يرى المحللون أن انتخاب اليساري الراديكالي جيريمي كوربين زعيمًا للمعارضة البريطانية السبت سيحدث انقسامًا في صفوف حزب العمال، لكنه سيوفر فرصًا عدة لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون، ولو أنها لن تخلو من بعض المشاكل.


إيلاف - متابعة: يعلن حزب العمال البريطاني السبت نتائج الانتخابات لاختيار زعيمه الجديد ويبدو جيريمي كوربن احد ابرز وجوه& اليسار المتطرف الاوفر حظا في شغل المنصب خلافا لكل التوقعات. واختيار زعيم هو محطة استراتيجية بالنسبة إلى حزب العمال، لانه سيتعين على القائد الجديد النهوض بالحزب، بعد خسارته المدوية في الانتخابات التشريعية في 7 ايار/مايو امام المحافظين بزعامة ديفيد كاميرون.

وسيتعين على خلف ايد ميليباند ايضا ان يقود الحزب حتى الانتخابات التشريعية المقبلة في 2020 حيث سيكون المرشح الطبيعي لمحاولة وضع حد لعشر سنوات من حكم المحافظين. وبعد حملة استمرت اسابيع عدة، انتهى التصويت الخميس، وشارك فيه ما مجمله 610 الاف شخص.

وقال اندرو هاروب الامين العام لمؤسسة فابيان سوسايتي من الوسط اليسار أخيرًا "انه ينجح لانه يمثل الموقف الرافض للسياسة التقليدية، ولان المرشحين الاخرين لم يعرفوا كيف يثيروا شعورا بالحماسة او الامل" لدى الناخبين. ويشير محللون إلى أن كوربين لا يتمتع بفرص كبيرة لتولي رئاسة الحكومة، لأن الأفكار التي يدعو إليها، مثل فرض ضرائب على الأكثر ثراء وإلغاء التسليح النووي وتشريع حشيشة الكيف، لا تلقى أصداء إيجابية في الأوساط السياسية.

ضربة للوسطية
إلا أن فوز كوربين قد يؤدي إلى انقسام حزب العمال، وربما رحيل الوسطيين، الأقرب من الخط الإصلاحي، الذي يدعو إليه توني بلير، والذين لا تروقهم سياسة معارضة التقشف، التي يدعو إليها كوربين، على غرار حزبي سيريزا اليوناني وبوديموس الإسباني.

علقت يونيس غوس، التي سيصدر لها قريبًا كتاب حول إيد ميليباند، الزعيم السابق للعماليين، الذي خسر في الانتخابات التشريعية في أيار/مايو قائلة: "في حال انتخاب كوربين، سيكتشف سريعًا أن عمله كرئيس للحزب في غاية الصعوبة". وتوقعت غوس أن يواجه كوربين "امتناعات وتحديات وتهديدات بالانشقاق وهجمات عبر وسائل الإعلام بشكل شبه يومي".

تأييد محافظ
هذا السبب وراء ترحيب المحافظين بإمكان وصول "الرفيق كوربين" إلى رئاسة الحزب. حتى إن بعضهم سجلوا أسماءهم كمؤيدين لحزب العمال من أجل التصويت لمصلحته وذلك بعد اقتراح في هذا الصدد أوردته صحيفة "ديلي تلغراف"، وهي من بين الصحف الأكثر انتشارًا وتأييدًا للمحافظين.

لم تتدخل أوساط الأعمال البريطانية المحسوبة على المحافظين في النقاش السياسي، واكتفت بالتحذير من بعض مقترحات كوربين، مثل فرض سقف على الأجور المرتفعة جدًا وإعادة تأميم بعض& الصناعات. ووقع قرابة 55 خبيرًا اقتصاديًا رسالة نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز" في أيلول/سبتمبر للتنديد بالمشاريع "الخطيرة" لكوربين، لكن 40 آخرين وقعوا رسالة تأييد له.

عرقلة سياسية
واعتبر أيان بيغ الأستاذ في معهد "لندن سكول أوف إيكونوميكس" أن انتخاب كوربين "لا يثير قلق الأسواق المالية، فهي لا تكترث للأمر، (لأن) فرص فوز حزب العمال بزعامة كوربين (في الانتخابات العامة) في 2020 ضئيلة". وفي الوقت نفسه، يمكن أن يعقد انتخاب كوربين عمل كاميرون على صعيد السياسة الخارجية، خصوصًا في ما يتعلق بسوريا وبالاتحاد الأوروبي.

ومنذ خسارة ميليباند، لا يتمتع كاميرون سوى بغالبية ضئيلة في مجلس العموم. وإذا تخلف عدد قليل من نواب معسكره، فلن يكون قادرًا على جمع التأييد الكافي لشن ضربات ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، كما يريد خصوصًا إذا كان على رأس حزب العمال ناشط يدعو إلى السلام.

منبر التأميم
وردد كوربن مساء الخميس في اللقاء الاخير ضمن حملته الانتخابية في شمال ايلنغتون (شمال لندن) معقله الذي يمثله في مجلس النواب منذ العام 1983، شعاراته امام حشد مؤيد له. وقال كوربن "نحن نغير السياسة في بريطانيا، ونتحدى الفكرة القائمة على ان المسائل الفردية وحدها هي المهمة، ونقول في المقابل ان المصلحة المشتركة هي مطلبنا". ومع ان كوربن لم يحصل على تاييد غيره من النواب، الا انه كسب قاعدة الحزب والنقابات، من خلال دعوته الى الانتقال الى اليسار، عبر مقترحات مثل اعادة تاميم السكك الحديد والطاقة وفرض رقابة على الايجارات.

وقال جيمس (24 عاما) خلال تجمع في ايلنغتون "من النادر رؤية سياسي يثير هذا القدر من الحماسة، ويمنح الناس مثل هذه الطاقة بعيدا عن الاعيب السياسة، حيث يشكل تبادل الاهانات وسيلة لكسب النقاط. هنا نتكلم فعلا في السياسة. لقد قاد جيريمي حملة مليئة بالامل، الامل في& التغيير". الا ان شعبية كوربن المتزايدة ترافقت مع عداوات حتى داخل معسكره، اذ يعتبر كثيرون ان فوزه سيؤدي الى انقسام الحزب، وسيحد بشكل كبير من فرصه في الفوز في الانتخابات التشريعية في 2020. وعلق بلير بالقول "لا يمكنكم الفوز من خلال اعتماد برنامج على يسار اليسار".

وتعرض كوربن للانتقاد ايضا من قبل اليمين، ولو ان المراقبين يرون ان الحزب العمال بقيادة كوربن سيشكل فرصة ثمينة للمحافظين الذين سيكسبون عندها الوسطيين غير الموافقين على خطه الراديكالي. واعلن كاميرون الجمعة في اشارة الى الحزب، لكن مستهدفا كوربن "خطابه المتطرف يعد فقط بمزيد من& النفقات والاقتراض والضرائب".
واضاف كاميرون "امل الا نجد انفسنا امام معارضة تعيد الى الخلافات التي اعتقدت انه تمت تسويتها في ثمانينات القرن الماضي عندما كان الامر يتعلق بتاميم نصف الصناعات البريطانية والتخلص من اسلحتنا النووية".
&

في خضم تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، أعلن كاميرون هذا الأسبوع أن غارة شنتها طائرة بريطانية بدون طيار أدت إلى مقتل ثلاثة جهاديين، في عملية هي الأولى من نوعها في سوريا، وتنذر بعمليات أخرى. وعلق كوربين بالقول "لست مقتنعًا بأن الغارات على سوريا تعطي نتيجة غير مقتل المدنيين". كما إن انتخاب كوربين يمكن أن يعقد عمل كاميرون، الذي سيبدأ حملة من أجل بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، تحضيرًا للاستفتاء، الذي سينظم في هذا الشأن بحلول نهاية 2017.

فرصة كاميرون
وحزب العمال مؤيد تقليديًا للاتحاد الأوروبي، إلا أن موقف كوربين أقل وضوحًا. وشدد بيغ "لقد ظل غامضًا حول هذه النقطة". ويعتبر كوربين أن أوروبا "تقوّض مصالح العمال".

إلا أن المحللين يرون في نهاية الأمر أن حزب العمال بقيادة كوربين يشكل فرصة لا تضاهى لرئيس الوزراء، الذي يمكنه أن يستغلها لتعزيز صفوف حزبه، من خلال ضم الوسطيين المعارضين للمواقف المتطرفة الجديدة للعماليين. وكتب المعلق المحافظ فريجر نيلسون في صحيفة "تلغراف" الجمعة إن المحافظين "لديهم فرصة ذهبية"، وعلى "كاميرون الاستفادة منها".
&