تتميز أفلام داعش الدعائية بوحشيتها وبتميزها التقني، إذ تبدو مصنوعة في هوليوود، بأيدي محترفين، وبتقنيات تصويرية ومونتاجية عالية، ما يطرح تساؤلات عمن يصنع لداعش أفلامه.

القاهرة: بينما يشاهد العالم عمليات ذبح الضحايا الأجانب بيد الإرهابي "جون"، وحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، تتملك الناس من مختلف الجنسيات مشاعر الصدمة والغضب، ومشاعر الدهشة أيضًا من التقنية العالية المستخدمة في عمليات التصوير، إذ تبدو مقاطع الفيديو كأنها أفلام سينمائية عالية الجودة، تشبه أفلام هوليوود.

من يصنعها

مع بث كل مقطع فيديو يتساءل العالم: من يصنع أفلام داعش؟ ما الرسالة التي تريد إيصالها للعالم من خلال نشر عمليات القتل الوحشية بحق الأسرى العزل، سواء بالذبح أو الحرق أو الرجم أو إطلاق الرصاص على الرؤوس؟

الفيديوهات التي يبثها داعش لعملياته العسكرية في مصر أو سوريا أو العراق أثناء قتل الضحايا، ليس من أعمال هواة، بل يقوم بها& محترفون، بسبب التقنيات العالية والجودة وطرق التصوير السينمائي، وهذا يثير الكثير من التساؤلات حول المسؤول عن الجناح الإعلامي للتنظيم الأخطر في العالم حاليًا.

أميركي سوري

اجتهدت بعض الصحف للوصول إلى صانعي أفلام داعش. فقالت صحيفة دايلي ميل البريطانية إن مخرجًا أميركيًا من أصل سوري، ولد في فرنسا، ويدعى محمد أبو سمرا، يبلغ من العمر 32 سنة، هو المسؤول عن إنتاج وإخراج أفلام داعش. أضافت الصحيفة في تقرير لها أن أبو سمرا اتهم من قبل السلطات الأميركية بالإرهاب في 2009، وخصص مكتب التحقيقات الفدرالي مكافأة مالية مقدارها 50 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات عنه أو يعثر عليه.

وأوضحت أن أبو سمرا تلقى تعليمه في مدرسة كاثوليكية، وحصل على دراسات متقدمة في استخدام التكنولوجيات الحديثة والتصوير السينمائي، وألتحق بداعش مشرفًا على البروباغندا الإعلامية للتنظيم.

تأثير بالغ

ونقلت الصحيفة عن الخبير في التصوير، تشارلز ليسني قوله: "إن أيًا من المجموعات المتطرفة لم تستطع أن تصل إلى التأثير الإلكتروني وتوفير عملية إعلامية متطورة مثل ما فعل داعش، الذي يركز على تطبيقات العالم الافتراضي من خلال بث رسائله وأشرطته وصور مقاتليه وعملياته، وهذا الكلام ترجمه داعش على أرض الواقع، إذ يغرق مواقع التواصل الاجتماعي بأفلام الفيديو والصور والتسجيلات الصوتية وتنتج سلسلة من الأفلام الدعائية التي تحتوي عمليات الذبح وقطع الرؤوس، وأبدع هذا التنظيم في اختيار الوسم المستخدم في فايسبوك أو تويتر، كالوسم الشهير "A message from ISIS to us".

خمسة بريطانيين

وقالت صحيفة صنداي تايمز البريطانية إن المسؤولين عن انتاج وتصوير أفلام داعش هم خمسة شبان بريطانيين من أصل برتغالي، إن قائد الجناح الإعلام لداعش هو نيرو سرايفا (28 عامًا)، عاش في لندن غالبية حياته، وأقام مع أربعة شبان آخرين أعتنقوا الإسلام ثم انتقلوا إلى سوريا في 2012، وانضموا إلى داعش.

وساقت الصحيفة دليلًا على مسؤولية سرايفا عن تصوير أفلام داعش، وهي تغريدة له على موقع تويتر في شهر تموز (يوليو) الماضي، قبل 39 يومًا من ذبح الصحافي الأميركي جيمس فولي، كتب فيها: "التنظيم سيصور فيلمًا جديدًا"، وشكر الممثلين فيه.

هواة كرة قدم

ووفقًا للصحيفة، فإن الشباب الخمسة من هواة الكرة، أحدهم ويدعى فابيو بوكاس (22 عامًا) لعب لصالح فريق لشبونة في 2012. وبوكاس تلقى تدريباته في أكاديمية النادي البرتغالي سبورتينغ لشبونة، واعتنق الاسلام وصار اسمه عبد الرحمن الأندلسي. ولفتت إلى انه يعتبر المشاركة في الحرب إلى جانب داعش حربًا مقدسة، ونقلت عنه قوله في تدوينة له على فايسبوك: "الحرب المقدسة هي الحل الوحيد للإنسانية".
وكشفت أن سالسو رودريغز دا كوستا، وهو من الشباب الخمسة، تقدم لاختبارات من اجل الانضمام إلى فريق أرسنال الإنجليزي لكرة القدم.

برؤوس البنادق

هؤلاء هم صناع الافلام الداعشية حسب ما اوردت وسائل الاعلام الاوروبية، لكن ما التقنيات التي يعتمدون عليها؟ وما اهداف التنظيم من وراء بث مشاهد القتل الوحشي؟ يجيب خبراء بالقول إن التنظيم يستخدم تقنيات تصوير عالية الجودة وكاميرات غالية، ويعتمد على تصوير الاحداث بطريقة سينمائية، مستخدماً اكثر من كاميرا.

وقال محمد برهان، المخرج بالتلفزيون المصري، لـ"إيلاف"، إن تنظيم داعش يمتلك تقنيات حديثة تظهر بوضوح جودتها من خلال الافلام والفيديوهات التي يبثها على مواقع الانترنت، مشيرًا إلى أن التنظيم في مصر يستخدم كاميرا "جو برو "المعروفة ويتخطى سعرها 1000 دولار، يثبتها على فوهات الاسلحة الرشاشة والآلية.

ولفت إلى أن عناصر التنظيم استخدموا هذه الكاميرات اثناء تتبعهم ومطاردتهم للجنود وقتلهم خلال عمليات كرم القواديس، التي قتل فيها 31 عسكريًا خلال تشرين الأول (اكتوبر) الماضي.

قدرات اخراجية عالية

وأفاد بأن فيديوهات داعش تحتوى على مشاهد حقيقة يتدخل فيها الجرافيك بقدرات اخراجية عالية، وصلت إلى 90%، ونبّه إلى أن التنظيم يستخدم أربع كاميرات على الأقل في كل عملية توثيقية أو عملية قتل لأحد الضحايا. ولفت إلى أن التصوير يستعين بـ"مايكات" تسمى "نك مايك وايرلس" يصل سعر الواحدة إلى 3 آلاف دولار، مشيرًا إلى أن التصوير يتم بقدرات اخراجية عالية تبدو أنها تتم باشرف مخرج محترف، لاسيما انها تجرى من زوايا مختلفة، وتخضع لعمليات مونتاج باحترافية أيضًا.

ويهدف داعش إلى التأثير نفسيًا في متلقي أفلامه، سواء من مؤيديه أو معارضيه، ويستخدم الحرب النفسية باحترافية عالية. وقال الدكتور خالد خيرت، أستاذ الرأي العام بجامعة اﻷزهر، لـ"إيلاف": "رغم أن ما تقوم به داعش من استخدام لوسائل التواصل الاجتماعي وموقع يوتيوب لنشر أفكارها والفيديوهات الخاصة بها، تعتبر جهودًا فردية، إلا أنها حققت نجاحات كبيرة نفسيًا في مواجهة قوات التحالف الدولي، وجميع المتابعين للحرب على الارهاب".

متفوقة إعلاميًا

واضاف خيرت أن الشباب، لاسيما صغار السن الذين تربوا على أفلام الرعب الأميركية وأفلام الكارتون العنيفة، تستهويهم مقاطع الفيديو التي يبثها داعش، وتؤثر فيهم لصالح التنظيم. وقال: "التنظيم يعتمد استراتيجية خطيرة في الحرب واكتساب اراضٍ جديدة، تعتمد على اثارة الرعب في نفوس أعدائه، مشيرًا إلى أن الدليل على ذلك فرار القوات العراقية وقوات البيشمركة أمام قوات التنظيم واستسلام أهالي المحافظات العراقية والسورية وعدم الثورة ضده، رغم ارتكاب فظائع وجرائم ضد البشرية".

وحسب وجهة الجهادي السابق صبرة القاسمي، التنظيمات الارهابية تفوقت إعلاميًا في استخدام وسائل الإعلام المتاحة لها على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الالكترونية وصفحات فايسبوك وتويتر، التي انتشرت انتشارًا غير طبيعي خلال فترة وجيزة.

من خارج مصر

وقال القاسمي لـ"إيلاف": "بملاحظة فيديوهات داعش وأنصار بيت المقدس ستجدهم يستخدمون تقنيات تفوق هوليوود، فهم يمثلون أفلام أكشن طبيعية ويصدرون تلك المشاهد للناس بمنتهى البساطة، وإصدار أي منتج من الدول المختلفة يخضع للرقابة بدرجات مختلفة، حتى يصل للمشاهد، ولا يمكن السماح بهذه الدماء وعمليات القتل البشعة، منوهًا بأن الأمر يختلف بالنسبة للتنظيمات الإرهابية، فأفلامهم تصدر إلى جميع الناس مجانًا بمجرد الدخول على رابط الفيديو على الانترنت، كما أن أنصار بيت المقدس تبث جميع أفلامهم من خارج الحدود المصرية، وأغلب الظن أنها تبث من اسرائيل أو قطاع غزة أو تركيا أو قطر، وهناك دول متهمة بالسماح بذلك، منها تركيا، قطر، السودان، وأخيرا ليبيا. وكذلك فمعظم عناصر داعش تبث من العراق وسوريا أو من أقرب نقطة لها، وهي تركيا".

ليسوا من العصر الحجري

قال الخبير العسكري اللواء حسين عبد الرازق لـ"إيلاف": "لا يجوز النظر إلى عناصر التنظيمات الارهابية مثل داعش وأنصار بيت المقدس باعتبارهم قادمين من العصر الحجري، أو ما زالوا لا يفقهون شيئًا في أمور التكنولوجيا"، مشيرًا إلى أن هذه الجماعات ينضم لها بعض الشباب من الدول الاوروبية والعربية، وبعضهم أطباء ومهندسون تقنيون وخبراء في الإنترنت، ويتميزون بتلقيهم تعليمًا عالياً والقدرة على التعامل مع الميديا، وتوجيه الخطاب الإعلامي للمجتمعات الغربية، فضلًا عن نجاح داعش فى تكوين أذرع إعلامية، خصوصًا في مجالات الميديا الالكترونية".

ولفت عبد الرازق إلى أن الجماعات الارهابية في المنطقة وباقي دول العالم، أظهرت براعة كبيرة جدًا في استخدام أدوات الاتصال الحديثة من أجل دعم انشطتها، وهو ما يخلق ازدواجية كبيرة لدى هذه الجماعات التي تحارب الحداثة في مفهومها الفكري والانساني والحقوقي، بينما تستخدم تلك التقنية في خدمة مصالحها مثل تجنيد الشباب والانضمام إلى الصفوف.
&