برج حمود:&بعد مرور قرن من الزمن على المجازر التي تعرّض لها الارمن، تعود الذكرى المؤلمة لتمثل في اذهان الاف السوريين الأرمن الهاربين من جحيم النزاع في بلادهم الى لبنان، وكأن التاريخ يعيد نفسه.

تحبس ماغي ملكونيان دموعها، وهي تروي كيف خرجت من منطقة السليمانية في مدينة حلب في شمال سوريا الى لبنان قبل اكثر من عامين. وتقول لوكالة فرانس برس "تماما كما غادر اجدادنا من دون اي شيء. حدث الامر عينه معنا".

تشعر ملكونيان بالامان اليوم في لبنان، إذ تقيم مع ابنتها وصهرها واحفادها في منطقة برج حمود، حيث تعيش غالبية من الارمن (شمال شرق بيروت). اما زوجها فبقي في حلب، بعدما رفض ان يترك خلفه كل شيء، على غرار ما فعل أسلافه من الأرمن، الذين فروا من ديارهم عام 1915. وتقول ملكونيان بصوت متقطع "نعيش اليوم ابادة ثانية، فقدنا منازلنا (...) يموت شعبنا مجددا".

وتبقى وقائع المأساة، التي يمر عليها مئة عام هذا الشهر، محور نزاع بين تركيا وارمينيا. إذ تتهم يريفان والارمن في دول الشتات القوات العثمانية بقتل 1.5 مليون ارمني في اطار حملة تصفية منهجية للقضاء على الشعب الارمني، وذلك في منطقة الاناضول (شرق تركيا اليوم). في المقابل، تؤكد تركيا ان مئات الاف الاتراك والارمن قتلوا في معارك بين القوات العثمانية والروسية للسيطرة على شرق الاناضول خلال الحرب العالمية الاولى.

في برج حمود، تحضر ذكرى المجازر على لسان كل الارمن اللبنانيين منهم والسوريين. وقبل ايام من احياء ذكرى المجازر في 24 نيسان/ابريل، امتلأت الجدران بشعارات ورسومات كتب عليها باللغة الانكليزية "تركيا ، الابادة: مذنبة". كما ارتفعت لافتات وملصقات مذيلة بعبارة "نتذكر ونطالب"، في اشارة الى تكرار مطالبة تركيا كل الدول، بما فيها تركيا، بحصول "ابادة جماعية" بحق الارمن.

وفيما ينشغل ارمن لبنان في الاعداد لنشاطات ومسيرات احياء للذكرى، يعيش العديد من الارمن السوريين اللاجئين الى لبنان فصول المأساة، وكأنها تحدث اليوم بسبب صعوبة ظروفهم ومشاعر الاسى تجاه بلدهم المدمى منذ اربع سنوات.

ويتحدث هؤلاء عن اوجه الشبه بين تجربة اجدادهم والاحداث الاخيرة التي عاشوها في سوريا على غرار استهداف مدينة كسب الارمنية في محافظة اللاذقية (شمال) وتدمير كنيسة ارمنية في دير الزور (شرق) كانت تضم بقايا رفات ضحايا مجزرة 1915. وتقول مارال غيلويان (30 عاما) لفرانس برس "اشعر ان التاريخ يعيد ذاته. نحن مرهقون. لم نقو طيلة هذه السنوات على الشعور بالراحة والاسترخاء".

واختبرت غيلويان تجربة النزوح مرتين. هربت في المرة الاولى مع عائلتها من بغداد عام 2005 نتيجة احداث العنف التي تلت الاجتياح الاميركي، واستقرت في حلب، حيث تعرفت الى زوجها السوري الارمني، ورزقا بثلاثة اولاد. وقد نزحت في المرة الثانية الى لبنان بعد اصابة زوجها في العام الماضي بقذيفة هاون. وتقول "أريد العيش بسلام، لكن لم اعرف الا الحرب".

ونزح اكثر من مليون سوري الى لبنان نتيجة النزاع السوري الذي ادى خلال اربع سنوات الى مقتل اكثر من 220 الف شخص ونزوح نصف سكان سوريا. ويقول عضو حزب الهنشاك الارمني في لبنان الكسن كاشكاريان ان كل السوريين يعانون بفعل النزاع، وليس الارمن وحدهم، لكنه يوضح في الوقت نفسه "بالنسبة الى الأرمن السوريين، انها هجرة قسرية ثانية". ويضيف "انه جرح مزدوج. الالم يتكرر مجددا".

بين الواصلين اخيرا من حلب، عدد من افراد عائلة كاشكاريان. عام 1915، طُرد اجداد ألكسن كاشكاريان من منطقة كيليكيا (تركيا اليوم) واستقروا في لبنان. وخلال الحرب الاهلية في لبنان (1975 - 1990)، لجأت العائلة الى حلب، ولم تعد الى لبنان الا مع بدء النزاع السوري. ويضيف كاشكاريان "يشعر بعض ابناء شعبنا انهم يعيشون هجرة لا تنتهي".

وتشير التقديرات الى نزوح عشرة الاف ارمني سوري الى لبنان. وقصد كثيرون منهم مركز جمعية كاراغوزيان في برج حمود، التي تقدم خدمات طبية، ودروسا في اللغات ومواد اخرى لمن يرغب.

ويوضح موظفون في المركز، وهم من الارمن اللبنانيين، ان عملهم مع الارمن الوافدين من سوريا عزز من رمزية ماساة عام 1915 بالنسبة اليهم. ويشيرون الى انهم يسمعون اليوم قصصا تعيد الى اذهانهم ما سمعوه من اجدادهم عن تجارب عاشوها قبل عشرة عقود.

ويقول مدير المركز سيروب اوهانيان "انه لامر ماساوي مشاهدة تاريخ الارمن يعيد نفسه حتى بعد مئة سنة (...). قبل مئة سنة، بدأوا كل شيء من الصفر بعد تهجيرهم بعدما رحب بهم الشعبان اللبناني والسوري وغيرهم... وكل ما بناه البعض دمر بعد مئة عام".

وتقول العاملة الاجتماعية في المركز كريستين سركيسيان "ليست المعاناة بالدرجة نفسها اليوم، لكن من الصعب عدم الشعور بان التاريخ لا يعيد نفسه"، مضيفة ان ما يجري "يعزز فكرة ان على كل منا ان يكون مستعدا في اي وقت للفرار".