توقع مسؤول روسي رفيع ألا تتمكن دول أوبك من تحمل هبوط سعر النفط الى ما لا نهاية وقد تُجبر على التخلي عن محاولة الحفاظ على حصتها من السوق في غضون أشهر. ويرى محللون أن روسيا تناور للتفاوض مع السعودية على خفض الانتاج.
إعداد عبد الاله مجيد: قال اركادي دفوركوفيتش نائب رئيس الوزراء الروسي لشؤون الطاقة أن دول منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" تعاني الآثار المرتدة لمحاولتها طرد المنتجين المنافسين من السوق بإغراق السوق العالمية بفائض من الإنتاج النفطي.
وأكد دفوركوفيتش في تصريح لصحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية انه لا يعتقد ان دول أوبك "حقا تريد العيش مع هبوط اسعار النفط فترة طويلة ومن المرجح ان تغير سياستها في وقت ما". واضاف "انها يمكن ان تصمد بضعة اشهر أو عامين".
وكانت المملكة العربية السعودية أوضحت انها لن تخفض إنتاجها لدعم اسعار النفط ما لم تشترك الدول النفطية غير الأعضاء في اوبك في تحمل الأعباء المترتبة على ذلك. ويعني هذا من حيث الأساس روسيا بوصفها أكبر منتج للنفط في العالم.
&
إنحراف يهز نظام الأسد
ويقول محللون ان لدى السعوديين والروس اسبابا قوية للتعاون في سياسة الطاقة. وتلقى العاهل السعودي الملك سلمان دعوة لزيارة موسكو في وقت يتعمق الانفراج في العلاقات بين البلدين.
وفي حين ان بوتين يعمل على زيادة الوجود العسكري الروسي في سوريا فانه هز النظام السوري بتأييده التوصل الى شكل من اشكال "تقاسم السلطة" في مؤشر الى ان ايام بشار الأسد قد تكون معدودة.
غزل روسي
وقال دفوركوفيتش مسؤول الشؤون الاقتصادية واستراتيجية الطاقة في الحكومة الروسية إن روسيا تجري محادثات مستمرة مع اوبك للتوصل الى ما سماها "سياسة أكثر عقلانية" ولكنه لم يذهب الى حد القول ان الكرملين يريد الخروج من الطريق المسدود بالتوصل الى اتفاق مع الرياض.
ومضى دفوركوفيتش الذي كان يتحدث على هامش منتدى "امبروسيتي" المنعقد على ضفاف بحيرة كومو شمالي ايطاليا قائلا "إن مشاوراتنا لا تعني بصورة مباشرة اننا سنرى عملا منسقا، ربما "نعم"، وربما "لا"، والأرجح "لا" فنحن نرسل اشارات الى بعضنا البعض".
&
مناورة تفاوضية
وتذهب روسيا الى انها لا تستطيع خفض الانتاج بسهولة كما تستطيع السعودية بسبب الأحوال الجوية القاسية في سيبريا وهو ادعاء ترفضه اوبك بوصفه مناورة تفاوضية. كما لا يستطيع الكرملين ان يأمر آبار النفط بخفض الانتاج دون ان يفضح ادعاءه بأن مالكي هذه الآبار شركات حقيقية مسؤولة امام المساهمين ولكن هناك طرق غير مباشرة للتوصل الى النتيجة نفسها.
ويعتبر ايغور سيتشين رئيس شركة روسنفت العملاقة الساعد الأيمن للرئيس فلاديمير بوتين منذ ما يربو على 20 عاما. وتملك الحكومة الروسية 70 في المئة من الشركة. ونقلت " الديلي تلغراف" عن مصدر في اوبك قوله "إذا أراد بوتين التخفيض فانه بالطبع يستطيع التخفيض والجميع يعرف ذلك".
وألمح دفوركوفيتش الى ان خفض الانتاج قد يكون قادما. وقال في هذا الشأن "نحن لن نخفض الامدادات بصورة مفتعلة بل ستتصرف شركات النفط بمفردها وهي ستنظر الى قوى السوق وتقرر ما إذا كانت ستزيد الاستثمار أو تخفضه". واضاف "إذا بقيت الأسعار منخفضة فان من طبيعة شركات النفط تثبيت الانتاج أو حتى خفضه. والحكومة لن تقرر ما ينبغي عمله نيابة عن شركات النفط".
وقال الأمين العام السابق لمنظمة اوبك عدنان شهاب الدين ان اوبك في "وضع سيئ" وقد يتعين عليها ان تعيد النظر في استراتيجيتها الحالية. وأعلن في منتدى امبروسيتي "هل تستطيع اوبك حقا ان تتحمل تبعات السياسة التي بدأتها في تشرين الثاني (نوفمبر) بترك السوق هي التي تقرر الأسعار؟".
&
ولاحظ شهاب الدين ان شركات انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة أبدت قدرة لافتة على الاستمرار متمكنة من خفض تكاليف الانتاج من 70 دولارا للبرميل الى قرابة 50 دولارا باستخدام تكنولوجيات جديدة والانتقال الى اعتماد "الحالة المثلى" ذات المردود الأعلى حيث انخفض عدد الآبار بمقدار النصف ولكن الانتاج لم يسجل اي انخفاض عمليا.
وقال شهاب الدين ان اوبك ستتخذ قرارا صعبا بشأن الطريقة الأمثل لتحقيق عائدات قصوى متخلية عن سياستها الحالية إذا لم تكن مجدية. واضاف "ان الحفاظ على حصة اوبك من السوق بأي ثمن ليس ايديولوجيا تتمسك بها المنظمة".
روسيا في أزمة
وتشهد روسيا أزمة عميقة من مظاهرها انكماش الاقتصاد بنسبة 4.6 في المئة خلال العام الماضي وهبوط قيمة الروبل بنسبة 50 في المئة مقابل الدولار. وأخفق تحالف روسيا الاستراتيجي مع الصين في تحقيق اي شيء عدا الأقوال الدافئة.
وإذا تحالفت دول اوبك مع روسيا لتشكيل "اوبك فائقة" غير رسمية فانها ستتحكم بنحو 45 في المئة من سوق النفط. ويرى خبراء نفطيون ان السعودية يمكن ان تدرس التوصل الى تفاهم إذا عرضت روسيا "اتفاق جنتلمان" لخفض انتاجها البالغ 10.7 ملايين برميل في اليوم بواقع 500 الف برميل.
وقد يحدث هذا في نهاية المطاف لأسباب موضوعية. فان الآبار الروسية الرئيسة في غرب سيبريا آبار قديمة تعود الى الفترة السوفيتية وهي تنضب بنسبة 8 الى 11 في المئة سنويا. وتسببت العقوبات بتعطيل أي استثمارات جديدة في القطب الشمالي وحوض ياجينوف للنفط الصخري.
من جهة اخرى ينوه الخبراء بان العربية السعودية ما زالت تملك احتياطا نقديا وفيرا رغم عجز الميزانية الذي بلغ 20 في المئة من اجمالي الناتج المحلي لتغطية الانفاق على الرعاية الاجتماعية وبناء القوات المسلحة.
وتلوح معالم وفاق يقوم على اساس السياسة الواقعية بين العربية السعودية وروسيا ستكون له آثار كبيرة على اسواق النفط والاقتصاد العالمي عموما، بحسب المحللين.
التعليقات