الاتفاق النووي بين طهران والدول الكبرى ربما يساهم في تلطيف الاجواء إلى حد معين، لكن بالنسبة للإيرانيين تبقى الولايات المتحدة هي "الشيطان الأكبر".
&
طهران: يفتح الاتفاق بين ايران والقوى الكبرى أفق اعادة بناء العلاقات بين طهران وواشنطن، لكن العداء التاريخي بينهما قد يقف حائلاً دون ذلك رغم وجود مصالح مشتركة تتمثل اساساً في القضاء على تنظيم "داعش".
ولدى الدولتين الاسباب الكافية لعدم تبادل الثقة، فضلاً عن خلافات عميقة بينهما تجلت في شعار "الموت لامريكا" الذي طالما صدحت به اصوات الايرانيين من الفعاليات العامة الى البرلمان.
&
وبالنسبة للولايات المتحدة، تبقى ازمة الرهائن التي استمرت 444 يومًا بعد اقتحام طلاب ايرانيين للسفارة الاميركية في طهران في العام 1979، مسألة مركزية.
وهزت تلك الازمة ادارة الرئيس الاميركي جيمي كارتر آنذاك، ولا تزال صور الدبلوماسيين الاميركيين معصوبي الاعين عالقة في الاذهان.
&
"وكر الجواسيس"&
وما زال مبنى السفارة الاميركية في طهران يعرف باسم "وكر الجواسيس" بسبب انشطة وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في تلك الحقبة بالتعاون مع حكم الشاه.
ووصل الشاه محمد رضا بهلوي الى الحكم في ايران في العام 1953 اثر انقلاب بدعم اميركي - ايراني للاطاحة بمحمد مصدق، رئيس الحكومة المنتخب ديموقراطياً الذي أمم قطاع الطاقة &باعتبار ان العقود السابقة لم تكن ابدًا لصالح ايران.
&
ولكن الثورة الاسلامية بقيادة آية الله الخميني هي التي اطاحت بالعلاقات بين ايران والولايات المتحدة. والخميني بإنشائه للجمهورية الاسلامية في ايران اوجد شعار "الموت لامريكا"، وهو بصفته المرشد الاعلى الاول للثورة الايرانية كان اول من اطلق على الولايات المتحدة لقب "الشيطان الاكبر".
تغطي لافتات ضخمة تحمل شعارات معادية للولايات المتحدة واجهات المباني الايرانية، وشعار "الموت لامريكا" يصدح عند كل صلاة جمعة في المساجد، الامر الذي يثير شكوكاً في أي علاقات افضل بنظر الكثير من الاميركيين.
&
خامنئي والمصالح الإيرانية
ورغم شكوك كل دولة حيال الاخرى، تجمع اليوم ايران والولايات المتحدة قضية واحدة تتمثل في القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية المنتشر في مناطق واسعة من سوريا والعراق.
ورغم تصريحات المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي ضد الولايات المتحدة، الا انه وافق على اطلاق المحادثات السرية مع الولايات المتحدة في العام 2012 والتي انتقلت الى مرحلة علنية لتبدأ مفاوضات ماراثونية في العام 2013 انتهت الثلاثاء بالتوصل الى اتفاق نهائي بين ايران والقوى الكبرى حول البرنامج النووي الايراني.
&
وطالما اعتبر خامنئي أن مصالح ايران في الشرق الاوسط لا تتلاقى مع مصالح الولايات المتحدة، وخصوصًا في ما يتعلق بدعم طهران لنظام الرئيس السوري بشار الاسد.
كما ان دعم الولايات المتحدة للحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن عمقت الانقسام بين الدولتين.
&
ولكن بنظر مسؤولين ايرانيين، على رأسهم الرئيس حسن روحاني، فإن من شأن الاتفاق النووي ان يساهم في تعزيز العلاقات. كما ان الحكومة الايرانية اكدت انه لن يكون هناك أي قيود على شركات اميركية تريد الاستثمار في ايران.
وفي العراق، اعتبر عمار الحكيم الرئيس السابق للمجلس الاعلى الاسلامي العراقي الاتفاق بمثابة "مفتاح لحل التعقيدات الشائكة التي تعيشها دول المنطقة".
وقبل وقت طويل من اتفاق فيينا، اثبتت الجمهورية الاسلامية عقلانية دبلوماسية في التعاطي مع ازمات من شأنها أن تؤثر على مصالحها القومية. واجرت محادثات مع واشنطن لبحث الحرب على حركة طالبان في افغانستان في خريف العام 2001.
&
الا انه سرعان ما اطيح أي افق للتعاون حين صنف الرئيس الاميركي جورج بوش بعد اشهر عدة ايران بأنها جزء من "محور الشر، الذي يتسلح من اجل تهديد السلام في العالم".
ورغم ذلك ومنذ ذلك الوقت كانت الامال بالتقارب تبرز بين الحين والآخر.
&
وفي العام 2009، التقى نائب وزير الخارجية وقتها وليام بيرنز نظيره الايراني سعيد جليلي على هامش محادثات نووية في جنيف، في اول لقاء رسمي منذ العام 1979.
كما ان المحادثات السرية التي وافق عليها خامنئي برعاية سلطنة عمان في العام 2012 ادت الى المفاوضات العلنية بين ايران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين والمانيا).&
&
أجواء مختلفة
وفي هذا الصدد، قال محلل سياسي في طهران من مؤيدي الاصلاح ان "العلاقات مع الولايات المتحدة تغيّرت وللمرة الاولى منذ العام 1979 نشهد اجواء مختلفة"، مشبهاً اتفاق فيينا النووي بـ"لعبة الدومينو" في اشارة الى انه خطوة اولى تفتح الطريق امام تحسن جدي في العلاقات.
&
وتابع المحلل، الذي طلب عدم كشف اسمه، أن من شأن الاتفاق "ايجاد فرص جديدة للتعاون من بينها ما يتعلق بالتصدي لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق، حيث تعتبر الغارات الاميركية عملاً مكملاً للقتال الميداني للميليشيات الشيعية" ضد الجهاديين.
ونفت الولايات المتحدة أي "تعاون" مع الميليشيات التي تدعمها ايران في العراق، في حين اعتبرت طهران على الدوام ان جهود واشنطن ليست كاملة وقد تأخرت كثيرًا.
&
لذلك، يبرز التوتر مجددًا حتى في القضايا التي تنطوي على مصلحة مشتركة بين الدولتين. والشهر الماضي على سبيل المثال، قالت الولايات المتحدة انها لا تزال تعتبر ايران "دولة راعية للارهاب"، مشيرة الى تدخل ايراني في شؤون دول اقليمية اخرى.
اما ايران فتعتبر الى جانب سوريا و"حزب الله" اللبناني وحركة حماس الفلسطينية في "محور المقاومة" ضد اسرائيل، التي لا تعترف بها طهران حتى الآن.
&