تراقب تل أبيب عن كثب المنافسة بين بوتين وسليماني في سوريا، فترى التدخل الروسي في مصلحتها لأنه يتم بالتنسيق معها، بينما تطلب ضمانات في شأن التدخل الإيراني، من دون أن ترفضه.

منذ بدأ الكلام عن انتقال جنود وطائرات وقطع مسلحة من روسيا إلى سورية، وعن احتمال تدخل عسكري روسي مباشر في مناطق سورية، وتحديدًا على حدود سوريا المفيدة، بحسب التسمية الدارجة اليوم للمناطق العلوية، التي يمكن أن تكون الملاذ الأخير لبشار الأسد ونظامه إن سقط، صمتت إسرائيل مراقبةً ما سيكون عليه الوضع الجديد على حدودها الشمالية والشرقية.

في مصلحة إسرائيل

إلا أن "معاريف" الاسرائيلية نقلت عن المحلل العسكري الإسرائيلي ألون بن دافيد تأكيده إن إسرائيل لا تريد منع روسيا من التدخل في الميدان السوري، لكنها تنسق معها، كاشفًا بالتالي تنسيقًا بين موسكو وتل أبيب في ما يتعلق بوجود عسكري روسي مباشر في سورية.

أضاف بن دافيد: "تصب مساندة روسيا لنظام الأسد في مصلحة إسرائيل، فروسيا لا تتدخل إلا رأت مصلحة ما لها في الأمر، وهي بكل الأحوال لا تدعي إدارة سياسة أخلاقية للأزمة السورية، بل تعمل بجد على إنشاء بنية تحتية لقاعدة جوية في سوريا، تتناسب مع وجود أكثر من ألف جندي روسي في سوريا، ومعهم عدته القتالية الكاملة، من مقاتلات أنظمة دفاع جوي وقوة بحرية مزودة بالدبابات".

صدام غير مرغوب فيه

وذكر بن دافيد بأن السلاح الروسي متوافر في سورية منذ سنوات طويلة، "وهذا ليس جديدًا، لكن الجديد اليوم هو وجود منظومة سلاح حديثة لن يشغلها السوريون، بل سيشغلها جنود روس، وبينها منظومة دفاع جوي متقدمة، وهذا الأمر لا يستدعي تنسيقا روسيًا مع إسرائيل فحسب، بل أيضًا مع دول التحالف الذي يقاتل تنظيم الدولة الاسلامية، وإلا فكيف تمنع البطاريات الروسية اشتباكًا جويًا غير مرغوب فيه؟، فسلاح الجو السوري يستخدم طائرات ميغ 29 منذ 20 عامًا، ورادارات إسرائيل تعرف هذه الطائرة جيدًا، وتعرف كيف تواجهها وتسقطها، لذا يجب تحديد قواعد تمنع صدامات غير مرغوب فيها بين الطيارين الروس والإسرائيليين".

وقال بن دافيد: "في خلال حرب الاستنزاف عام 1973، قاتل طيارون إسرائيليون ضد الروس، وانتهت المعركة بـ 0:5 في مصلحة إسرائيل، وأي من الطرفين لا يرغب في تكرار هذه الحادثة".

تنافس روسي-إيراني

من ناحية أخرى، قال البرفسور الإسرائيلي إيال زيسر، رئيس دائرة الدراسات الشرقية في جامعة تل أبيب، إن الحرب السورية شهدت تطورات متسارعة في الأسابيع الأخيرة، أثبتت أن قاسم سليماني ربما يكون هو من يحدد مستقبل سوريا.

ونشر زيسر مقالة في صحيفة "إسرائيل اليوم" قال فيها إن لعبة تحريك الخيوط بسوريا بدأت منذ تدخل روسيا الفظ والواضح إلى جانب الأسد، "والآن، مع وصول آلاف المقاتلين الإيرانيين من حرس الثورة للقتال على الأراضي السورية، تكتمل خيوط اللعبة، فرغم أنهم جاءوا لإنقاذ نظام الأسد، فإن هدفهم الفعلي هو تعزيز وجود طهران وحرس الثورة على الأراضي السورية، قريبًا من الحدود الإسرائيلية، في تنافس ميداني مع روسيا التي ترسل قواتها إلى الساحل السوري للدفاع عنه بوجه المعارضة التي تحرز تقدمًا لا يستطيع الجيش السوري إيقافه".

بيد سليماني

وتحدث زيسر عما سماه "خيوط اللعبة"، فقال: "هل تتساءلون كيف ستبدو سورية بعد سنوات قليلة؟ وهل ستبقى تحت سيطرة الأسد أم أبي بكر البغدادي، زعيم داعش، أم حسن نصر الله، زعيم حزب الله؟" ويجيب عن هذه الأسئلة قائلًا: "المؤد أن كل خيوط اللعبة تنتهي بيد رجل واحد هو الجنوال الإيراني الشهير قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، وأتت حوادث الأسابيع الأخيرة لتوضح جليًا أن مستقبل سوريا بيد إيران، وسليماني هو من سيحدد مصير المعركة في سوريا".

أضاف: "التدخل الإيراني والروسي في سوريا لا يضمنان انتصار الأسد، فالانتصار يحتاج إلى عشرات آلاف المقاتلين الإيرانيين، بل أكثر. وقد يحدث هذا، لأن مفتاح البطن قضمة. إلا أن التدخل كما هو حاليًا يضمن صمود الأسد في دمشق وفي الساحل السوري، حتى أنه ليس المسيطر الفعال في هذه المناطق، إنما إيران ووكيلها حزب الله واليوم أتت روسيا. ونرى الإيرانيين يقاتلون في مناطق أساسية في سورية، حتى أنهم فاوضوا المعارضة المسلحة في الزبداني من دون الرجوع إلى الأسد أصلًا".

أين الضمانات

ورد زيسر "الاحتلال" المزدوج الروسي – الإيراني لسورية إلى تردد واشنطن وإلى الاتفاق النووي الذي عقده الغرب مع إيران، والذي ركز على مسألة التهديد النووي بينما تجاهل التهديد الذي يشكله التدخل الإيراني في الشرق الأوسط.

ووفقًا لزيسر، يرى الإيرانيون الاتفاق النووي ضوءًا أخضر لتعزيز تدخلهم في دول المنطقة، "وبعد عقدين من الزمان، ربما يتبين أن الاتفاق النووي اضعف الجناج المتشدد في القيادة الإيرانية، لكن هذا سيكون متأخرا لملايين السوريين".

اضاف: "ليس غريبًا أن يقتنع كثيرون بأن الولايات المتحدة تعرف مسبقًا بالتدخل الإيراني الروسي في سوريا، وتجيزه، أو على الأقل لا تعارضه، كما لا تعارض التدخل الإيراني المتزايد في العراق، لكن التسليم بذلك محظور إسرائيليًا، كما هو محظور السكوت عن وجود 2000 جندي إيراني يسرحون ويمرحون في سورية، فبعد أسبوع سنراهم قد نصبوا صواريخهم، وطيروا طائرات، لذا حقنا نحن الاسرائيليين أن تطلب مباشرةً من روسيا وأميركا، ومواربةً من إيران، ضمانات حول ماهية التواجد الإيراني في سوريا، كأن لا يتجاوزوا خط دمشق، وأن لا يملكوا الصواريخ والطائرات".