يبدي نقيب الصحافيين التونسيين ناجي البغوري مخاوف كثيرة من تكرر الانتهاكات التي تطاول صحافيين وإعلاميين، ويقول في حوار مع "إيلاف" إن العودة إلى الاستبداد ممكنة، رغم سعي النقابة مع شركائها على أصعدة مختلفة لتكريس الحرية، كما يتحدثّ البغوري عن الصحافة في زمن الإرهاب، ودور وسائل الاعلام في التصدّي لجماعات تهدد كيان الدولة.


شمس الدين النقاز من تونس: قال نقيب الصحافيين التونسيين ناجي البغوري في مقابلة خاصة مع "إيلاف"، إنّ قطاع الصّحافة في تونس يخضع لضغوطات كبيرة من قبل الحكومة الحالية برئاسة الحبيب الصّيد، ودعاها إلى الإلتزام بتعهداتها باحترام حرية الصحافة.

واعتبر البغوري التهديدات والإنتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون التونسيون بأنها "ممنهجة ولم تعد معزولة وشخصية وتهدف إلى إخافتهم خاصّة في هذه المرحلة الّتي يبدو فيها كل شيء ممكنا بما في ذلك الرجوع إلى الإستبداد خاصّة إذا ما لم يتمّ تأمين انتقال ديمقراطي حقيقي".

كما أكّد البغوري أنّه فقد الثقة في الحكومة من أجل الكشف عن مصير الصحافيين سفيان الشورابي ونذير القطاري المختطفين في ليبيا منذ شهر أبريل الماضي قائلا "ليست لدي ثقة في الحكومة في هذا الملف بالذات وأعتقد أن وزير الخارجية الطيب البكوش لم يعط دليلا صريحا على أن سفيان ونذير على قيد الحياة وأنا لن أصدّقه حتّى يقدّم الأدلّة على ذلك".

ويتحدّث البغوري عن التغطية الاعلامية التي رافقت الاعتداءات الارهابية في تونس، ويشرح جهود النقابة في تأطير منظوريها والتعامل مع هذا المستجدّ الذي يلقي بظلاله على الصحافيين وعلى الجمهور في آن.

وفي ما يلي نص الحوار كاملا:

اتّهمتم الحكومة في أكثر من مرة بأنها تريد تطويع الإعلام لصالحها في حين أن البعض يقول إن هامش حرية التعبير في تونس غير مسبوق؟

ليس البعض فقط من يقول ذلك بل نحن كذلك نقول إن هامش حرية التعبير في تونس غير مسبوق، ونقول أيضا إن الصحافة التونسية تتمتع بمناخ من الحريات غير مسبوق في تاريخها وتحديدا منذ الاستقلال، كما نعتقد أنّ تونس هي المثال الأفضل في المنطقة العربية والمنطقة بشكل عام في مجال حرية الصحافة والفضل في ذلك يعود للثورة الّتي قلبت موازين القوى وأسقطت نظاما حل محله نظام جديد، بالإضافة إلى تضحيات التونسيين وتضحيات الشهداء، لذلك

ناجي البغوري متحدثا إلى وسائل الاعلام

نحن نريد أن نحافظ على هذه الحرية ومن واجبنا كصحافيين الدّفاع عن هذه الحرية لكي لا تحدث انتكاسة، لهذا كلما حصل عسف وتجاوز واستعمال للسلطة في غير محلها ومس من هذه الحرية، تقوم النقابة بدورها في تنبيه الصحافيين ودعوتهم إلى التضامن فيما بينهم والتصدي للحكومة في محاولاتها للسيطرة على الإعلام ولكن أيضا لتنبيه المجتمع التونسي والقوى المدنية والسياسية، فحرية الصحافة ليست شأن الصحافيين وحدهم وإنما هي شأن كل التونسيين لأنه لا ديمقراطية ولا تطور ولا نمو بلا حرية صحافة.

دور النقابة

من الصحافيين من يقول "إن دور النقابة تمثل أساسا في التنديد لا في التنفيذ ولم نر أي تحركات قامت بها لانتزاع حقوقنا من الحكومة؟"

نقابة الصحافيين هي منظمة وطنية قانونية تشتغل بالطريقة السلمية وليست منظمة إرهابية، لا تقوم بتفجيرات ولا تستعمل السلاح ولا العنف، أما إذا كان البعض يرى أن دور النقابة يتمثل في استعمال العنف فهذا خارج عن سياق دور النقابة لأنّنا منظمة تستعمل وسائل سلمية للدفاع عن منخرطيها وعن حرية الصحافة.

فعندما عرض مشروع قانون الإرهاب الجديد على مجلس الشعب قامت النقابة بدورها في التنصيص على استثناء الصّحافيين من واجب الكشف عن السر المهني في قضايا الإرهاب في هذا القانون الجديد، وقامت بذلك رفقة منظمات من المجتمع المدني وباعتبارها جزءا من الإئتلاف المدني لحرية التعبير، وقامت لأجل ذلك بالضغط على النواب أنفسهم وبعمليات تشبيك وتأثير داخل البرلمان.

لذلك فإنّ النقابة تندد وترفع صوتها عاليا لأن هذا دورها الأساسي، لكنها تقوم أيضا بأدوار أخرى كالضغط والقيام بتحالفات على مستوى المجتمع المدني وقد أتت هذه التحالفات والضغوط أكلها على غرار الإستثناء في قانون الإرهاب، وقانون النفاذ إلى المعلومة الذي سحبته الحكومة ولكن قامت النقابة بحملة وطنية من أجل إعادة تمريره، كحملة الصحافة "شادة في خيط" وحملة مع مراسلون بلا حدود، وكان لهذه الحملات تأثير جماهيري كبير جدا أجبر الحكومة على إعادة طرح القانون من جديد دون أن ننسى دورنا في سحب الحكومة لمشروع قانون زجر الإعتداءات على القوات الحاملة للسلاح الّذي قدمته بعد أن ضغطت النقابة على الحكومة وأجبرتها على سحب هذا المشروع.

هذا في جانب القوانين، أما على مستوى الأوضاع المادية والمهنية فهناك مفاوضات كبيرة قامت بها النقابة مع أصحاب المؤسسات وغيرهم ونحن لسنا استثناء ولم نخترع هذا الأسلوب في التعامل، بل هو أسلوب تتعامل به كل النقابات في الأنظمة الديمقراطية فنحن نندد ونقوم بالضغوطات والتنسيق والتحالفات مع قوى المجتمع المدني بالإضافة إلى المفاوضات وغيرها من الأشكال التي تمتلكها النقابة سلميا وديمقراطيا.

وزارة العدل قامت بسحب تهديدها بمحاكمة بعض الصحافيين وفق قانون الإرهاب بدعوى بث مشاهد قيل إنها تنشر دعاية إرهابية ( صورة رأس راع ذبحه إرهابيون وهو مخزن في ثلاجة عائلته) بعد أن هدّدتم كنقابة بالقيام بإضراب عام وهو ما دفع البعض إلى القول إنكم عندما تتركون التنديد وتهددون تنتزعون حقوقكم؟

هذا ما حصل فعلا، نحن لا نهدد دائما، صحيح أن سلاح الإضراب هو سلاح مهم جدا وهو أقوى الأشكال النضالية الممكنة التي يمكن أن تتوخاها النقابة، وسلاح الإضراب مهم جدا ولكن لا نهدد به في كل مناسبة وإلا يفقد هذا السلاح جدواه، ونحن نهدّد حينما نكون قادرين فعلا على التنفيذ وقد كنّا جادّين في تهديداتنا في هذه القضيّة.

وبفضل هذا التهديد بالإضراب العام تمكنا من إجبار وزارة العدل على التراجع عن قرارها بمحاكمة الصحافيين بموجب قانون الإرهاب حتّى أنّ وزير العدل قال إنّ البلاغ الّذي أصدرته الوزارة أُسيء فهمه، وقد حقّقنا أهدافنا وغايتنا عندما لوحنا بالإضراب العام وقد كان المسعى وقتها الوصول إلى تحقيق الأهداف والنتائج الّتي كانت سحب الوزارة لتهديدها بعد تحذير النقابة ومنظمات المجتمع المدني.

كنتم تعترضون على بعض الفصول التي تقضي بسجن الصحافيين في المجلة الجزائية (القانون الجنائي) فتطور الأمر إلى أن أصبحوا مهددين بقانون الإرهاب؟

نحن لم نندّد فقط ولكن أيضا طالبنا خلال جلساتنا مع الحكومة ورئيسها ورئيس الجمهورية والكتل النيابية في البرلمان بشكل رسمي ووثقنا هذه المطالب بأنه يجب إحالة الصحافيين أثناء تأدية مهامهم أو على خلفية القيام بدورهم فقط وحصرا بموجب المرسوم (القانون) 115، ولكن لاحظنا أن عديد الصحافيين تمت إحالتهم ومحاكمتهم بموجب قانون الإرهاب وبموجب مجلة (قانون) الإتصالات أو بموجب مجلة (قانون) المرافعات العسكرية أو المجلة الجنائية، لذلك قلنا إن هذا نوع آخر من أنواع التهديد والضغط لاستعمال القضاء والقانون لذبح حرية الصحافة.

الصحافة في زمن الإرهاب

هل لنقابة الصحافيين استراتيجية واضحة لتدريب منظوريها في ما يتعلق بتغطية الاحداث الارهابية؟

نعم، أعددنا الإستراتيجية الخماسية، فمنذ 3 أشهر إلتقى المكتب التنفيذي الموسع للنقابة في مدينة المنستير وقدم استراتيجية لمدة 5 سنوات إلى غاية 2020 على كل المستويات كتأطير الصحافيين، المفاوضات الإجتماعية، العلاقات الخارجية للنقابة وأخلاقيات المهنة، وفي هذا الباب يتم تأطير الصحافيين في مجال احترام الكرامة البشرية وتجنّب خطابات العنف والكراهية، وبدأنا في تنفيذ هذه الإستراتيجية عن طريق إحداث مرصد مراقبة وسائل الاعلام خاصة في ما يتعلق بخطابات العنف والكراهية وخدمة أجندة الإرهاب، ويقوم هذا المرصد بإصدار تقارير يومية لوسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية ومواقع الإذاعات والتلفزات.

هل تم الالتزام بهذه التقارير من قبل هذه المؤسسات؟

صورة الزميلين نذير القطاري وسفيان الشورابي المفقودين في ليبيا توشح مدخل مقرّ نقابة الصحافيين

هذه التقارير بدأت الصدور بداية من الأول من شهر ديسمبر الجاري، وسيكون هناك تقرير سنوي والهدف من هذه التقارير هو توجيهها إلى المؤسسات التي تقوم بهذه الإنتهاكات وتمارس هذه الأخطاء وهدفنا ليس تسمية المؤسسات التي تقوم بالأخطاء بقدر ما هو بيداغوجي وتوجيهي بالأساس حيث نحاول من خلاله مساعدة وسائل الإعلام على أن تلتزم بالمعايير الأخلاقية والمهنية وأن لا تسقط في فخ التحريض على العنف والدعوى إلى الكراهية وخدمة أجندة الارهاب وتبييضه.

إلى أين وصل التحقيق الذي وعد بفتحه وزير الداخلية على خلفية إعتداء بعض الأمنيين على الصحافيين أثناء تغطيتهم لاعتداء شارع محمد الخامس؟

نحن من البداية قلنا إن هذا التحقيق الداخلي غير جدي، ففي كل مرة يتم فيها الإعتداء على الصحافيين يبادر وزير الداخلية بالإعتذار ويقول إنه سيفتح تحقيقا ولكن الإعتداءات على الصحافيين تكرّرت ولم نر أي أثر للجان التّحقيق ولهذه التحقيقات كما أنّنا لم نر أي عقوبات، بل إن الأجهزة الأمنية تواصل اعتداءاتها على الصحافيين وتعنيفهم.

ونحن نقول إن هذه الإعتداءات غير مبررة وأصبحت مزعجة، كما أنّها لم تعد معزولة وشخصية حينما تتكرر وتمارس بنسق تصاعدي وهذا مقلق لنا من جهتين:

1.لأنّه يعتبر استهدافا للصحافيين ولسلامتهم.

2. مقلق لأنه لم يقع أي إصلاح داخل المنظومة الأمنية.

هذه المنظومة تعتدي على الصحافيين فما بالك بما يحصل داخل السجون وداخل مراكز الإيقاف التي يوجد بداخلها انتهاكات لحقوق الانسان بالتأكيد، فمن ينتهك أمام كاميرا لن يتوانى في الإنتهاك داخل مركز ايقاف.

متى تبدأ حرية الصحافي ومتى تنتهي عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع ظاهرة الإرهاب؟

موضوع الإرهاب هو موضوع مستجدّ بالنسبة للصحافة التونسية وأيضا للصحافة العالمية، فإلى الآن كثير من& وسائل الإعلام الكبرى لم تحدد معنى الإرهاب، فهناك دائما حديث عن "ما يسمى الإرهاب" وعن "عمليات مسلحة" و"مسلحين" و"منفذي عمليات" وتتفادى بعض وسائل الإعلام ذات السمعة الكبيرة والتأثير الواسع الدخول في تحديد مفهوم للإرهاب.

نحن كنقابة للصحافيين حاولنا أن تكون لدينا رؤية نشركُ فيها كل وسائل الإعلام، ففي رمضان 2014 وأثناء عملية استهداف الجنود التونسيين، عقدت النقابة لقاء هو الأول من نوعه من خلال تجميع رؤساء تحرير وسائل الإعلام التونسية بأنواعها، وكان هناك أكثر من 50 رئيس تحرير من مختلف وسائل الإعلام وتمخض هذا النقاش عن لجنة لإعداد تصور حول موضوع ومفهوم الإرهاب، وحول طريقة التعاطي مع القضايا الارهابية وحاولنا أن يكون لدينا ميثاق تلتزم به المؤسسات الإعلامية مفاده أنه يجب اعتبار كل من يرفع السلاح في وجه الدولة أو من يقوم بعمل غير سلمي أو من يستهدف الأمن أو المواطنين بطرق عنيفة ومسلحة مصنّفا في خانة الإرهاب، لا سيّما تلك المجموعات المنظمة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وبناء على ذلك، هناك توجه مفاده أنه لا ينبغي أن يوجد حياد سلبي تجاه هذه المجموعات الإرهابية، فهناك استهداف للدولة في حد ذاتها وكذلك لنمط المجتمع وليس فقط استهداف لحرية الصحافة وللحريات الفردية والعامّة بشكل عامّ بل إنّه استهداف& لوجودنا، لهذا فللصحافيين واجب وطني مفاده أنه لا يجب أن يكون للصحافي ذلك الحياد الغبي والسلبي تجاه هذه المجموعات الإرهابية، لذلك قلنا إنّنا لسنا محايدين في معركة الإرهاب ويجب أن لا يتم تصوير الإرهابيين في صور النصر والقوة بل بالعكس يجب أن يتم تصويرهم في صور الضعف والهزيمة وفي الوقت نفسه يجب الإلتزام بعدم الخلط بين كل من يمارس شعائره الدينية ووصفه بالإرهابي وعدم الخلط بين العقيدة الاسلامية والإرهاب، وعدم الخلط بين الملتحين أو الذين يلبسون لباسا دينيا والإرهاب، لأن الإرهاب هو استعمال السلاح فقط.

من ناحية أخرى يجب أن لا تستعمل الحكومة محاربة الإرهاب كذريعة للتضييق على حرية الصحافة وكذلك للعقوبات الجماعية وانتهاك حقوق الانسان، لأنّه في السابق وخاصة في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات كانت هناك حرب بين نظام بن علي والإسلاميين استغلّها بن علي لقمع الحريات، لذلك فإنّ السلطة التي لا تحترم القوانين وتقمع مواطنيها وتعاقبهم عقابا جماعيا وتجمع الجميع بدون أدلة ولا تعطي حق المحاكمة العادلة ولا حق الدفاع، من المؤكد أنها ستتغول وستستعمل هذه الحرب للقضاء على الحرية وعلى حقوق الانسان.

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان نددّت بـ"الخطابات التحريضية في وسائل الإعلام المحلية أثناء تغطيتها تداعيات هجوم شارع محمد الخامس"، فما هو تعليقكم على ذلك؟

الرابطة هي حليف معنا في "الائتلاف المدني للدفاع عن حرية التعبير"، ونحن نشتغل معا إلى جانب إتحاد الشغل ونقابة الإعلام ومركز تونس لحرية الصحافة، وعديد المنظمات الأخرى هم شركاء معنا في الإئتلاف المدني لحرية التعبير.

ومثلما لدينا كنقابة انتقادات لبعض وسائل الإعلام ولزملائنا على خلفية الإنتهاكات في حق الجمهور ولأخلاقيات المهنة، فأيضا من حق الرابطة باعتبارها& كانت طوال تاريخها وإلى الآن من أكبر المدافعين عن حرية الإعلام أن تنبه من هذه الإنتهاكات حينما ترى ذلك، فمثلما نحن ندافع عن حرية الصحافي وحرية الإعلام فمن دورنا كذلك أن ندافع عن الجمهور وعن المتلقي وأن لا يكون هناك إنتهاك لحقوق هذا المتلقي ولحقوق الإنسان بشكل عام.

قلتم إن هامش الحرية في تونس غير مسبوق، اذن كيف تفسرون التصنيف الأخير لمنظمة مراسلون بلا حدود لتونس بأنها في المرتبة 126 عالميا في مجال حرية الصحافة؟

رغم أن منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى جانب منظمة "المادة 19" هما من بين شركائنا الذين نعمل معهم إلا أنّنا لدينا بعض التحفظات على هذا التصنيف، لأن مراسلون بلا حدود تعتمد على وجود قوانين للصحافة والإنتهاكات في حق الصحافيين في تصنيفها للدول في حرية الصحافة، وبالنسبة لنا ما زال الكثير يجب فعله من أجل ترسيخ مبدأ حرية الصحافة في البلد وهذا المبدأ مازال لم يرسخ بعد رغم أنّنا الأفضل في المنطقة ونعتبر المثال الجيد، ولكن نقول دائما إنّ هذه الحرية مهددة والخوف من التراجع ممكن دائما ويجب أن نكون متيقظين وأن نحقق ضمانات قانونية لحرية الصحافة من خلال وضع قوانين تحمي حرية الإعلام وتحمي الصحافيين كما يجب أن يكون هناك التزام حكومي بضمان هذه الحرية وأن يكون هناك دفاع مجتمعي عنها لأن هذه الحرية أهم مكسب في النهاية والمجتمع هو من يحميها.

أخلاقيات المهنة

إلى أين وصلت جهود إحداث "مجلس صحافة" يشرف على الصحافة المكتوبة في تونس أسوة بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري HAICA؟ وإلى متى سيظل قطاع الصحافة المكتوبة والإلكترونية مهمش قانونيا؟

مجلس الصحافة ليس هيئة تعديلية، ففي النماذج الديمقراطية في التعامل مع وسائل الإعلام هناك نموذجان:

إما أن تكون وسائل الإعلام موجهة من الحكومات أي أن تكون هناك وزارة إعلام أو أن تكون موجهة من قبل من رئاسة الجمهورية أو من وزارة الداخلية مثلما كان الأمر في السابق ولهذا كان الحديث عن إعلام حكومي وعن إعلام معارض، وهذا النموذج عادة ما يكون في الأنظمة الإستبدادية وعادة ما يتم السيطرة فيها على الإعلام بالكامل.

صحافيون تونسيون خلال تظاهرة مساندة لزميليهم المختطفين في ليبيا

هناك نماذج في البلدان الديمقراطية يكون فيها الإعلام حرا ومستقلا ولا تتدخل السلطة التنفيذية فيه بل عكس ذلك يكون الاعلام سلطة مضادة وأنا لا أفضّل أن يقال الإعلام سلطة رابعة، ونحن كنقابة نفضل النموذج الموجود في الدول الديمقراطية أي أن يكون هناك هيئات للتعديل مثل HAICA وهي الهيئة التي تعدل&ولكن هناك هيئات للتعديل الذاتي مثل مجلس الصحافة وهو عبارة عن هيئة لأخلاقيات المهنة سواء كان في السمعي البصري أو في الصحافة المكتوبة وهو أيضا يدعم الصحافة المكتوبة والإلكترونية، وهذا المجلس هو الآن في خطواته الأخيرة وفي مراحله النهائية وقد اتفقنا على حلّ جميع الإشكاليات العامة ومن المفروض أن يكون جاهزا في بداية 2016.

ما الجديد في ما يتعلق بقضية الاشهار العمومي، والذي تسبب (بسبب غياب عدالته) في وقوف صدور الكثير من العناوين ؟

الإشهار العمومي مرتبط بمجلس الصحافة لأن مجلس الصحافة ليس لديه سلطة مثل الهايكا ولكن سنعطيه سلطات غير مباشرة من بين سلطاته أنه سيكون المرجعية لتحديد معايير موضوعية مثل الجودة واحترام أخلاقيات المهنة للحصول على الإشهار العمومي، وهو من سيعدّ قائمة في من يستحق الحصول على الإشهار العمومي ومن لا يستحقه، بناء على مدى احترام المعايير الموضوعة.

سفيان ونذير !

ما هو الجديد في ما يتعلق بقضية الصحافيين سفيان الشورابي ونذير القطاري المختطفين في ليبيا؟

منذ الإعلان عن خبر وفاتهم في شهر أفريل/أبريل الماضي وإلى حد الآن قيل كثير من الكلام، حتى أنه تم الحديث عن وصولهم إلى تونس وقد قمنا بتكذيب ذلك الخبر، ولا جديد في هذا الموضوع سلبا ولا إيجابا منذ الإعلان عن خبر وفاتهم الّذي كنا قد كذبناه وقتها، فمنذ الإعلان عن خبر وفاتهما لا جديد عن وجودهما أحياء أو أنهم قتلوا.

لكن الحكومة قالت إنهم أحياء ؟

ليست لدي ثقة في الحكومة في هذا الملف بالذات وأعتقد أن وزير الخارجية لم يعط دليلا على ما قال وأنا لن أصدّقه حتّى يقدّم الأدلّة على أنّ سفيان ونذير على قيد الحياة.

هل نفهم من ذلك أن وزارة الخارجية تتاجر بملف الصحافِييْن التونسيين؟&&

أنا لا أقول تتاجر لأنني لا أحبذ هذه الكلمة ولكن أقول يبدو أنّ وزارة الخارجية يقع التلاعب بها.

من قبل من؟

من قبل بعض اللوبيات التي لها مصلحة في ليبيا، ربما جهات تونسية أو ليبية، رجال أعمال أو غيرهم يحاولون استغلال هذا الملف.

ما موقفكم من استدعاء الصحافي وليد الماجري من قبل قوات الأمن بدعوى أنه "ذي شبهة"؟

كنقابة وطنية للصحافيين، طلبنا من الزميل وليد الماجري عدم الذهاب لأنّ هذه الدعوة فيها خلل شكلي، ونحن من حيث المبدأ دائما ما ننصح الصحافيين ونطلب منهم عدم الإستجابة إلى الدعوات الشفوية غير المكتوبة لأنها غير قانونية شكلا وحتى وإن كانت مكتوبة فيجب تضمين سبب هذه الدعوة وعلى أي أساس قانوني تمت، لهذا لاحظنا أن أكثر من % 90 من الدعوات والإستدعاءات الموجهة إلى الصحافيين من مراكز الأمن فيها خلل شكلي مقصود حيث يتمّ استدعاء الصحافي إما عبر الهاتف أو من خلال دعوة بورقة لا يتم التنصيص فيها على سبب الدعوة وعلى أي أساس قانوني.

لهذه الأسباب نعتبر هذا انتهاكا تقوم به وزارة الداخلية وحكومة السيد الحبيب الصيد وانتهاكا لحرية الصحافة، وقد طلبنا من الحكومة أن تحترم حقوق الصحافيين وحرية الصحافة وأن يكون فعلها مطابقا لأقوالها.

نحن لسنا في بلد ديمقراطي ولكننا في الوقت نفسه نخرج من الاستبداد، وفي هذه المرحلة كل شيء ممكن بما في ذلك الرجوع إلى الإستبداد إذا لم يؤمّن انتقال ديمقراطي حقيقي، ونعتقد أننا في فترة انتقالية حساسة جدا تقاس بحرية الصحافة لأنّه كل ما كانت هناك انتكاسة لحرية الصحافة ستتبعها بالضرورة انتكاسة للمسار الديمقراطي بشكل عام.
&
الاعلام ليس فقط ذلك الفضاء الذي يحتضن النقاش الديمقراطي، الخلاف، التعددية ومشاركة المواطنين في الشأن العام بل هو سلطة مضادة للسلطة التنفيذية لكي تقوم بدورها.