صغيرة في سنها، لكنها مرت في ما لم تمر به فتاة في عمرها. إنها ملالا يوسف زاي التي حاولت طالبان اغتيالها لأنها تريد أن تتعلم.
خاص إيلاف: من قعر العالم الثالث، خرجت سمراء ضئيلة إلى الضوء، وما لبثت أن تحوّلت ملهمة لملايين وملايين من البنات والصبايا في كل أرجاء الأرض. إنها ملالا يوسف زاي التي تحدت حركة "طالبان" في باكستان مصرّة على تعليم الفتيات لأن التعليم نورٌ، ودفعت ثمنًا غاليًا لإصرارها على الحرية والحقوق الطبيعية للإنسان ، لكنها نالت "جائزة نوبل للسلام" تقديرًا لشجاعتها وروحها المناضلة القوية.
لاعنفية
سمحت ملالا، التي كانت بعمر 17 عامًا عند تسلمها الجائزة العام الماضي، بعرض ردائها المضرج بالدماء، والمكون من قميص، وبنطال، وغطاء للرأس، في مركز نوبل للسلام في أوسلو. وهي تقاسمت الجائزة العالمية مناصفة مع الهندي كابلاش سارتيارتي الداعي إلى اعتماد النضال اللاعنفي على طريقة غاندي.&
عبرت ملالا عن سخطها حيال أفعال "طالبان" من خلال تدوينات عرضت فيها انتهاكات هذه الجماعة من دون خوف وبكل شجاعة، فأقلقت عائلتها والمحيطين بها، نالت عن ذلك الجائزة الوطنية الأولى للسلام في باكستان فى عام 2013، كما حصلت على جائزة السلام الدولية للأطفال التي تمنحها مؤسسة "كيدس رايتس الهولندية"، كما نالت أيضًا جائزة آنا بوليتكوفسكايا التى تمنحها منظمة راو أن ور البريطانية.
شباب يحكمون |
&
حاولت "طالبان" اغتيالها فى تشرين الأول (أكتوبر) 2012، وأصيبت إصابة بالغة بطلق ناري في رأسها، لكنها نجت من موت محقق. أمرت دولة الإمارات العربية في ذلك الوقت بعلاجها على نفقتها، وأرسلت طائرة طبية مجهزة لنقلها إلى أحد المستشفيات المختصة في بريطانيا، في حين عرضت سلطات "إسلام أباد" جائزة تزيد على 100 ألف دولار للقبض على الجناة. وقد نال هؤلاء لاحقًا بعد القبض عليهم& أحكامًا بالسجن عشر سنوات.
جوائز ومكافآت
نشطت ملالا فى مجال حقوق المرأة منذ كان عمرها 12 عامًا، وحصلت أولًا على جائزة "رو أن وور"، التي تأسست تكريمًا لذكرى الصحافية الروسية رون أن وور، والتي قتلت عام 2006 من أجل مكافأة النساء اللواتي يدافعن عن حقوق الضحايا في مناطق النزاعات.
ومن الجوائز والمكافآت الدولية التي حصدتها الباكستانية الصغيرة جائزة منظمة العفو الدولية، وذكرت منظمة حقوق الطفل الهولندية "كيدزرايتس" أن ملالا التي كرمت في قاعة الفرسان في البرلمان الهولندي، "خاطرت بحياتها من أجل حصول الفتيات على التعليم في جميع أنحاء العالم".
&
ملالا في البيت الأبيض |
&
وعقب الإعلان عن فوز ملالا بجائزة نوبل لسلام الأطفال بساعات، تلقت تهديدات بالقتل من فصيل منشق عن حركة طالبان. وقال إحسان الله إحسان، المتحدث الرسمي باسم الحركة التي هددت ملالا، في تغريدة على تويتر: "أن دعاية الكفار لا ترهبنا، لقد أعددنا السكاكين الحادة واللامعة لمحاربة أعداء الإسلام. ألا تعلم ملالا التي تتحدث أنها ضد النزاعات المسلحة، أن مؤسس جائزة نوبل ألفرد نوبل كان مخترع متفجرات؟!".
في البيت الأبيض
تصدرت صورة ملالا غلاف مجلة "تايم" الأميركية، جنبًا إلى جنب مع ابنتي الرئيس الأميركي باراك& أوباما، باعتبارهما المراهقتين الأكثر تأثيرًا في العالم، وضمت القائمة أيضًا، المغنية النيوزيلندية لوردي (17عامًا)، الفائزة بجائزة غرامي. وذكرت، تايم، أنها وضعت قائمتها التي تضم 25 مراهقًا، من خلال تحليل متابعيهم في وسائل التواصل الاجتماعي والنجاح التجاري والأهمية الثقافية.
&
وكانت عائلة أوباما استضافت الطفلة الباكستانية ملالا في البيت الأبيض عقب شفائها من الهجوم الناري الذي تعرضت له في تشرين الأول (أكتوبر) 2013. وصدر حينها بيان عن البيت الأبيض ذكر أن أوباما أبدى شكره لملالا، "على عملها الملهم والحماسي من أجل تعليم الفتيات في باكستان"، بينما قالت ميشيل أوباما إن الاستثمار في تعليم الفتيات يعد أفضل ما يمكن أن نقوم به، ليس فقط لبناتنا وحفيداتنا، بل أيضًا& لأسرهن ومجتمعاتهن ودولهن.
&
زعماء يصفقون لملالا |
&
ملالا المحرضة
ملالا عرفها العالم من خلال كتاب ألفته بمشاركة الصحافية البريطانية كريستينا لامب عن مشاعر الرعب التي انتابتها، عندما دخل مسلحان إلى الحافلة التي كانت تقلها يوم 19 تشرين الأول (اكتوبر) 2012، وأطلقا النار على رأسها. حكت فيه عن طالبان وما تقترفه من جرائم بحق المرأة الباكستناية، الأمر الذي جعل السلطات الباكستانية، تحذر المدارس الخاصة من شراء كتابها، "باعتباره محرضأ على باكستان والإسلام".&
ملالا نمت وترعرعت في أسرة تحترم العلم والتعليم، لكنها أسرة منبوذة من محيطها الاجتماعي الذي يؤمن بأن تعليم الفتاة يجب أن يتوقف في سن الثامنة بعد حفظ بعض السور في القرآن الكريم للصلاة.&
وملالا ليست مجرد فتاة فازت بجائزة نوبل للسلام، لكنها حكاية نضال ضد القهر والظلم والحرمان من التعليم وحق الحياة للمرأة الباكستانية، هي رمز لكل امرأة في الدول التي تحيا على وقع رشقات الرصاص، وتعيش مسجونة وسط قضبان النزاعات المسلحة، وتدفع ثمنها.
"سمّاني ملالا"
أما سيرة حياتها فروتها في كتاب بعنوان "سمّاني ملالا"، وما لبث الكتاب أن تحوّل& فيلمًا وثائقيًا بدأ عرضه في دبي يوم 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، وهو من إخراج الأميركي ديفيس غوغنهام. ويجول الوثائقي في ساعة و27 دقيقة في حياة الفتاة الملهِمة للمناضلات في العالم من أجل حقوقهن.
وبعيدًا عمّا يعرفه الناس عن ملالا الناشطة، وما يراه في الإعلام من مقتطفات من الخطابات التي تكلمت فيها عن تجربتها، يحتوي الفيلم الذي صُوّر على مدى 18 شهرًا، على لقطات لحياة عائلية، حيث تعيش مع والديها في مدينة برمنغهام البريطانية، ويراها المشاهد وهي تلعب مع شقيقيها، وتحل واجباتها المدرسية.
في لحظات صادقة، تتحدث الصبية كأي فتاة في عمرها وتجربتها، بعيدًا عن السياسة والدراسة والتعليم، عن إعجابها بلاعب الكريكت الباكستاني شهيد افرادي الذي يجذب انتباهها. وهو معروف في بلادها كرياضي وصاحب تاريخ في العمل الخيري والإنساني.& ورغم هذا التصريح الأنثوي النادر من المراهقة الخجولة، تتدارك الفتاة نفسها قائلة إنها لا تنوي أن تبني نمط الحياة والتفكير الغربي كطريقة تعيش بها، مؤكدةً أنها تنوي العودة من بريطانيا إلى بلادها لتخوض المعترك السياسي وتصبح رئيسة للوزراء.
في الأمم المتحدة
في رمضان الماضي، تحدثت ملالا على منبر الأمم المتحدة في نيويورك، وذكرت الصحافة أن كلماتها تركت أثرًا لا يمحى في العالم ، وهي ذكّرت المسلمين بالرحمة& التي تعدّ من مبادئ الاسلام الأساسيّة وركّزت على خمسة مواضيع تهم المرأة: الشموليّة ونبذ العنف والمغفرة والتربية& والاعتماد على الذات. كما أنها استشهدت& بزعماء عالميين أمثال نيلسون مانديلا ومارتن لوثر كينغ ومحمد علي جناح لتدعو المسلمين لينظروا إلى ابعد من محيطهم ، إلى المبادئ الكونيّة التي تجسدها الانسانيّة، وشددت على أن التغييرات الجذريّة لا تحدث من خلال العنف بل من خلال& اللاعنف،& كما جسده نيلسون مانديلا والأم تيريزا.
&وذكر مراسلون من الأمم المتحدة أن اسم ملالا سيبقى في التاريخ كواحدة ممن& يرون أبعد من حدود الانتقام، ويصلون إلى أعماق القلب لمسامحة اعدائهم. كما تذكر بأهمية المعرفة وفق ما هو وارد في تعاليم القرآن الكريم. وهي كررت ما قالته الباكستانيّة مختار ماي التي تعرّضت للاغتصاب الجماعي، التي تدعو هي أيضًا& إلى تعليم الأطفال وإلى "قتل الأميّة". وأكدت أن الأوان قد آن ليدرك المسلمون أن& الشعب هو ثروتهم الحيوية وليس النفط أو السلاح.
التعليقات