بيروت: غادر مئات المدنيين والمقاتلين شرق حلب الخميس في اطار عملية اجلاء متواصلة الى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في ريف المدينة الغربي، ما يمهد لبسط الجيش السوري سيطرته على المدينة بعد اكثر من اربع سنوات من المعارك الدامية.

بارك الرئيس السوري بشار الاسد للسوريين بـ"تحرير" مدينة حلب، في حين حذر مبعوث الامم المتحدة الى سوريا ستافان دي ميستورا الخميس من ان مدينة ادلب السورية التي سيلجأ اليها مقاتلون واسرهم بعد ان يتم اجلاؤهم من حلب، يخشى ان تكون "حلب المقبلة".

وتواجه الفصائل المعارضة التي طمحت الى الاطاحة بنظام الاسد، احتمال الهزيمة الكاملة في سوريا بعد خسارتها حلب، المدينة التي شهدت شوارعها تظاهرات ضخمة في العام 2011 ضد النظام قبل ان تتحول الى جبهة قسمت العاصمة الاقتصادية السابقة لسوريا الى جزأين، واحد تحت سيطرة النظام في الغرب وآخر تحت سيطرة المعارضة في الشرق.

وبدأت عملية الاجلاء صباح الخميس بتجمع آلاف المدنيين والمقاتلين في منطقة العامرية في شرق حلب، لتخرج الدفعة الاولى قرابة الساعة الثانية والنصف ظهرا (12,30 ت غ)، وتلحق بها دفعتان اخريان. 

واعلنت مديرة بعثة اللجنة الدولية للصليب الاحمر الدولي ماريان غاسر في بيان مساء الخميس ان "عملية الاجلاء في مدينة حلب قد تحتاج الى ايام عدة للانتهاء". 

واشارت الى ان اول دفعتين تضمنتا "حوالى ثلاثة آلاف مدني واكثر من 40 جريحا، بينهم اطفال"، لافتة الى ان "200 جريح ومريض لا يزالون ينتظرون اجلاءهم".

واوضحت المتحدثة باسم الصليب الاحمر الدولي في سوريا انجي صدقي ان الدفعة الثالثة وصلت ايضا مساء الثلاثاء الى ريف حلب الغربي، من دون ان تحدد عدد الاشخاص الذين وصلوا.

ونقل مراسل فرانس برس في بلدة خان العسل في الريف الغربي حيث يجري استقبال المغادرين مشاهدته لمقاتلين في عداد الدفعة الاولى، فيما اكد مصدر عسكري انها اشتملت على 951 شخصا بينهم اكثر من 200 مسلح.

واكد مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن ان "القوافل الثلاثة نقلت مقاتلين بالاضافة الى المدنيين والجرحى".

وخلال استقبال الدفعة الاولى، نقل مراسل فرانس برس في خان العسل مشاهدته لكثيرين يرددون "عائدون" من دون ان يتوقفوا عن البكاء. وبدا كثيرون ايضا متلهفين للحصول على المياه والبسكويت من المنظمات الانسانية في المكان، بعد حصار قاس عانوا منه في الاحياء الشرقية في حلب.

وقالت غاسر ان المشهد في العامرية "كان يحطم القلوب".

واضافت "الناس يواجهون خيارات مستحيلة. تستطيع ان ترى الحزن في اعينهم".

وتأتي هذه العملية في اطار اتفاق تم التوصل اليه برعاية تركية روسية لاجلاء مقاتلي المعارضة ومدنيين من آخر المناطق التي تسيطر عليها الفصائل في شرق حلب، اثر هجوم واسع لقوات النظام السوري ضد الاحياء الشرقية استمر شهرا.

وينص الاتفاق، بحسب مصدر قريب من دمشق، على ان يتم في المقابل إجلاء جرحى ومرضى من بلدتي الفوعة وكفريا اللتين يحاصرهما مقاتلو المعارضة.

وقال الرئيس السوري بشار الاسد الخميس في شريط مصور قصير نشرته صفحة رئاسة الجمهورية السورية على موقع "فيسبوك"، "أريد ان اؤكد ان ما يحصل اليوم هو كتابة التاريخ، يكتبه كل مواطن سوري".

واضاف "الشعب الحلبي بصموده، الشعب السوري بشجاعته وتضحيته وكل مواطن سوري وقف مع حلب ووقف مع بلده ووقف مع وطنه ووقف مع الحق. هذا بحد ذاته تاريخ يرسم الآن اكبر من كلمة مبروك".

حلب المقبلة

ستتيح مغادرة الفصائل المعارضة لمدينة حلب للجيش السوري بسط سيطرته بالكامل على المدينة في انتصار يعد الاكبر له منذ بدء النزاع في سوريا قبل نحو ست سنوات. 

وبخسارتها الاحياء الشرقية في حلب، باتت الفصائل تسيطر فقط على حفنة من المناطق اهمها محافظة ادلب، التي تحولت الى أكبر معاقل المعارضة في البلاد، وعادة ما يتوجه اليها المقاتلون الذين تم اجلاؤهم من مناطق سيطرتهم اثر اتفاقات مع الحكومة السورية.

وحذر وزير الخارجية الأميركي جون كيري الخميس من أن عشرات آلاف المدنيين السوريين الذين ما زالوا عالقين في حلب، ينبغي ألا يتعرضوا لمجزرة مماثلة لتلك التي حصلت في سربرينيتسا، خلال حرب البوسنة في العام 1995.

وقال الموفد الاممي ستافان دي ميستورا في مؤتمر صحافي في باريس الخميس "اذا لم يكن هناك اتفاق سياسي ووقف لاطلاق النار، فان ادلب ستصبح حلب المقبلة"، مشيرا الى اولوية نشر موظفين من الامم المتحدة للاشراف على عملية الاجلاء من حلب.

واعلن دي ميستورا ووزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت ان نحو خمسين الف شخص معظمهم مدنيون لا يزالون محاصرين في شرق حلب.

من جهتها، قدرت تركيا الذين قد تشملهم عملية الاجلاء من حلب بما بين ثمانين الفا ومئة الف.

وعانى السكان في آخر جيب انحصر فيه وجود مقاتلي المعارضة في حلب خلال الفترة الاخيرة ظروفا مأسوية، ما اثار مخاوف المجتمع الدولي، خصوصا بعد ابداء الامم المتحدة خشيتها من تقارير وصفتها بالموثوقة تتهم قوات النظام بقتل عشرات المدنيين بشكل اعتباطي، بينهم نساء واطفال.

واعلنت بريطانيا الخميس انها "استدعت" سفيري روسيا وايران للتعبير عن "قلقه العميق" حيال الوضع في حلب، وذلك بعد تصريح وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون ان بلاده لا ترى "مستقبلا للرئيس الاسد" في سوريا. 

في نيويورك، يعقد مجلس الامن الدولي اجتماعا عاجلا الجمعة بطلب من فرنسا لبحث الوضع الانساني في حلب، بحسب دبلوماسيين.