مروان شلالا: أجهش أبو كفاح، أحد رجال الإنقاذ السوريين المعروفين باسم "الخوذات البيضاء"، باكيًا وهو ينتشل رضيعة عمرها 30 يومًا من أنقاض أحد الأبنية السكنية في إدلب بعدما قصفته طائرات روسية وأخرى تابعة للنظام السوري. وهذه الطفلة هي الناجية الوحيدة بعدما لقي خمسة من أفراد عائلتها حتفهم. وقد تمكن أبو كفاح من إنقاذ هذه الرضيعة بعد ساعتين من قصف البناء الذي قتل فيه 11 مدنيًا، بينهم 7 أطفال.

وتمكنت الكاميرات من التقاط دموع أبو كفاح الذي قال بعدها إنه تخيّل هذه الرضيعة وكأنها ابنته، فضمها إلى صدره وأسرع إلى سيارة الاسعاف وهو يصيح "يا الله"، إذ كانت مغطاة بالغبار وببعض الكدمات والجروح، وأرسلها إلى أحد المستشفيات القريبة.

وقال: "حين قرّبتها إلى صدري، شعرت بأسى كبير".

المأساة المستمرة

هذه عينة صغيرة جدًا عن المأساة السورية التي تعيشها اليوم المناطق غير الخاضعة لقبضة نظام الأسد، والتي يقصفها الطيران الروسي بعشوائية ومن دون رحمة، مخلفًا الآلاف من القتلى في صفوف المدنيين، وسط صمت عالمي مريب.

واعتبر ستيفن أوبريان، مدير العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة، الخميس أن الوضع في حلب "أخطر كارثة إنسانية تشهدها سورية حتى الآن". وقال أمام مجلس الأمن إن النظام الصحي في القسم الشرقي المحاصر من المدينة "على وشك الانهيار بشكل كامل، وإن الأطفال هم الأكثر تأثرًا بهذه الأزمة، فحلب تشهد شحًا في المعدات الطبية والغذاء والماء، والنظام قصف شبكات المياه شرق حلب ويستبعد المعدات الطبية من قوافل المساعدات الغذائية".

وتتواصل الغارات الجوية الروسية على حلب، وقد سقط برميلان متفجران على الأقل على أكبر مستشفى في مناطق تسيطر عليها المعارضة من المدينة، بحسب إدارة المستشفى. وقال أدهم سحلول من الجمعية الطبية الأميركية السورية لوكالة الصحافة الفرنسية إن برميلين متفجرين أصابا مستشفى M10 وإن هناك تقارير عن سقوط قنابل عنقودية عليه.

وقال ريك برينان، مدير إدارة الطوارئ والاستجابة الإنسانية في منظمة الصحة العالمية، الجمعة إن المعارك في شرق حلب المحاصر أسفرت عن مقتل 338 شخصًا في الأسابيع القليلة الماضية، بينهم 106 أطفال، وإصابة 846 بينهم 261 طفلًا.

وأضاف خلال إفادة للأمم المتحدة في جنيف: "نطلب أربعة أشياء: أوقفوا القتل، وأوقفوا الهجمات على الرعاية الصحية، واسمحوا بخروج المرضى والمصابين، واسمحوا بدخول المساعدات".

دموع أبو كفاح التي تختصر الألم السوري كله

نوبل البديلة

في خضم هذه المجزرة السورية، يبقى فريق المسعفين والمنقذين في الدفاع المدني، المعروف باسم "الخوذات البيضاء"، هو النور الأبيض الباقي في ظلام سورية المضرج بدماء أبنائها. وأعلنت مؤسسة "رايت لايفليهود" السويدية فوز هذا الفريق بجائزتها "نوبل البديلة"، بفضل نشاط الفريق الشجاع والناجح في مساعدة الناس وإنقاذهم، مهما تعرض أفراده للخطر، بحسب أولي فون أوكسكول، المدير التنفيذي للمؤسسة، الذي أكد أن فوز الفريق ليس مردودًا إلى التزامه وشجاعته فحسب، بل أيضًا إلى كفاءته ونجاحه في تقديم مساعدة حقيقية على الأرض.

أضاف فون أوكسكول: "يأتي هؤلاء بعد سقوط القنابل، فينتشلون الناس من تحت أنقاض المنازل المقصوفة، لأن كثيرين يبقون أحياء تحت هذه المنازل. وينطوي عملهم على خطر كبير، لأن الطائرات كثيرًا ما تعود وتقصف المبنى ذاته مرة أخرى".

وكان مشاهير أميركيون أطلقوا حملة عالمية طالبوا فيها بإعطاء جائزة "نوبل" للسلام لفريق "الخوذات البيضاء" الذي ينشط منذ عام 2013 في إنقاذ المدنيين في مناطق المعارضة السورية التي تتعرض لقصف مستمر من طيران النظام السوري وحلفائه الروس، بأسلحة محرمة دوليًا. ويضم هذا الفريق نحو 3000 متطوع لا يملكون خبرة سابقة في الإنقاذ والإسعاف.