كشفت السلطة القضائية العراقية عن استيلاء مزورين على عقارات مواطنين مهاجرين بالتواطؤ مع موظفي إدارات عقارية، مؤكدة إحالة المتهمين إلى محاكم الجنايات وسط دعوات لوزارة العدل لاتخاذ إجراءات أشد صارمة ضدهم ومنع أي شخص عدا المالك بالاطلاع على أوليات العقارات وسجلاتها.

لندن: أكد تقرير للسلطة القضائية وجود حالات تلاعب بقيود العقارات انتقلت بموجبها إلى أشخاص آخرين بالتزوير في جرائم تتم بتواطؤ موظفي دائرة التسجيل العقاري، موضحاً أن أغلب الضحايا مقيمون خارج البلاد.

وقال المركز الإعلامي للسلطة القضائية في التقرير الذي اطلعت على نصه "إيلاف"، إن ثبوت واقعة التزوير يؤدي إلى إحالة المتهمين على محكمة التحقيق ومن ثم محكمة الجنايات على أن يقرّر القضاء إعادة العقار إلى مالكه الأصلي حتى وان انتقل إلى أكثر من شخص.

وقال القاضي استبرق حمادي إن "المحاكم سجلت الكثير من دعاوى إبطال قيد العقار، ومفادها أن شخصاً يدعي بأن عقاره انتقلت ملكيته أو سجل باسم شخص آخر". وأشار إلى أنّ "هذه العملية جرت دون أن يقوم المالك الاصلي بالبيع، أو يوكل شخصاً آخر، ولم يحضر إلى دائرة التسجيل العقاري، أي انه يدعي بوقوع التزوير ويطلب إبطال قيد العقار وإعادته إليه". لكن التقرير لم يذكر عدد العقارات التي استولى عليها المزورون.

تحقيقات لخبراء الادلة الجنائية

وعن إجراءات المحكمة، أوضح حمادي "عند إقامة الدعوى نطلب صورة طبق الأصل لإضبارة العقار وآخر صورة قيد والتصرفات الجارية عليه". وتابع "كما نطلب من المدعي أن يقدم مقاييس أخرى، كأي سندات تحمل توقيعه او بصمته في فترة سابقة او على الأقل معاصرة وقريبة لعملية البيع"، عازيًا ذلك إلى "ان المالك الأصلي قد يكون بعدها قد باع وقام بتغيير توقيعه"، مشيرًا إلى أنّ "المحكمة أيضا تطلب خبراء من مديرية الأدلة الجنائية للتحقق من واقعة التزوير".

وغالبًا ما تبدأ المحكمة بثلاثة خبراء، وان لم يقتنع الطرفان بالإمكان طلب خمسة خبراء أو سبعة حتى يتحقق الإقناع، كما يقول حمادي.

إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات

وأشار القاضي إلى أنّه "عند ثبوت واقعة التزوير يحال المتهم ومن تعاون معه إلى محكمة التحقيق ومن ثم إلى محكمة الجنايات عن جريمة التزوير".. لافتًا إلى أن "محكمة البداءة تستأخر الدعوى البدائية لحين حسم الدعوى الجزائية وصدور قرار بها ليتم الاستناد اليه عند نظر الدعوى البدائية ". وأوضح أن "المحكمة تصدر بعدها قرارًا بإبطال قيد العقار وجميع القيود اللاحقة وإعادته إلى مالكه الأصلي حتى وان انتقل إلى أكثر من شخص".

وكشف عن طرق عديدة للتزوير "منها انتحال صفة المالك الأصلي بقيام شخص من خلال الاطلاع على إضبارة العقار، والتي توجد فيها مستمسكات صاحب العقار ورقم العقار"، مبينًا أن "هذه الطريقة لا تتم إلا بالتعاون مع احد موظفي دائرة التسجيل العقاري". وزاد "يقوم المزور بتصوير المستمسكات، واستصدار أخرى جديدة (بدل ضائع) باسم مالك العقار الأصلي ثم يقوم بفتح بيان بدائرة التسجيل العقاري وبيعه إلى شخص آخر".

واستكمل حمادي أن "هناك طريقة تزوير أخرى تتم عبر قيام شخص بتزوير وكالة عامة مطلقة أو خاصة بالعقار من خلال قيام الشخص المنتحل صفة المالك الأصلي بالتزوير بإعطاء وكالة عامة لشخص آخر ليقوم بالبيع بموجب هذه الوكالة". وافاد بأن "المزورين يستهدفون العقارات التي غالبا ما يكون أصحابها مقيمين خارج العراق مما يسهل عملية التزوير وانتقالها بأسمائهم، وبالتالي بيعها إلى عدة أشخاص".

الحق في إقامة دعوى لاسترجاع العقار

من جانبه، قال القاضي جبار جمعة اللامي تعليقاً على الموضوع أن "للشخص الذي انتقل عقاره إلى آخر بالتزوير الحق بإقامة الدعوى أمام محكمة البداءة يطلب فيها إبطال قيد العقار وجميع القيود اللاحقة وإعادته إليه".

ودعا اللامي إلى "إقامة دعوى أمام محكمة التحقيق أولاً عند وقوع التزوير على من قام بالتزوير والمتعاونين معه حتى يستند الى قرار الحكم الجزائي أثناء نظر الدعوى البدائية ". وأوضح قائلا
إن "اغلب المدعين يقيمون الدعوى أمام محكمة البداءة ولا يحال المدعى عليه إلى محكمة التحقيق الا بطلب من المدعي على ان يجد قرائن تثبت صحة ادعائه"، فيما أشار إلى أنّ "المحكمة تلزم المدعي بتقديم كفالة شخصية او نقدية ضماناً لحق الطرف الآخر".

وفي حال انتقال العقار إلى عدة أشخاص حسني النية لا يعلمون بالتزوير وقد يقسم العقار او يتوفى المشترون ويصار إلى ورثتهم، يقول اللامي أنه "في هذه الحالة تبطل جميع القيود اللاحقة لعملية التزوير ويرجع العقار إلى مالكه الأصلي".

وأضاف ان "جميع الأشخاص يجب أن يمثلوا في الدعوى إلى جانب المدعى عليه، كمدعى عليهم وان كل شخص من هؤلاء له الحق بإقامة دعوى على من اشترى منه العقار يطلب فيها إعادة البدل". وزاد "قد يكون الضرر كبيرًا بالنسبة لهؤلاء لان من قام بالتزوير محترف قد ابرز عنوان سكن مزيفاً أو غير محل سكنه".

حالات التلاعب بالعقارات

وقال اللامي إن "إحدى حالات التلاعب بالعقارات وهي عندما يتوفى مالك العقار وبطمع من احد الورثة يقدم إلى محكمة الأحوال الشخصية شهادة نفوس بجزء من الورثة وليس جميعهم". وأوضح أن "المدعى عليه يخفي بعض اسماء اخوته او زوجة الأب وينقل العقار باسم بعض الورثة فقط تعمدًا وطمعًا".

وأضاف "عند علم الورثة الآخرين يقيمون دعوى ابطال قيد، لكن في هذه الحالة بما أن القسام هو صحيح لكن فيه إخفاء لبعض الأسماء فيصار إلى التعويض لان المدعي مالك لحصته".

ولا يعتبر اللامي "هذه الحالة تزويرًا لأن الذي حضر هو مالك فعلاً للعقار لكن تجاوز على حصة الورثة الاخرين".. مشيرًا إلى أنّ "من حق الورثة الاخرين الرجوع إلى البائع لحصصهم بالتعويض ويبقى القيد باسم من انتقل له العقار صحيحًا تلافيًا للضرر واستقرار المعاملات". وأكّد ان "المحكمة تتخذ إجراءات شديدة للحد من هذه الجريمة".. ودعا وزارة العدل إلى اتخاذ إجراءات أكثر شدة وصرامة وإتباع الطرق الرسمية السليمة ومنع أي شخص عدا المالك بالاطلاع على أوليات العقارات وسجلاتها".

إجراءات محكمة التحقيق

وعن اجراءات محكمة التحقيق، أشار قاضي التحقيق قتيبة بديع إلى أنّ "المحكمة تدون اقوال المشتكي وتطلب اضبارة العقار وكافة أولياته، بعد ذلك إجراء المضاهاة والتطبيق على عقد البيع والسند". وأشار بديع إلى أنه "بثبوت التلاعب يحال المتهم ومن معه من موظفي التسجيل على محكمة الجنايات لإجراء محاكمتهم".

ونوّه قتيبة بأن "موظف التسجيل العقاري قد يحال كمساهم في جريمة تزوير إذا ما ثبت تواطؤه مع المزور، اما اذا ثبت ان الجريمة وقعت نتيجة خطأ او إهمال منه فتفرد له دعوى وفق المواد التي تعاقب على الإهمال الوظيفي".

أملاك مسيحيي العراق الاكثر عرضة للاستيلاء

وكان بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس روفائيل ساكو قد وجه في السادس من الشهر الحالي نداء لوقف تعرض بيوت المسيحيين للاستحواذ في بغداد. وقال البطريرك في ندائه "في بغداد هناك مجاميع واشخاص يستولون على بيوت المسيحيين وعقاراتهم ويزورون المستندات لأن في ثقافتهم أملاك غير المسلمين حلال لهم ".

&وقال "نستصرخ ضمير المسؤولين في الحكومة والمرجعيات الدينية ، شيعية وسنية ، من اجل فعل شيء جديّ يصون حياة وكرامة وممتلكات المواطنين أيًا كانوا لأنهم بشر وعراقيون، ولا يمكن بأي شكل من الاشكال استباحة حياتهم وحريتهم وممتلكاتهم ".

وبدا ساكو غاضباً من عدم اتخاذ الحكومة خطوات لحماية المسيحيين في العراق، الذين تعرّض نحو 120 ألف شخص منهم إلى التهجير ومصادرة الممتلكات في مدينة الموصل في حزيران (يونيو) عام 2014 حين سيطر تنظيم "داعش" عليها، وأيضاً من إهمال أزمات المسيحيين في العاصمة بعد أن أخذت "جهات متنفذّة" تستولي على دورهم السكنيّة.

ومن جهته، اعلن محمد الربيعي عضو مجلس محافظة بغداد في حزيران عام 2015 خلال لقاء تلفزيونيّ، عن استيلاء جهات متنفذة على 70% من منازل المسيحيّين المهاجرين من بغداد إلى خارج العراق. وقال إن هذه الجهات المتنفذة استطاعت أن تغيّر ملكيّة هذه المنازل في السجلّات العقاريّة الحكوميّة لصالح أشخاص متنفذين.

وفي الواقع فإن الاستيلاء على أملاك المسيحيّين يجري بعلم الأحزاب السياسيّة&، لكن هناك ما يمنع الحكومة والقوات الامنية من ردع الجهات التي تتعدى على أملاك أفراد هذه الديانة التي يعود وجودها في العراق إلى آلاف السنين لأن هناك ميليشيات تابعة إلى أحزاب سياسيّة تعمل على إفراغ بغداد من المسيحيّين وتقوم بالاستيلاء على عقاراتهم عنوة، حيث تجري هذه التعديات على الرغم من علم الحكومة بأن منازل المسيحيين يتم الاستيلاء عليها لكنها لا تتخذ أي اجراء لردع هذه التعديات أو استعادة هذه العقارات من العصابات التي استولت عليها.