شهدت الأمم المتحدة الاثنين مع افتتاح أعمال جمعيتها العامة صدامًا بين فلاديمير بوتين، الذي بات يهيمن على مجرى التطورات المتعلقة بسوريا، وباراك أوباما، الذي يبحث عن استراتيجية حيال هذا البلد، حيث&ألقيا كلمتين في الجمعية العامة قبل لقاء على انفراد.


&

إيلاف - متابعة: دار جدال بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي باراك أوباما حول الأزمة في سوريا أثناء إلقاء كلمتيهما في الأمم المتحدة الاثنين، وتبادلا الاتهامات بشأن النزاع في هذا البلد.

ودعا الرئيس الروسي الى تشكيل "تحالف واسع ضد الارهاب" للتصدي للجهاديين في سوريا والعراق، واعتبر في اول كلمة يلقيها امام الجمعية العامة للامم المتحدة منذ عشرة اعوام، ان رفض التعاون مع الحكومة السورية وجيشها في هذه المعركة سيكون "خطأ كبيرا". وقال بوتين "علينا ان نعالج المشاكل التي تواجهنا جميعا ونؤلف تحالفا واسعا ضد الارهاب".

اما اوباما فقد اعرب عن استعداد واشنطن للعمل مع روسيا وحتى ايران ضد تنظيم الدولة الاسلامية، الا انه انتقد مؤيدي الرئيس السوري بشار الاسد، الذي وصفه بانه "طاغية وقاتل اطفال".& وقال بوتين ان اللوم في تصاعد التطرف العنيف في العراق وليبيا يعود الى التدخل العسكري الاميركي، الذي قال انه اطلق العنان للفوضى في الشرق الاوسط.

والقى اوباما كلمته في الجمعية العامة في الامم المتحدة قبل بوتين، وقبل ساعات من الاجتماع المقرر بين الرئيسين الساعة الخامسة مساء (21,00 تغ)، وهو الاول بينهما منذ اكثر من عامين.& ومد الرئيس الاميركي يده بحذر الى عدوه التقليدي، واقترح العمل معا لانهاء سفك الدماء في سوريا. وقال "الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع كل الدول بما فيها روسيا وايران لحل النزاع".

وتدارك "ولكن ينبغي ان نقر بانه بعد هذا الكم الكبير من المجازر وسفك الدماء، لا يمكن العودة الى الوضع الذي كان قائما قبل الحرب". ولكن الرئيس الاميركي حرص على اظهار معارضته الواضحة لسياسة طهران وموسكو الحالية بتسليح ودعم الاسد.& وقال ان الاسد، وبدلا من العمل ضد التطرف الجهادي، فانه دفع السوريين الى مثل هذه الجماعات، من خلال اعمال، من بينها "اسقاط براميل متفجرة لقتل الاطفال الابرياء".

لكن بوتين رفض هذا الراي، وقال ان تنظيم الدولة الاسلامية انبثق من الفوضى التي خلفتها الاطاحة بصدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا. وقال بوتين انه بعد انتهاء الحرب الباردة ظهر الغرب على انه "مركز الهيمنة الجديدة" في العالم، وتولى بغطرسة حل النزاعات بنفسه من خلال القوة.

واعتبر ان هذه القوة ادت الى "ظهور مناطق فوضى في الشرق الاوسط ينتشر فيها المتطرفون والارهابيون". واضاف ان "عشرات الاف المسلحين يقاتلون تحت راية ما يطلق عليه الدولة الاسلامية الذي يضم في صفوفه جنودا عراقيين سابقين". واكد بوتين ان السياسة الاميركية الحالية بتدريب وتسليح الجماعات المحلية المسلحة لقتال الجهاديين تصب الزيت على النار.

واوضح ان "المعارضة السورية المعتدلة انضمت الى صفوف المتطرفين (...) في البداية يتم تسليحهم وتدريبهم، وبعد ذلك ينشقون، وينضمون الى ما يسمى الدولة الاسلامية".
وفي كلمته لم يشر اوباما تحديدا الى مصير الاسد، وهي القضية الخلافية التي تعوق محاولات انهاء الحرب التي خلفت اكثر من 240 الف قتيل في سوريا منذ اندلاعها في 2011. الا انه اكد ان لا عودة الى الوضع الذي كان قبل الحرب، والذي كان يمسك فيه الاسد بزمام الامور.

واثارت موسكو القلق في واشنطن بتعزيزها وجودها في سوريا ونشرها طائرات وجنودا، ما دفع قادة العالم المترددين الى الاعتراف بان الاسد يمكن ان يبقى في السلطة. ميدانيا، بدأت روسيا باتخاذ خطوات ملموسة بالاتفاق مع العراق وسوريا وايران على العمل معا في بغداد لتبادل المعلومات الاستخباراتية حول تنظيم الدولة الاسلامية.

وتقول القوى الغربية ان جيش الاسد مسؤول عن غالبية عمليات القتل في الحرب، وان حكمه القاسي سمح بانتشار اراء تنظيم الدولة الاسلامية المتشدد. وقال اوباما "عندما يقتل ديكتاتور عشرات الالاف من ابناء شعبه، فان هذا لا يعود شانا داخليا في بلده (..) فذلك يتسبب بمعاناة انسانية بحجم يؤثر علينا جميعا". ولكن تبعثر جهود القوى الغربية في قتال تنظيم الدولة الاسلامية اتاح للدول الحليفة للاسد ان تظهره بمثابة الخيار العملي الوحيد لعودة الاستقرار في البلاد.

فقد قال الرئيس الايراني حسن روحاني في كلمته في الامم المتحدة "اذا اردنا النجاح في محاربة الارهاب، لا يمكننا اضعاف الحكومة في دمشق، والتي يجب ان تكون قادرة على مواصلة القتال". واضاف "اذا اخرجنا الحكومة السورية من المعادلة، فان الارهابيين سيدخلون دمشق (...) وسيسيطرون على البلد بكامله الذي سيتحول الى ملجأ آمن للارهابيين". اما تركيا، جارة سوريا والمنتقدة الشديدة للاسد، فقد صرح رئيس وزرائها احمد داود اوغلو ان بلاده مستعدة للعمل مع جميع الدول بما فيها روسيا من اجل انتقال سياسي في سوريا والحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الاسلامية. لكنه تدارك "في سوريا الجديدة، ينبغي الا يكون هناك مكان ل(الرئيس السوري بشار) الاسد ولداعش"، في اشارة الى تنظيم الدولة الاسلامية.

أرضية مشتركة
وبعدما عزله الغرب على خلفية دوره في النزاع في اوكرانيا، تمكن بوتين بشكل ملفت من الهيمنة على مجرى التطورات والجدال المتصل بسوريا التي تشهد نزاعًا داميًا منذ اربع سنوات ونصف سنة.وفي وقت تعمد روسيا الى تكثيف وجودها العسكري في سوريا، حيث تنشر قوات وطائرات حربية في احد معاقل النظام، اعلن بوتين انه يسعى الى ايجاد "ارضية مشتركة" مع دول المنطقة لمكافحة تنظيم الدولة الاسلامية. ودلالة على امساكها بزمام المبادرة ايضًا، اعلنت موسكو الاثنين عبر نائب وزير خارجيتها ميخائيل بوغدانوف عن اجتماع لمجموعة الاتصال حول سوريا بمشاركة الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وايران وتركيا ومصر.

&

وقال بوغدانوف "سيتم تشكيل اربع مجموعات عمل في جنيف، كما ان لقاء مجموعة الاتصال التي تضم اللاعبين الرئيسيين سيكون في الشهر المقبل، على ما اعتقد بعد انتهاء اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة".

أفعال لا أقوال
واكد البيت الابيض، الذي باغتته الهجمة الدبلوماسية الروسية، انه سيكون من "غير المسؤول" عدم اعطاء فرصة للحوار مع بوتين، داعيًا الى نهج براغماتي مع الكرملين يقوم على تناول كل من الملفات على حدة. وقال بن رودز مستشار اوباما "اننا نراقب الافعال، وليس الاقوال فحسب"، مضيفًا "بالنسبة الى اوكرانيا، نادرًا ما ترجمت الاقوال الى افعال. لكن في الملف النووي الايراني، فإن روسيا وفت بالتزاماتها، ولعبت دورًا بناء". غير ان التعاطي مع هذا الملف سيكون في غاية الدقة بالنسبة الى واشنطن.

واقر مسؤول كبير في وزارة الخارجية الاميركية الاحد "اننا ما زلنا في بداية محاولاتنا لفهم نوايا روسيا في سوريا والعراق، ورؤية ما اذا كان هناك سبيل لايجاد مخرج مفيد" للازمة. وتغتنم موسكو البلبلة في صفوف الغربيين حول مصير الرئيس السوري بشار الاسد، فتؤكد أن دعمه هو الوسيلة الوحيدة لوضع حد لحرب اوقعت اكثر من 240 الف قتيل حتى الآن.

وتطالب الولايات المتحدة منذ سنوات برحيل الرئيس السوري، غير انها لطفت موقفها أخيرًا، اذ اقر وزير الخارجية جون كيري قبل اسبوع بأن الجدول الزمني لخروج الاسد من السلطة قابل للتفاوض. وتقود واشنطن منذ اكثر من سنة ائتلافًا عسكريًا يضم ستين بلدًا اوروبيًا وعربيًا يشن ضربات على مواقع لتنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق.

غير ان هذه الحملة العسكرية لم تمنع التنظيم الجهادي من تعزيز مواقعه، ولم تحد من تدفق المقاتلين الاجانب للانضمام الى صفوفه، حيث بلغ عدد الجهاديين الاجانب الوافدين الى سوريا والعراق ثلاثين الفًا منذ 2011، بحسب ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين في الاستخبارات الاميركية. وتدور تكهنات حول الاجواء التي ستسود اللقاء بين اوباما وبوتين.

خطاب روحاني
وقال جوش ارنست المتحدث باسم الرئيس الاميركي في وقت سابق "لا اتوقع عداء صريحًا، لكن هناك موضوعات جدية يتحتم على الولايات المتحدة وروسيا بحثها"، مؤكدًا ان اوباما "لن يتردد ثانية في طرح مخاوفنا الفعلية حول موقف روسيا في اوكرانيا وفي مواقع أخرى من العالم". ومن المحطات المهمة في هذا اليوم من النشاطات الدبلوماسية المكثفة في نيويورك خطاب الرئيس الايراني حسن روحاني من منبر الامم المتحدة في اول كلمة له منذ توقيع الاتفاق حول برنامج طهران النووي في تموز/يوليو في فيينا.

وابدى روحاني للمرة الاولى، الاحد، استعداد بلاده للقيام بعملية تبادل سجناء مع الولايات المتحدة، مؤكدًا ان ايران ستعمل للافراج عن ثلاثة اميركيين من سجونها، بينهم صحافي في واشنطن بوست، لقاء اطلاق سراح سجناء ايرانيين معتقلين في الولايات المتحدة. ويلقي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ايضا كلمة امام قادة العالم غداة اول ضربة فرنسية على معسكر تدريب لجهاديي تنظيم الدولة الاسلامية قرب دير الزور في شرق سوريا.