يرى محللان أميركيان استراتيجيان، في تحليل خاص بـ"إيلاف"، أنه بعد انقضاء 15 عامًا المنصوص عنها في اتفاق فيينا، سيجد العالم إيران قوة نووية، ودعوا أميركا إلى تعزيز تعاونها مع دول الخليج، وإبقاء سياسة تحديث الجيش الإيراني تحت المجهر.


جي. ماثيو ماكينيس، جي. باون: لا شك في أن اتفاق فيينا الموقع بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ومعهم ألمانيا وبين إيران، لتسوية ملفها النووي، نقطة تحول في تاريخ الشرق الأوسط والعالم أجمع، إذ تغير الكثير من التوجهات والتحالفات الاقليمية، وتبدل الكثير من المواقع والمحاور.

لمطالعة المقال بالأنجليزية
The New Great Game

وفي سياق تحليل ما بعد هذه النقطة التاريخية من خطوات، يخصّ جي. ماثيو ماكينيس، الزميل المقيم في معهد "اميركان انتربرايز" للأبحاث وكبير الخبراء سابقًا بالشؤون الايرانية في القيادة المركزية الاميركية، والدكتور جي. باون، الزميل ومدير دراسات الشرق الأوسط في مركز المصلحة القومية للأبحاث، يخصان "إيلاف" بقراءة لما بعد اتفاق فيينا.

مكافآت مربحة

دشّن الرئيس الأميركي باراك اوباما عهده في العام 2009 واعدًا بـ"بداية جديدة" مع العالم العربي. وقلة توقعت أن يتمحور هذا الفصل الجديد في السياسة الخارجية الاميركية حول إعفاء ايران من نظام القيود والعقوبات المفروضة عليها منذ عقد.

وبعد توصل مجموعة (5 + 1) وايران إلى اتفاقهم النووي في فيينا، من المتوقع أن تحصد القيادة الايرانية مكافآت كبيرة. فطبقًا للتنازلات بشكلها الحالي، تلتزم طهران بتعليق برنامجها النووي 15 عامًا فقط، مقابل حزمة مكافآت مربحة للغاية: امكانية غير محدودة لدخول اسواق السلاح والصواريخ الدولية في المستقبل، وهبة قيمتها 150 مليار دولار تحصل عليها بمجرد تخفيف العقوبات، وعقود من الاستثمارات الاقتصادية الجديدة. وفي غضون 15 عاما على الأقل، أي عندما تنتهي القيود التي ينص عليها الاتفاق، من المرجح أن يمتلك آية الله خامنئي ترسانة نووية كبيرة.

مشاريع إيران

من المؤكد أن فصلًا جديدًا بدأ في الشرق الأوسط. وخلص البعض من انصار هذه الحقبة الجديدة وأعلاهم صوتًا إلى نتيجة لطالما رغبوا في التوصل إليها، مؤداها أن انفتاحًا جديدًا بدأ مع المجتمع الدولي، تتصرف فيه طهران تصرفًا مسؤولًا مع جيرانها.

لكن لدى المرشد الأعلى في ايران مشاريع مختلفة، والمرجح أن يسير ورثته المفترضون على خطاه في الموقف وفي السياسات. فقد فوجئ أغلب المراقبين بتعيين المتشدد آية الله محمد يزدي رئيسًا لمجلس الخبراء في انتخابات خاصة. وسيختار المجلس المرشد الأعلى المقبل في ايران، وكان كثيرون يتوقعون أن تعزز الانتخابات موقع المعتدلين. وإذ يرفض خامنئي التعاون مع المجتمع الدولي بأي شروط غير شروطه هو، فإنه لا يعتبر هذا الاتفاق انفتاحًا بقدر ما يعتبره تأكيدًا لسلوك ايران التوسعي المغامر المدفوع ايديولوجيًا. والأرجح أن شركاء ايران ووكلاءها وميليشياتها، من صنعاء إلى دمشق، ينتظرون حصتهم المتوقعة من المكاسب، مالًا وسلاحًا.

تكريسًا لا تغييراً

بدأت لعبة خامنئي الاقليمية الكبرى الجديدة، وعلى الولايات المتحدة ودول الخليج الحليفة لها أن تكون مستعدة. فجهود إيران لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" في العراق، ودعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، تستنزف مواردها المالية. لكن لدى قيادة الحرس الثوري الايراني من المال ما يكفي للاستمرار طويلًا في النهج الحالي، كما أن مزيدًا من الموارد ستتوفر قريبًا لتوسيعه. ولم يتورع خامنئي عن الضغط على المملكة العربية السعودية من خلال دعم الحوثيين في اليمن، واثارة الفتنة في البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية، ومحاولة تقويض الأمن في المملكة الاردنية، بعدما أحكمت ايران قبضتها على العراق وسوريا ولبنان.&

على واشنطن ألا تغفل لعبة طهران بعيدة المدى في غمرة النشوة باتفاق فيينا. فإيران لا تريد شراكة، بل تسعى منهجيًا إلى إنهاء الوجود الاميركي في الخليج وفي المنطقة، وتعمل بنشاط لعزل حلفاء اميركا في المنطقة، لأن طهران تفضل الهيمنة على التعاون. وما زال الرئيس حسن روحاني ابن الجمهورية الاسلامية وابن نظامها السياسي الثوري، وبالتالي يسعى إلى إبقاء النظام في السلطة، لا إصلاحه ليكون نسخة ايرانية من دينغ شياوبنغ أو ميخائيل غورباتشوف. وسيكون تخفيف العقوبات وتدفق الاستثمارات الجديدة في ما بعد تكريسًا لسياسة خامنئي الحالية، وليس تعبيرًا عن سياسة جديدة.

تطوير القدرات الخليحية

على الولايات المتحدة أن تغتنم هذه الفرصة لدعم دول الخليج في بناء قدراتها، ولتطوير التكامل في ما بينها، ولاستخدام منظوماتها العسكرية وأسلحتها، ولمساعدتها على إعداد استراتيجية وأفكار عملياتية أشد فاعلية.

كما على الولايات المتحدة أن تساعد مجلس التعاون الخليجي على تطوير قدراته لمكافحة الارهاب، وتعزيز قدرات قواته الخاصة بما يضاهي شبكة ايران من الوكلاء والشركاء في المنطقة. وتستطيع الولايات المتحدة، في الحالة المثلى، أن تحقق تكاملًا أفضل بين القدرات الدفاعية الجوية والصاروخية لدول الخليج.

وخلافًا لذلك، يتعين على واشنطن أن تعمل مع تحالف مؤلف من الدول الراغبة (على غرار ما تشير اليه العمليات الجوية الأخيرة في اليمن وضد داعش) بدلًا من المشاركة الاقليمية الكاملة، كخطوة أولى نحو اقامة قيادة عسكرية مشتركة.&

تحت المراقبة

كما يجب على واشنطن أن تضع نصب عينيها موقعها هي في المنطقة، وتواصل التحلي باليقظة في مراقبة تحديث مقدرات الجيش الايراني، بحيث يمكن أن يهدد العمليات البحرية والجوية الاميركية، وحرية الملاحة في مضيق هرمز ومياه الخليج.

فحتى إذا استمر الحظر على بيع السلاح إلى ايران فترة من الزمن، فإنها ستمتلك موارد جديدة كبيرة لانتاج صواريخ باليستية وصواريخ كروز وغواصات وألغام، وغير ذلك من القدرات، من دون الحاجة إلى الشراء من الأسواق العالمية.

وتحد هذه القدرات من قدرة الولايات المتحدة على تأمين منطقة الخليج، ويمكن أن تُبقي الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة مكشوفة للعربدة الايرانية.&

سيتطلب قطع الطريق على نجاح ايران في هذه اللعبة الكبرى قيادة وتعاونًا بين واشنطن وحلفائها في الخليج. فحبر الاتفاق لم يجف بعد، وما يخدم مصالحنا على المدى البعيد أن نغتنم الفرصة للعمل معًا.