اعتنقت لورا كينز، حفيدة تشارلز داروين، صاحب نظرية النشوء والارتقاء، الديانة الكاثوليكية، ما شكل مفاجأة لجميع المحيطين بها، إلا أن كينز تبدو مقتنعة تماما بخطوتها، وأكدت أنها اتخذتها بعد الكثير من القراءة والتفكير.
&
لندن: أقبلت لورا كينز على اعتناق الديانة الكاثوليكية بإيمان عميق، منتهكة كل القواعد التي وضعها جدها الأعظم تشارلز داروين في نظرية النشوء والإرتقاء.
وإلى جانب نسبها العريق الذي يشمل عمها قبل ثلاثة أجيال، الاقتصادي الشهير جون مينارد كينز، فإن لورا تحمل شهادة دكتوراه بالفلسفة من جامعة اوكسفورد. &
ولكن صحيفة كاثوليك هيرالد نقلت في حزيران (يونيو) الماضي، نبأ مثيرا مفاده أن حفيدة داروين صاحبة المؤهلات العلمية الرفيعة، أصبحت مدافعة عنيدة عن الكاثوليكية، وانضمت إلى منظمة "اصوات كاثوليكية" في بريطانيا.&
&
عائلتها
وحين سُئلت كينز، كيف وجدت طريقها إلى الكنيسة الكاثوليكية كشفت ان والدتها اعتنقت الكاثوليكية بعد فترة وجيزة على مولدها وعمَّدتها في كنيسة كاثوليكية ولكن والدتها تراجعت عن ديانتها الكاثوليكية حين كانت ابنتها في سن الثانية عشرة وفي هذه المرحلة انتهى تكوينها الديني. &
وأوضحت لورا كينز انها تعرضت إلى تأثيرات مغايرة من جهة والدها سليل عائلتي دارون وكينز، وهي تأثيرات عقلانية، علمانية، انسانية بقوة. ونقلت صحيفة ناشينال كاثوليك ريجستر، عن كينز قولها "ان والدي عالم أعصاب أكاديمي وأنا استوعبتُ النظرة القائلة إن كل الظواهر هي نتاج العقل المادي، وانحدرتُ تدريجيا إلى اللاأدرية". &
&
هدف في شباك الملحدين
وكانت عودة كينز إلى الديانة الكاثوليكية التي عُمدت في كنيستها مفاجأة، وهدفاً في شباك "الملحدين" الجدد في بريطانيا. وتتذكر كينز ان "المناظرة حول الله" احتدمت عندما كانت تدرس لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة اوكسفورد، بعد موجة الأعمال التي نشرها كتاب مثل العالم البيولوجي ريتشارد دوكينز.&
وقالت كينز انها كانت تتوقع الانتقال من اللاأدرية إلى الإلحاد، ولكنها بعد قراءة وجهتي النظر في ذلك السجال حول الله وجدت أن هناك حجة قوية لصالح الدين. &وفي ما يتعلق بالرأي القائل إن المرء يكون صالحاً دونما حاجة إلى الله، قالت كينز "حاولتُ ذلك ولكن لم أصل إلى نتيجة، ففي مرحلة ما تجبرك الحياة على الركوع وما من عمل إرادي يكون كافياً في هذا الموقف، بل الاستسلام وطلب البركة هما الاستجابة الانسانية المنطقية".
&
آلام المسيح
وتروي كينز انها خلال مرض جدتها بالعضال عادت "إلى المسبحة في تلك الساعات الطويلة بجانب سريرها وجرى تذكيري بالقوة العلاجية لآلام المسيح". وفي تلك الفترة، اكتسبت كينز وعياً روحانياً لكنها لم تتخذ خطوة العودة إلى الكنيسة الكاثوليكية قائلة "هذه الخطوة جاءت بعد كثير من التفكير والقراءة". &
&
واشارت كينز إلى أن أحد الأشياء التي جعلتها تنظر بحذر إلى "الالحاد الجديد" هو ذلك "الخليط الغريب من الشعور بالغضب الذي لمسته، الغضب على فكرة الله، الغضب على أي قيود على السلوك، الغضب على الإرادة المحبطة، والاعتزاز بممارسة الارادة، الاعتزاز بالإحساس بالتفوق الفكري، وازدراء كل مَنْ يكشف عن ضعف انساني بالتماسه رحمة الله". واضافت كينز "انه من الضروري ان نتذكر انه حيثما يكون هناك غضب، كثيرا ما يكون هناك ألم، وأنا أرى الكثير من الألم هناك، واعتقد أنه نابع من التشبث بالفكرة القائلة اننا أسياد مقدراتنا، واننا نتمتع باستقلالية". &&
ومن الطبيعي ان يسأل المرء كيف كان رد فعل عائلة كينز وأصدقائها على اعتناقها الكاثوليكية من جديد ـ لا سيما عائلتها ذات التقاليد العلمية والعقلانية العريقة. &
تعترف كينز قائلة "انها كانت مفاجأة للجميع تقريباً لأن عملية الإعتناق لم تكن شيئاً كنتُ أُصرح به علناً ولكني لم أكن أخفيها". &
&
موقف العائلة
وتحدثت كينز عن عائلتها قائلة "انها انكليزية حتى النخاع، فنحن لا نعبر عن عواطفنا، وقطعاً لا نعيش خبرات روحية شخصية بحدة، لذا لم يذع الخبر حتى يوم تأكيد ديانتي الجديدة بمراسم دعوتُ اليها والدي، وحينذاك أصبح واضحاً لهم أن هذه لم تكن روحانية شخصية مبهمة بل إني انتميتُ إلى دين منظَّم". &
وتتذكر كينز أول وجبة اجتمعت العائلة حولها بعد اعتناقها الكاثوليكية، حين أعلن احدهم "سمعتُ انك أصبحت مسيحية". وتقول "ان المسيحية كانت تصبغ كل كياني بلونها في نظرهم، تحددني بالكامل... فأنا لم أصبح أصولية ولكن هذه هي الخانة التي وضعوني فيها". &
وتابعت كينز واصفة موقف افراد العائلة من اعتناقها الديانة الكاثوليكية بالقول انهم "إما لم يتمكنوا من التسليم به وما أن يروني حتى يشرعوا في سوق آراء ضد المسيحية، دون سبب موجب، في حين ان كل ما أريده هو تناول الغداء بهدوء، أو انهم يبدون محرَجين إذا أدى سؤال إلى أي ذكر لديانتي، ولكنهم لن يتوقفوا للسؤال بل يكتفون بالقول "أوه" ثم يواصلون كأنهم في حيرة تامة أو غير مبالين بالمرة. &وكان من المحزن أن أرى البلبلة والمسافة الحذرة في أعين بعض أفراد العائلة لدى أي ذكر لديانتي".
&
نظرية داروين
وعن نظرية جدها الأكبر في النشوء والارتقاء تقول كينز "ان الملحدين يفضلون اليقين ويستخدمون نظرية دارون للقول بما لا يقبل اللبس ان الله غير موجود مبالغين في توظيف داروين في محاجَّتهم بطريقة داروين نفسه ما كان ليشعر بالارتياح اليها. &فهو كان يعتقد ان اللاأدرية موقف أكثر تماسكاً حين قال "أشعر بكل عمق ان الموضوع نفسه عميق على الفكر البشري". وإذ لاذ بالشك، فانه ترك للآخرين الاحتكام إلى ضميرهم. فهو انطلق لاتِّباع الأدلة، إلى حيث كانت تقود وليس لتهديم المسيحية. ولم يكن من المحتم ان تقود الأدلة إلى المادية، ولكن لأسباب ثقافية مختلفة هذا هو ما قادت اليه: إلى المادية وثقافة الموت. وهذه هي المعركة الحقيقية: &ثقافة الحياة مدعومة بالمسيحية، في مواجهة ثقافة الموت مدعومة بالمادية".&
&
&كينز ترد
وتدرك لورا كينز التي درست الفلسفة في واحدة من أرقى جامعات العالم الرأي القائل باستمرار ان الايمان بالله ايمان غير عقلاني. وتقول في هذا الشأن "ان الادعاء بأن الايمان بالله لا يقبله العقل، يضفي قيمة عالية على العقل، لذا سيكون ردي، اولا بالتأكيد على اننا جميعا نشترك بهذه القيمة، وحين تكون لدينا قيمة مشتركة يكون لدينا أساس للنقاش. ثم أطلب من صاحب الإدعاء ان يفكر في المفارقة المتمثلة في ان رفض الايمان بالله على انه غير عقلاني، ولا يقبله العقل، قد يكون هو نفسه رفضاً معادياً للفكر، وبالتالي يضعف العقل نفسه كقيمة، لأن هذا الإدعاء يمثل خطرا على ممارسة الفلسفة، واللاهوت بوصفهما فرعين أكاديميين. فإن مسألة البرهنة على وجود الله بالمحاجَّة العقلانية شغلت الفلاسفة واللاهوتيين طيلة قرون. &وسأطلب من صاحب الادعاء ان يفسر كيف ان غلق هذا النقاش يخدم قضية العقل، هكذا سأرد برفق ولكني إذ نفد صبري سأقول لهم "اذهبوا واقرأوا توماس الإكويني"".&
&
&