المانيا الغربية، والتي انتهى وجودها منذ زمن، "ربما تكون هذه آخر فرصة لنا لانقاذ شعبنا"، ويقول ايضا "بيغيدا حركة جماهيرية".
&
كان ايلساسر يكتب لصالح اليسار المتطرف، وأصبح الان يتحدث في تجمعات بيغيدا، ويواصل في خطاباته مهاجمة الامبرالية التي فرضها الاميركيون، ويدعو الى مقاومة رأس المال الدولي واصحابه في واشنطن وفي لندن وفي القدس.
&
وفي ايلول/سبتمبر الماضي، دعا القوات المسلحة الالمانية الى النزول في المحطات التي تقع على طول الحدود الالمانية لمنع تدفق اللاجئين، وقال "نفذوا قسمكم ولا تنتظروا الاوامر من فوق"، ثم نشر في مجلته اليمينية "كومباكت" صورة ميركل والى جانبها عبارة "ملكة مهربي البشر".&
&
ثقافة جديدة
في كتاباته ينأى ايلساسر بنفسه عن الهجمة الدموية في كولونيا، كما يرفض استخدام المشنقة كرمز، ولكنه ما لبث ان نشر في مجلته "كومباكت" مقابلة مع الشخص الذي رفع شكل المشنقة في درزدن، وسمح له بشرح افكاره ثم القول إن الامر كان مجرد مزحة. ولكننا نقرأ في مقدمة كتبت للمقابلة عبارة "هذا الرجل الشجاع سيروي قصة ستذهلكم".
&
هو من جهة يجعل منه بطلاً، ولكنه ينأى بنفسه عنه في الوقت نفسه، وهو ما يعتبر احدى علامات ثقافة الكراهية الجديدة في المانيا.&
&
رد رسمي ضعيف
لاحظت شبيغل ان رد السلطات الالمانية جاء ضعيفاً جداً حتى الان على كل هذه الاحداث والامور، واشارت الى وصف وزير الداخلية توماس دو ميزيير قادة بيغيدا بكونهم من اليمينيين المتشددين والمتطرفين، فيما لم يفعل جهاز الامن الداخلي شيئًا لمتابعة الحركة، بل ويقول إن الاسباب المتوافرة حتى الان غير كافية لاتخاذ مثل هذا الاجراء.
&
هذا الموقف ظهر ايضًا لدى غورديان ماير بلاث رئيس فرع ساكسوني لمكتب حماية الدستور، إذ قال "لا نراقبها" لان المعلومات الموجودة حاليا هو انها حركة غير مؤذية، وقد نأى منظموها بأنفسهم عن العنف. وقال ايضا إن هؤلاء رفعوا صورة لميركل وهي بزي "اس اي" في زمن هتلر. وقال "النازيون الجدد ما كانوا ليفعلوا هذا"، ثم وصف الحركة بأنها يمينية شعبية مدفوعة بالغضب، ولكنها لا تشكل خطرًا على الحرية والديمقراطية في المانيا. واضاف يجب الا نتهم كل من يعترض على سياسة البلد تجاه اللاجئين بأنه يميني متطرف.&
&
من أشكال الارهاب
غير ان اجهزة أمن في ولايات اخرى تعتقد العكس مثل داوسبرغ ودوسلدورف وتورنغيا، حيث تجري مراقبة بيغيدا بشكل رسمي، وتؤكد السلطات أن غالبية المنظمين والمتحدثين من اليمين المتطرف.
&
وحتى بالنسبة الى موقع "غير صحيح سياسياً"، تقول السلطات إنه ورغم ترويجه لافكار مناهضة للاسلام، ورغم ممارسته دعاية عنصرية في الغالب "إلا انه لا يعكس طريقة تفكير اليمين المتطرف نفسها"، كما جاء في رد للسلطات على طلب تحقيق قدمه الحزب اليساري.

وتعتقد الصحيفة ان المسؤولين عن الموقع تمكنوا من خداع السلطات باستخدام وسيلتين بسيطتين. الاولى من خلال موقفهم المؤيد لاميركا ولاسرائيل ثم الطريقة التي يستخدمونها في الكتابة.
&
ونقلت الصحيفة اخيرًا عن زيك أن على السياسيين ان يكونوا اكثر حزمًا مع هذه الجماعات، إذ قال "يجب ان ننظر الى العنف العنصري في المانيا على حقيقته وهي أنه شكل من اشكال الارهاب".
&
&