ينزل الشباب التونسي من جديد إلى الشوارع للتظاهر ضدّ البطالة وغياب التنمية والتشغيل. لكن هذه المرة ليس من سيدي بوزيد مهد "الربيع العربي" كما يقال، بل من القصرين. تواجه قوات الشرطة الشباب السلمي بالغاز المُدمع والهراوات، فتتعقد الأمور أكثر وتتوسع رقعة الاحتجاجات التي لم تتمكن اجراءات الحكومة يوم الاربعاء من امتصاص موجة الغضب التي باتت تهدد الاستقرار النسبي في تونس.


إسماعيل دبارة من تونس: التحقت غالبية المدن التونسية بركب الاحتجاجات التي اندلعت في محافظة القصرين قبل أن يمتد لهيبها إلى مدن مجاورة، حتى بلغت العاصمة تونس وأقصى جنوب البلاد.

وقتل شرطي تونسي اثناء اشتباكات بين قوات الأمن ومحتجين يطالبون بالشغل يوم الأربعاء في مدينة القصرين بينما اندلعت تظاهرات في العاصمة وبلدات في أنحاء البلاد.

وقالت وزارة الداخلية التونسية في بلاغ اطلعت "إيلاف" على نسخة منه: "تعلم وزارة الدّاخليّة أنّه إثر مواجهات جدّت أمس 21 جانفي 2016 توفّي حافظ الأمن سفيان بوسلّيمي البالغ من العمر 25 سنة والذي يعمل بفرقة الطّريق العمومي فريانة القصرين".

وأحرقت حشود إطارات للسيارات ورددوا هتاف "شغل.. حرية... كرامة" في رابع يوم من التظاهرات التي اندلعت في القصرين بعد انتحار شاب فشل في الحصول على وظيفة.

وأعادت الوفاة والاحتجاجات ذكريات انتفاضة "الربيع العربي" في تونس عام 2011 التي اندلعت عندما انتحر بائع متجول شاب يسعى إلى رزقه ما اثار موجة غضب أجبرت الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي على الفرار وفجرت احتجاجات في انحاء العالم العربي.

وأطلقت الشرطة سحبا من الغاز المسيل للدموع بعدما حاول محتجون اقتحام قسم للشرطة في القصرين. وسدت إطارات محترقة شوارع فيما اشتبكت الشرطة مع مجموعات من المحتجين، رغم سريان قانون الطوارئ الذي يمنع التظاهرات، ورغم فرض حظر تجوال ليلي في القصرين.

وفي رصد لمراسل "إيلاف" واتصالات هاتفية مع شبان ونشطاء من جهات تونسية مختلفة، بدا أن غالبية المدن التونسية انضمت للاحتجاجات التي بلغت يومها الخامس.

وشهدت مدينة سيدي بوزيد (وسط) اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين.

وشهدت معتمدية سوق الاحد (جنوب) احتجاجات مماثلة، في حين تحركت مدن النفيضة وجبنيانة والقيروان ومدنين كذلك وشهدت بدورها اشتباكات بين الشرطة ومحتجين.

وفي وقت سابق، شملت الاحتجاجات أيضا مدن تالة وفريانة والسبيبة وماجل بلعباس والقيروان وسليانة وسوسة والفحص والعاصمة تونس.

وبرزت دعوات يوم الخميس عبر مواقع التواصل الإجتماعي تحض على مزيد من&التظاهر حتى الاستجابة لمطالب الشباب.

وسعيا لتهدئة الاحتجاجات أعلنت حكومة الرئيس الباجي قائد السبسي يوم الاربعاء إنها ستشغل أكثر من ستة آلاف عاطل من القصرين وستبدأ مشروعات انشائية في المنطقة.

وقال المتحدث باسم الحكومة خالد شوكات "الحكومة ليس لها عصا سحرية لتغير الأوضاع في القصرين ولكن ستبدأ فعلا هذا العام عدة مشاريع هناك سعيا لامتصاص معدلات البطالة المرتفعة."

ورغم أن الانتقال الديمقراطي في تونس كان سلسا وغير عنيف على العكس ما حدث في بلدان مثل ليبيا واليمن وسوريا وحظي بإشادة واسعة مع إقرار دستور جديد وانتخابات حرة إلا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الهشة تمثل أكبر تحد للائتلاف الحاكم في تونس.

وفي 2015 بلغت معدلات البطالة في تونس 15.3 بالمئة في حين كانت 12 بالمئة في 2010. ويشكل أصحاب المؤهلات الجامعية حوالى ثلث العاطلين عن العمل في تونس.

الأحزاب تحض على الرضوخ لمطالب المحتجين

دعت أحزاب تونسية في الحكم والمعارضة إلى الرضوخ سريعا لمطالب المحتجين، تحسبا لتفاقم الأوضاع.

ودعا حزب "آفاق تونس"، عضو الائتلاف الرباعي الحاكم، السلطة التنفيذية إلى اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة الكفيلة بالتسريع في تنفيذ القرارات والبرامج التنموية المبرمجة لجهة القصرين ولبقية الجهات عامة.

كما دعا الحزب، في بيان له رئاسة الحكومة إلى عقد اجتماع مع الأحزاب الفاعلة والمنظمات الوطنية لاتخاذ إجراءات عاجلة لمقاومة الفقر والهشاشة الاجتماعية، خاصة في المناطق الحدودية.

وحذر كافة المكونات السياسية والمدنية من مغبة التوظيف السياسي للاحتجاجات، بإدانتها وشيطنتها أو تأجيجها. كما دعا الجهات الأمنية إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع المواطنين خاصة وأن البلاد تمر بوضع خطير على كافة المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

من جهته، أصدر حزب "حراك تونس الارادة" الذي يتزعمه الرئيس السابق المنصف المرزوقي، بيانا بخصوص "الاحتجاجات التي اندلعت بالقصرين وببعض المناطق الأخرى"، أكد خلاله ضرورة الاتفاق على خطة وطنية للتشغيل تسخر لها كافة امكانيات الدولة بما في ذلك الاملاك المصادرة، واعتبار مكافحة المحسوبية والفساد حاجة ملحة لدور ذلك في توفير مداخيل للتشغيل والحد من الاحتقان والقضاء على اليأس من الدولة.

كما دعا الحزب المعارض، الى عقد مؤتمر وطني للانقاذ، تشارك فيه كل القوى الوطنية، يعيد الأولوية للموضوع الاجتماعي في ظل عجز الائتلاف البرلماني و"حكومته الضعيفة" عن التقدم بالبلاد نحو أفق حل لمشاكلها الأكثر استعجالا.

وأكد حزب "تيار المحبة"، في بيان له عقب اجتماع مكتبه التنفيذي عشية اليوم الاربعاء في العاصمة، على شرعية المطالب الاجتماعية للمحتجين في ولاية القصرين وباقي ولايات الجمهورية وعلى دعمه حق الشباب التونسي في التشغيل والكرامة، داعيا الحكومة إلى ضرورة الاستجابة لهذه المطالب وجعلها من أولوياتها المطلقة.

وأشار إلى أن المكتب التنفيذي للحزب في حالة انعقاد دائم لمواكبة تطورات الحركة الاحتجاجية في البلاد.