دفع الجدل الذي أثاره الدعم الذي تلقته مؤسسة كلينتون الخيرية من شركة مملوكة من الحكومة المغربية بهذه المؤسسة إلى اتخاذ قرار التوقف عن عقد اجتماعات خارجية، مع الاستمرار في قبول التبرعات شريطة التدقيق في مصادرها جديًا.

إعداد عبد الاله مجيد: بعد أيام على استضافة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون حشدًا من المانحين وشخصيات مرموقة في فعالية باذخة في مراكش المغربية أخيرًا، التقى أربعة من مواطني الصحراء الغربية، أتوا يحتجون على قبول مؤسسة كلينتون الخيرية منحًا بملايين الدولار من شركة تملكها الحكومة المغربية، يدعون أنها تنتهك حقوق شعب الصحراء الغربية.

مال مشبوه

إنها شركة OCP للتعدين، التي تتلقى الكثير من الانتقادات بسبب انتهاكها حقوق الانسان، والتي قال الحبيب صالحي، أحد العاملين السابقين فيها: "كل هذا المال المشبوه الذي جمعوه من عرق جبيننا، ومن انتهاك حقوقنا، ذهب لرشوة مؤسسة كلينتون والمجتمع الدولي"، بحسب صحيفة "واشنطن إكزامينير".&

كان الرجال الأربعة يعملون في مناجم تابعة لهذه الشركة التي تعنى باستخراج الفوسفات، والتي تبرعت بأكثر من مليون دولار لتمويل ندوة اقامتها مبادرة كلينتون العالمية في مراكش، واجتماع مؤسسة بيل وهيلاري وتشيلسي كلينتون الخيرية، أقيما في الأصل للتعريف بجهود المؤسسة لتحسين حياة المهمشين في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

وافتتح الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون الفعالية مشيدًا بالشركة وبالعاهل المغربي الملك محمد السادس وبصداقة المغرب العريقة مع عائلة كلينتون والولايات المتحدة، على حد تعبيره. وكيف لا يشيد بهذه الصداقة، والملك محمد السادس قدّم له ولكريمته شيلسي قصره ليسكنا فيه طيلة إقامتهما في المغرب. كما بلغت قيمة تبرعاته لمؤسسة آل كلينتون نصف مليون دولار، رغم أن واشنطن إكزامينير تقول إن التبرع لم يصل إلى رصيد الشركة.

اعتقال إعتباطي

إلا أن OCP تبرعت لآل كلينتون وأعمالهم الخيرية 6 ملايين دولار. وتقول مجلة "بوليتيكو" الأميركية إن عمّال المناجم الصحراويين الأربعة يزعمون أن الشركة هذه أجبرتهم على التقاعد باكرًا، وخفضت معاشاتهم التقاعدية، وتركتهم في وضع مادي بالغ الصعوبة، في الوقت الذي تعيّن مغاربة من خارج الصحراء الغربية في وظائف رفيعة المستوى، وتنقدهم رواتب مغرية.

ونقلت بوليتيكو عن العمال الأربعة قولهم: "كنّا شهودًا على حالات متعددة من الاعتقال الاعتباطي والمديد والاعتداءات الجسدية والشفهية". وتتهم وزارة الخارجية الاميركية السلطات المغربية بارتكابها انتهاكات ضد مواطني الصحراء الغربية الذين يطالبون باستقلال بلادهم.

وبحسب بوليتيكو، قال محمد الحويمد، احد العمال الأربعة: "باعت هيلاري كلينتون نفسها حين قبلت بهذا المال، ونحن الآن قلقون من أنها ستتخذ جانب المغاربة أكثر من ذي قبل، إذا فازت برئاسة الولايات المتحدة".

وقالت "بوليتيكو" إن عمال المناجم والناشطين الحقوقيين الذين قابلتهم في مدينة العيون عززوا الانتقادات المجردة التي تُلاحق حملة آل كلينتون داخل الولايات المتحدة نفسها، في النصف الآخر من الكرة الأرضية.

تعارض في مصالح

تحاول هيلاري كلينتون الرد على القائلين إن عملها حين كانت وزيرة الخارجية تأثر بالتبرعات التي تلقتها مؤسسة العائلة الخيرية، البالغة ارصدتها ملياري دولار، وإن هذه التبرعات يمكن أن تنال من موضوعيتها إذا انتُخبت رئيسة.

وكان بيل وهيلاري كلينتون على السواء اشادا بالملك محمد السادس خلال السنوات الأخيرة، ووصفاه نموذجًا للحاكم العربي المعتدل الذي على الولايات المتحدة أن تقيم شراكة معه. وتبين برقيات دبلوماسية مسربة أن هيلاري كلينتون، خلال توليها وزارة الخارجية، كانت تُعتبر بنظر الرباط من أكثر مؤازريها حماسة في ادارة اوباما، بحسب بوليتيكو.

إلا أن ليس هناك ما يثبت أن كلينتون فصلت مواقفها الرسمية على مقاس المصالح المغربية بسبب علاقاتها الشخصية أو المالية. لكن التداخل بين حقيبتها الدبلوماسية وتمويل الأعمال الخيرية لمؤسسة العائلة يبين كيف يمكن النظر إلى أي تبرعات خارجية لمؤسسة كلينتون من منظار السياسة الخارجية الاميركية، بحسب بوليتيكو.

وهذا يسلط الضوء على السبب الذي قد يدفع البلدين إلى دعم مؤسسة كلينتون الخيرية، وتنقل المجلة عن مصادر مطلعة على عمل المؤسسة من الداخل أن علاقة هيلاري كلينتون بالحكومة المغربية كانت محورية في اجتماع مبادرة كلينتون العالمية في مراكش، وأن المبادرة كانت تدرس خيارات بينها هونغ كونغ وسنغافورة لعقد اجتماعات المؤسسة عندما تحدثت كلينتون التي كانت وقتذاك عضو مجلس ادارتها مع الملك محمد السادس عن الخيار المغربي الذي اصبح الخيار المفضل. كان من المقرر أن تحضر كلينتون بوصفها احد مضيفي اللقاء ولكنها انسحبت مع اقتراب حملتها الرئاسية واستقالت فور إعلان ترشيحها رسميًا.

ليس موقفًا مؤدبًا

مع اقتراب موعد انطلاق الحملة، مضت المؤسسة قدمًا في خططها لعقد الاجتماع في مراكش، بتمويل من مبادرة كلينتون العالمية، رغم الهواجس التي أبداها موظفون في المؤسسة من التداعيات السياسية للارتباط بشركة حكومية لها علاقة باحتلال الصحراء الغربية، واستثمار مورد طبيعي ثمين، يقول بعض المراقبين انه انتهاك للقانون الدولي. وتنقل "بوليتيكو" عن مصدر له دور في التخطيط لعقد الاجتماع في مراكش قوله إن المقاربة التي اتفق عليها موظفو المؤسسة هي "تفادي استخدام عبارة الصحراء الغربية والابتعاد عنها، لأن هذا ليس موقفًا مؤدبًا تجاه المضيفين".&

واصدرت مؤسسة كلينتون بيانًا قالت فيه إنها لا تتخذ موقفًا من نزاع الصحراء الغربية، وأشارت إلى أن القضية لم تكن عاملًا في التخطيط لاجتماع مبادرة كلينتون العالمية أو الاجتماع نفسه. وأكد البيان أن مبادرة كلينتون العالمية ليست منظمة سياسية أو دبلوماسية وهي لا تتخذ مواقف سياسية.

وقال مسؤولون إن المؤسسة لم تقدم تسهيلات لأي مشاريع في الصحراء الغربية وان وضع المنطقة لم يُذكر بالمرة خلال الفعاليات الرسمية في مراكش. وقالت بوليتيكو انها اثارت القضية مع مشارك في اجتماع مبادرة كلينتون العالمية يعمل في المنطقة، ولكنه امتنع عن التعليق، وإن مشاركًا آخر أشار إلى "المحافظات الجنوبية" من المغرب بدلًا من الصحراء الغربية، موضحا أن المرء لا يستخدم هذه الكلمات هنا فهي كلمات قتالية، بحسب بوليتيكو.

معاقبة البنك

إلى ذلك، تورد "واشنطن إكزامينير " معلومة أخرى عن OCP، غير العلاقة التي تشتبك فيها بين آل كلينتون والسلطات المغربية. تقول الصحيفة إن دافعي الضرائب الأميركيين هم من وفّر لهذه الشركة المملوكة من الحكومة المغربية ضمانات قروض قيمتها 92 مليون دولار خلال العام الماضي، حصلت عليها من بنك إكسبورت - إيمبورت، من أجل أن تشتري معدات من شركة هولتيك المرتبطة سياسيًا بالولايات المتحدة. وعبر هذا البنك، تطورت العلاقة بين المغرب وآل كلينتون.

وقال جيمس دايفيس، الناطق الرسمي بلسان فريدوم بارتنيرز، إن دافعي الضرائب الأميركيين يدعمون شركة أجنبية مولت الندوة التي أقامتها& مؤسسة كلينتون الأسبوع الماضي، والبنك وفّر نحو 92 مليون دولار في الدعم لشركة OCP، على نحو يمكّن الشركة من أن تدعم مؤسسة كلينتون بمليون دولار.

وأضاف: "لا عجب أن هيلاري كلينتون تدعم برنامجًا قائمًا على صفقات متبادلة: البنك يدعم الشركة الأجنبية، والشركة الأجنبية تدعم مؤسسة كلينتون، لذا نحث الكونغرس على اتخاذ موقف مبدئي ضد هذا البنك، وليس ضد هيلاري كلينتون".

تقول بوليتيكو: "اتخذت مؤسسة كلينتون قرارها الحازم بالتدقيق أكثر فأكثر في مصادر التبرعات الخارجية التي تصلها، من دون أن تتوقف تمامًا عن تقبّلها. كما قررت المؤسسة التوقف عن عقد اجتماعاتها الدولية، ابتداءً من حزيران (يونيو) المقبل، بما في ذلك إلغاء الاجتماع المقرر في اليونان، كيما تؤثر هذه الأنشطة في حظوظها للفوز بالرئاسة الأميركية".

تجاوزات مالية

وكانت مؤسسة كلينتون الخيرية اعترفت في 26 نيسان (أبريل) الماضي بحصول تجاوزات في الإفصاح عن بعض التبرعات التي تلقتها من جهات أجنبية، وتسديد المستحقات الضريبية عنها، وتعهدت بمعالجة تلك التجاوزات.

وقالت ماورا باتي، المديرة التنفيذية لمؤسسة كلينتون، في بيان نُشر على موقع المؤسسة الالكتروني: "حدثت بعض الأخطاء، تمامًا كما يحدث في أي مؤسسة أخرى بنفس حجم مؤسسة كلينتون الخيرية، وتتم معالجة تلك التجاوزات، كما تم اتخاذ خطوات لضمان عدم وقوع في مثل تلك الأخطاء في المستقبل".

غير أن باتي أكدت دقة إيرادات المؤسسة التي تم الإعلان عنها والتزامها بالشفافية تجاه الهبات والمنح التي تم الحصول عليها من جهات أجنبية.

وجاءت تلك التصريحات بعد جدل حول تلقي المؤسسة تبرعات من ملياردير كندي يعمل في مجال التعدين، تجاوزت 31 مليون دولار، بعدما نجح في إبرام صفقة للحصول على منجم لليورانيوم في كازاخستان في العام 2005 بدعم من الرئيس الأميركي الأسبق حينئذ، ما مكّن إحدى الشركات الروسية من الوصول إلى بعض مناجم اليورانيوم في الولايات المتحدة.

وأثيرت هذه الاتهامات منذ إعلان هيلاري كلينتون عن خوضها انتخابات الرئاسة الأميركية 2017.​