تصاعدت حدة الخلاف بين مصر وقطر، لاسيما في أعقاب إطلاق وزير الخارجية القطري، خالد العطية، تصريحات أعرب فيها عن استعداد بلاده للوساطة بين السلطة في مصر وجماعة الإخوان المسلمين، من أجل المصالحة. ورفضت مصر رسمياً العرض القطري، بينما قال خبراء ودبلوماسيون أن قطر لا تدرك حجم الأزمة بين السلطة والإخوان، معتبرين أن الحديث عن المصالحة مرفوض شعبياً ورسمياً.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: نكأت تصريحات وزير الخارجية القطري خالد العطية، حول استعداد بلاده للوساطة بين الإخوان والسلطة، من أجل المصالحة في مصر، الجروح بين البلدين، لاسيما في ظل تجميد مبادرة الصلح التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الراحل عبد الله بن عبد العزيز.

رسمياً، رفضت الحكومة المصرية العرض القطري، واصفة تصريحات وزير الخارجية خالد العطية، بأنها "غير مقبولة".

وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية، المستشار أحمد أبوزيد، إن مصر ترفض جميع أشكال التدخل الخارجي في شؤونها، وقال إن تلك التصريحات "غير مقبولة، وتفتئت على أحكام القضاء المصري وقرارات الحكومة المصرية، وإقرار جموع الشعب المصري بأن تنظيم الإخوان إرهابي، ليس هناك مجال للتفاوض أو القبول بوساطة خارجية للحوار معه".

وقال وزير الخارجية القطر ى، خالد العطية، إن "علاقة قطر بالقاهرة طبيعية على عكس ما يروجه الإعلام المصري"، مشيرا إلى أن الدوحة تقف دائما بجانب الشعوب العربية.

وأضاف فى حوار مع قناة "التليفزيون العربي"، أن "العلاقة مع مصر طبيعية، لكن ‏هناك اختلافاً فى وجهات النظر، بسبب وجود خلاف سياسي مع نظام السيسي، بسبب ما اعتبره "اقصاء عنصر ‏سياسي في البلاد"، ولفت إلى أن ذلك يقف حائلا دون سير مصر على الطريق الصحيح نحو التقدم.

وأعرب عن أمله أن "يكون الحوار شاملا فى مصر ولا يستثني أي طرف"، مشيراً إلى أن "قطر على تواصل دائم مع جميع الأطراف، ومستعدة دائماً للقيام بجهود ‏وساطة إذا طُلب منها ذلك، لكنها لا تستطيع ‏التدخل فى الشؤون الداخلية".

وتابع: "قطر ستكون مستعدة دائماً لمساعدة الأشقاء العرب، إذا كان ذلك سيساعد فى تقريب وجهات ‏النظر، وليست لدينا مبادرة فى مصر، لكن لو طُلب من قطر أن تكون وسيطاً فى كل ما من شأنه أن يكون فيه خير للأمة سنقوم به".

وحول طبيعية العلاقة بين قطر وجماعة الإخوان المسلمين فى مصر، قال العطية إن "قطر على علاقة مع جميع الأطراف التى لديها ‏رؤية وطنية"، مستطرداً: "لا نستطيع أن نقاطع جماعة الإخوان، ولم نعتبرها يوماً جماعة إرهابية، ولا نشجع ‏على اعتبارها كذلك"، وأضاف: "نحن هنا فى قطر نعترف بالجماعة وندعمهم بصفتهم جماعة لها تاريخ، ونرفض توصيفهم بوصف إرهابية".

شعبياً ودبلوماسياً، قال خبراء ودبلوماسيون إن تصريحات وزير الخارجية القطري، ورد الفعل المصري، يؤكدان أن الأزمة بين البلدين مازالت قائمة.

وقال نبيل نعيم، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، إن تصريحات وزير الخارجية القطري تؤشر على أن قطر ليست على دراية بما يجري في مصر، مشيراً إلى أن جماعة الإخوان تمارس العنف والإرهاب بحق المصريين، ولم يعد هناك أي سبيل للمصالحة معها، لاسيما أنها أوغلت في دماء الشعب المصري.

وأشار إلى أن قطر تقف ضد الشعب في مصر، وتدعم جماعة الإخوان، وتصفها ب"الفصيل السياسي"، رغم أنها لم تقدم للأمة العربية إلا كل الشر.

ودعا الحكومة القطرية إلى ضرورة إعادة قراءة المشهد المصري بشكل واقعي وجيد، حتى يمكن أن تتخذ قرارات ومواقف سياسية صحيحة.

ووفقاً للسفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، فإن العلاقات بين قطر ومصر متوترة، على العكس مما قاله وزير الخارجية القطري، مشيراً إلى أن قطر لم تحترم مبادرة العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ولم تكف عن دعم جماعة الإخوان أو التحريض ضد مصر.

وأضاف لـ"إيلاف" أن تصريحات العطية ليست موجهة إلى النظام في مصر، بل موجهة إلى الإخوان، منوهاً بأن قطر مازالت تعيش في عزلة بعيداً عن محيطها العربي، ولا تشعر بأن جماعة الإخوان هي السبب الأساسي في حالة الفوضى والعنف التي تعاني منها دول المنطقة، لاسيما أن جميع التنظيمات الإرهابية خرجت من عباءتها، وأنها تمارس العنف والإرهاب علانية في مصر حالياً، لا لشيء إلا من أجل عقاب الشعب المصري على ثورته ضدها، وتدخل الجيش لعزل الرئيس السابق محمد مرسي، استجابة لثورة 30 يونيو/ حزيران 2013.

وتوترت العلاقات بين مصر وقطر في أعقاب تدخل الجيش للإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013، استجابة لثورة شعبية شارك فيها ملايين المصريين لمدة ثلاثة أيام عرفت باسم ثورة 30 يونيو، ورفضت قطر الإعتراف بالتغيير السياسي في مصر، واعتبرته "إنقلابا عسكريا".

وردت مصر بحسب سفيرها من الدوحة بتاريخ 6 يناير/ كانون الثاني 2014.

وسحبت الدوحة سفيرها من القاهرة بتاريخ 19 فبراير/ شباط 2014، واستمرت العلاقات بين البلدين في التدهور، حتى الآن، رغم تبني العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، مبادرة للصلح بينهما.

ووفقاً للسفير مصطفى عبد العزيز، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون العربية، فإن تصريحات وزير الخارجية القطري، نكأت الخلافات بين البلدين، مشيراً إلى أن الجرح بين القاهرة والدوحة مازال عميقاً ولم يندمل بعد، بسبب الممارسات القطرية المرفوضة من مصر، ولاسيما الدعم السياسي والمادي المتواصل لجماعة الإخوان المسلمين، فضلاً على اتخاذ مواقف مخالفة للإجماع العربي.

ولفت إلى أن الدعم القطري للإخوان يشكل نقطة الخلاف الأساسية التي قصمت ظهر العلاقات بين البلدين، وخفضتها إلى مستوى "القائم بالأعمال"، وساهمت في توترها.

ونبه إلى أن حديث العطية عن المصالحة لا يعدو كونه حديث للإستهلاك الإعلامي، ويخاطب به التيار الإسلامي في مصر، وليس الشعب المصري، مشيراً إلى أن المصالحة مع الإخوان بعيدة جداً، لاسيما أن الأمر بيد القضاء والشعب المصري.

وأوضح أن القضاء أصدر أحكاماً بالإعدام والسجن المؤبد بحق قيادات وأنصار الجماعة، وصادر ممتلكاتها وأموالها وصنفها تنظيماً إرهابياً، وأما الشعب فهو يعاني من ويلات العنف يومياً، ويرفض التصالح مع الجماعة، ويرفض وساطة قطر، أو حديثها في تلك القضية، لاسيما أنها طرف غير محايد.

وصنفت الحكومة المصرية في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2013 جماعة الإخوان المسلمين " تنظيماً إرهابياً"، بعد حادث تفجير مديرية أمن الدقهلية بالمنصورة والذي أودى بحياة 16 شخصا وإصابة العشرات، وصدرت أحكام بمصادرة أموال الجماعة وقياداتها، وانشأت الحكومة لجنة لإدارة تلك الأموال.

وصدرت أحكام بإعدام المئات منهم، على رأسهم الرئيس السابق محمد مرسي، والمرشد العام محمد بديع، ونائبه رجل الجماعة القوي خيرت الشاطر، ونفذت الحكومة الإعدام بحق أحد أعضائها المتهم وهو محمود رمضان، المتهم بإلقاء الأطفال من أعلى بناية بالإسكندرية.