سيتوجّه البريطانيون في صيف 2016 الى صناديق الاقتراع في استفتاء على بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي أو انهاء عضويتها فيه. وتشير التقارير الى ان الزعماء الاوروبيين اعدوا خطة لتلبية مطالب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من أجل إبقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي.


عبدالإله مجيد: يبدو ان رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك ورئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل كتبوا سيناريو هزيمتهم بالتنازل امام أغلب مطالب كاميرون ان لم يكن كلها حين تُعقد القمة الاوروبية في 19 شباط/فبراير.

ونقلت مجلة شبيغل عن مسؤولين في مقر الاتحاد الاوروبي في بروكسل قولهم "نريد ان يعود كاميرون الى لندن ظافرا".

وفي برلين قال مسؤول في مكتب المستشارة ان حكومة ميركل ستقدم اقصى ما في وسعها من مساعدة الى لندن.& واضاف ان كل شيء قابل للتفاوض ما لم يكن خيانة تامة للقيم الاوروبية.

والهدف هو توفير سند سياسي يحتاجه كاميرون لاقناع البريطانيين بالتصويت لصالح البقاء في الاتحاد الاوروبي.

ويرى زعماء الاتحادي الاوروبي مثل توسك ويونكر وميركل ان خروج بريطانيا سيناريو كابوسي يجب منعه بأي ثمن. فهو سيهز الاتحاد الاوروبي من أساسه ويمكن ان يطلق تفاعلا متسلسلا لا يبقي من الاتحاد الاوروبي إلا الاسم.&
إذ اعلنت زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبان انها تعتزم اجراء استفتاء مماثل في فرنسا إذا فازت في الانتخابات الرئاسية عام 2017.

ويواجه توسك ويونكر وميركل معركة شاقة. فحتى إذا تمكنوا من إعطاء كاميرون ما يتيح له العودة من قمة شباط/فبراير منتصرا، لا يُعرف ما إذا كان هذا سيكون كافيا لا سيما وان المعارضين لبقاء بريطانيا عضوا في الاتحاد الاوروبي بأي ثمن حققوا شعبية واسعة، وتبين استطلاعات عديدة الآن ان شعبيتهم لا تقل عن شعبية المؤيدين لبقاء بريطانيا عضوا في النادي الاوروبي.&

ومن بين المعارضين الرئيسة الليتوانية داليا غريبوسكايتي التي سُمعت خلال القمة الاوروبية عشية عيد الميلاد وهي تتذمر من كاميرون واصفة مطالبه بأنها "ابتزاز".

حلول ممكنة

بغية الاستجابة الى مطالب كاميرون يتعين تعديل معاهدات الاتحاد الاوروبي.

ولكن تمرير هذه التعديلات يتطلب موافقة الدول الثماني والعشرين الأعضاء كلها.

وستمر سنوات قبل ان تدخل مثل هذه التعديلات& حيز التنفيذ، وكاميرون لا يستطيع الانتظار كل هذا الوقت. فهو يريد التوصل الى اتفاق نهائي مع بروكسل على مطالبه بحلول شهر شباط/فبراير.

وهناك حلول ممكنة يجرى تداولها، منها سابقة القمة الاوروبية عام 1992 باعفاء الدنمارك من تنفيذ السياسة الدفاعية للاتحاد الاوروبي ومن دخول الاتحاد النقدي. ويمكن تطبيق هذا النموذج مرة اخرى على الوضع الحالي.&

واقترح اولاف شولتز رئيس بلدية هامبورغ فكرة ثانية هي عدم شمول مواطني الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي بالمساعدات الاجتماعية البريطانية لمدة عام من اقامتهم في بريطانيا عملا بقرار سابق اتخذته محكمة العدل الاوروبية.

ولكن لا يُعرف ما إذا كانت مثل هذه المناورات ستقنع الناخبين البريطانيين بالبقاء في الاتحاد الاوروبي بل ان الصحافة البريطانية المحافظة بدأت تهاجم كاميرون فور عودته من القمة الاوروبية الأخيرة.

وكتبت صحيفة ذي صن واسعة الانتشار ان كاميرون "طالب عمليا بلا شيء وسيحصل حتى على أقل من لا شيء".&

كما أقرت لجنة الشؤون الدستورية في الاتحاد الاوروبي بأن كاميرون يمكن ان يفقد السيطرة على الموقف.

بريطانيا غنية ومستقلة عن الاتحاد الاوروبي
يهيمن مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي على السجال الدائر في بريطانيا فيما يلاقي مؤيدو البقاء صعوبة في لفت الانتباه الى وجهة نظرهم.

ويسعى القطاع المصرفي ذو النفوذ الواسع الى استثمار الانقسام لصالح أجندته الخاصة، بحسب مجلة شبيغل مشيرة الى انه يحلم بتحويل بريطانيا الى سنغافورة غربية: غنية ومستقلة من حيث الأساس.

وتُمول الحملة المعادية للاتحاد الاوروبي من قادة اعمال وبارونات تمويل لم يكونوا معروفين حتى الآن.&

إذ جمع على سبيل المثال القطب العقاري آرون بانكس لحملته ضد البقاء في الاتحاد الاوروبي ما يكفي من التبرعات لتشغيل 60 موظفا في مركز الحملة واستعان بخبراء اميركيين لدعم حملته.

وجمعت الحملة المؤيدة لخروج بريطانيا عموما أكثر من 320 الف "يعجبني" على فايسبوك و39 الف متابع على تويتر، ويزيد هذا بكثير على ما تمكنت الحملة المؤيدة لبقاء بريطانيا من حشده.

وهكذا فشلت الحملة المؤيدة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي في كسب شعبية لأسباب منها ان الرأي القائل ان البريطانيين يحققون فوائد كبيرة من وجود بلدهم في السوق الاوروبية الموحدة طُرح آلاف المرات ولم يلق تجاوبا كبيرا بين البريطانيين.

يضاف الى ذلك ان نجاحات بريطانيا في الاتحاد الاوروبي قليلة وخاصة في قضايا كبيرة مثل الدفاع والدبلوماسية حيث كان موقف بريطانيا يتناقض مع موقف الاتحاد الاوروبي بصورة متزايدة في السنوات الأخيرة.&

والأكثر من ذلك ان بريطانيا لم تنتدب دبلوماسيين اكفاء ذوي خبرة لتمثيلها في مؤسسات الاتحاد الاوروبي.

امبراطورية منهارة

إزاء هذه الحقائق تزداد الشكوك في فرص الاتفاق الذي تسعى ميركل وتوسك ويونكر الى عقده مع كاميرون.&

وعلى سبيل المثال ان هناك تساؤلات عن سبب عدم تحرك كاميرون لإسكات معارضي الاتحاد الاوروبي في حكومته نفسها.

ونقلت مجلة شبيغل عن عضو في المفوضية الاوروبية قوله "ان حكومة يستطيع أي أحد ان يقول ما يحلو له فيها ليست حكومة".

يضاف الى ذلك ان تقديم تنازلات كثيرة الى بريطانيا يمكن ان يشجع دولا اخرى اعضاء في الاتحاد الاوروبي على الاقتداء بها.

وقال مسؤول في المفوضية الاوروبية انه "إذا اصبحت مارين لوبان رئيسة فرنسا ثم تطالب بقواعد خاصة لفرنسا، كما طالب كاميرون، هل نستسلم لها؟".

واضاف المسؤول "نحن نريد ان ينتصر كاميرون ولكنه يمكن ان يكون انتصارا خطيرا على مستقبل الاتحاد الاوروبي".&

يأمل المؤيدون لخروج بريطانيا ان يختار الناخبون الخروج من الاتحاد الاوروبي بصرف النظر عن الصفقة التي يتوصل اليها كاميرون مع بروكسل في شباط/فبراير.

فهم يرون ان الاتحاد الاوروبي اتحاد مريض تنخره الخلافات حول أزمة اللاجئين وقضايا اخرى، وعاجز عن التوصل الى توافق.

وكتب المؤرخ بريندان سيمز من جامعة كامبردج في مجلة نيو ستيتسمان مقارنا الاتحاد الاوروبي بامبراطوريات منهارة مثل الاتحاد السوفياتي والامبراطورية النمسوية ـ المجرية.

وقال المليونير جيم ميلون الذي يؤيد خروج بريطانيا "ان سفينة منطقة اليورو مثل سفينة تايتانيك، ستغرق عاجلا أم آجلا، والجلوس في زورق نجاة افضل من الغرق معها".