باتت ظاهرة التسول في العراق تؤرق المواطنين وخاصة في ظل انتشار أعداد كبيرة من المتسولين في الشوارع وأمام الأماكن العامة.

بغداد: أصبحت ظاهرة التسول علامة فارقة في العاصمة العراقية بغداد، فمن السهل أن تشاهد عشرات المتسولين يجوبون الشوارع العامة ويدخلون المستشفيات ويقفون على أبواب المدارس والمؤسسات الحكومية، بل أنهم صاروا يطرقون ابواب البيوت التي &صار أهلها يتوجسون خشية اقتحامها من عصابات التسول.
&
وتزايدت ظاهرة المتسولين بشكل ملحوظ حيث الأعداد الكبيرة منهم تجوب شوارع بغداد الرئيسية واسواقها ومستشفياتها وتراهم يدخلون أي محل تجاري ومطعم ومقهى ويستوقفون العابرين والمارين واياديهم ممدودة وكلماتهم تستفز السامع لاسيما أنهم يختارون الأكثر تأثيرًا على النفوس وهؤلاء بالمئات وليس بالعشرات، من مختلف الأعمار، ويتذرعون بحجج مختلفة منها أنهم لاجئون أو مهجرون أو مرضى أو معيلي يتامى او يتامى او ليس لهم معيل وليس غريبا ان تكون اللهجات مختلفة هي الأخرى. &
&
التسول .. أشكال
&
وتتباين اشكال التسول الذي استفحل كثيرا، فهناك من يجلس في مكان معين ويمد يده للمارة، وهؤلاء أكثرهم من كبار السن، وهناك من يجولون ويصولون في الشوارع العامة وفي مختلف الامكنة ويدخلون المطاعم والمقاهي والمحال التجارية ويتعلقون في الناس إلى أن ينالوا منهم مبلغا ما أو كلمة (الله يعطيك)، وهناك من يجد في تقاطعات الشوارع مكانا مستفيدا من توقف السيارات .. إلى ابتكار طرق غريبة للتسول منها غسل الزجاج الأمامي للسيارة ومسحه، وقد هيأ لذلك ماسحة بلاستيكية صغيرة ودلو من الماء في محاولة لإجبار صاحب السيارة على أعطائه أي مبلغ، وهناك من يستخدم قطعة قماش لهذا الغرض وهناك من يتسول ببيع العلكة او الحلوى الصغيرة ..&
&
ومن يستعطف الآخرين بالأطفال الرضع الذين يحملهم بين يديهم أو يضعهم في عربات صغيرة على الرغم من برودة الجو أو يجري بهم ما بين السيارات وهؤلاء اغلبهم من النساء. كما لأن هنالك نسوة يتسولن بطريقة الصراخ بشكل هستيري بحجة أن لديها مريضا، وهناك من يحمل في يده أوراقا طبية أو يضمد بعض من أجزاء جسمه البارزة.
&
ويقول جبار حسن، يعمل في محل تجاري: "اسوأ الظواهر الاجتماعية هي التسول، أنا اكرهها شخصيا لقناعتي ان الكثيرين غير محتاجين وان التسول بالنسبة لهم مرض ، كما ان الكثيرين ايضا استسهلوا هذه "المهنة" ولم يعودوا يبحثون عن عمل لان ما يحصلون عليه اضعاف ما يدر عليهم العمل".
&
وأضاف: "الكثير من المتسولين ومن مختلف الاعمار يحاولون الدخول الى المحل لكنني امنعهم، وللاسف صارت أعدادهم كثيرة وهذا خطر على المجتمع العراقي الذي يشفق على هؤلاء ولا يردهم خائبين .
&
ادعية وتوسلات&
&
وهؤلاء المتسولون من اعمار مختلفة تبدأ من اقل من عمر الخامسة صعودا الى السبعين عاما، وليسوا عراقيين فقط بل عربا واجانب وتعرف ذلك من اللهجات التي يتحدثون بها وهناك اعداد كبيرة منهم من النازحين الذين يتسول بخطيئة انه نازح وليس لديه ما يقيت به اطفاله (عندي يتامى) او (والله ما عندي حليب للطفل) او (طفلي مريض ويحتاج دواء).
&
&اما كلمات التوسل فهي حسب المكان او الايام، ففي المستشفيات وعيادات الاطباء الاهلية يكون التسول من خلال الدعاء بالشفاء، وقرب المدارس بالنجاح، وقرب المحاكم بالولد الصالح وفي الشارع (الله يفتح بوجهك) او (اعطيني صدقة عن اولادك) او (المال مال الله والسخي حبيب الله) او (من مال الله صدقة صغيرة تدفع بلاوي كثيرة) &واذا ما كان رجل مع امرأة فالتسول مقرون بالدعاء ان يحفظ الله لك الحبيبة او الزوجة !.
&
وليس من المستغرب ان يستوقفك شخص غير عربي هو واسرته، وكأنه يسألك ان تدله على مكان معين واذا به يحكي لك انه باكستاني او بنغلاديشي وانه ذهب الى زيارة مراقد الائمة في كربلاء والنجف وان امواله نفدت ويحتاج الى مبلغ من المال من اجل ان يعود الى بلاده، واعداد هؤلاء كبيرة وفي الحقيقة هم متسولون ولا يبحثون فعلا عن اجرة السفر الى بلدانهم&
&
ظروف البلد هي السبب&
&
يقول احد اصحاب المطاعم في منطقة الكرادة: "ما أشاهده من أعداد كبير للمتسولين شيئا غريبا واعتقد ان الظرف الحالي هو السبب فالكثير من هؤلاء عرب وخاصة من السوريين، وهناك من النازحين الذين تقطعت بهم سبل الحياة فلم يعد لهم مورد رزق، وأنا اشعر بالحزن على النساء المتسولات اللواتي يحملن صغارهن بين ايدهن".
&
&واضاف: "اعتقد ان الدولة تتحمل الجزء الاكبر من تفاقم هذه الظاهرة التي لا يمكن السكوت عليها، فانظر اليهم يسيرون طوابير ولا يتركون ماشيا من دون ان يوقفوه ولا محلا من دون ان يدخلوه وهذا يسيء الى البلد قبل اي شيء".
&
وأوضح: "لا زالت الناس تتجاوب مع المتسولين لان المجتمع العراقي معروف بطيبته، وهذا التجاوب مع المتسولين عفوي لانه نتاج ثقافة مجتمع يعطف على الفقراء ونتاج ثقافة دينية &لا ترد السائل، على الرغم من ان اغلب الناس يعرفون ان هؤلاء المتسولين يحصلون على اموال كثيرة ن خلال سؤالهم للالاف من الناس يوميا وتراهم في كل مكان".
&
مافيات وعصابات
&
لكن الاخطر هو قيام مافيات وعصابات بتنظيم عمل هؤلاء المتسولين من خلال نشرهم في المناطق المحددة وتقاطعات الشوارع وفي نقاط السيطرات الامنية حيث تشهد ازدحامات مستمرة، وكذلك قيام تلك المافيات بطريقة مبتكرة وهي طرق ابواب البيوت في الاحياء السكنية والتوسل باصحاب الدار اعطاءهم الاموال وطالما يظل المتسول او المتسولة يواصل الطرق الى ان يفتح له الباب وهو ما يشكل ازعاجات للعديد من المواطنين الذين اكدوا حصول سرقات في بعض البيوت من جراء استغلال المتسول او المتسولة عدم وجود أهل الدار للدخول والسرقة.
&
وقد حدثني كاظم علي، من أهالي حي العامل، قائلا: "لاحظت في الآونة الأخيرة دخول المتسولين الى المناطق السكنية وطرق الأبواب بيتا بعد بيت، شاهدت ذات مرة رجلا بلحية كثة في الساعة التاسعة صباحا، كان يطرق الباب بحدة الى ان فتح له ومن ثم ذهب الى بيت اخر وهكذا مر على بيوت الزقاق، كما رأيت نساء في اوقات مختلفة وحين سألت احداهن قالت انها متسولة لان لديها يتامى!. &
&
مهنة مريحة&
&
تقول الإعلامية نرمين المفتي: "أهم معالم الساحات العامة الان ليس الاهمال فقط، إنما مئات المتسولين، اعمار مختلفة إناث و ذكور، فضلا عن آلاف من أطفال الشوارع".
&
وأضافت: "التسول هناك من اتخذه مهنة و مربحة يعمل منفردا! و هناك من اصبح مقاول متسولين، بجمعهم صباحا و يوزعهم بسيارات نقل الى الساحات و المناطق و مع نهاية النهار، تأتي سيارات النقل ويعيد المتسولين الى بيوتهم بعد ان يعطوا كل حصيلتهم اليومية الى المقاول الذي بدوره يمنحهم اجورهم اليومية و التي لا تشكل في أفضل الأحوال ربع ما يحصله كل متسول".
&
وتابعت: "وهناك من استغلت قضية النازحين و تتسول مع رضيع لا تخشى الله به فتعرضه للمخاطر وتتسول على أنها نازحة عراقية او سورية. وختمت بالقول: "التسول أصبح ظاهرة و قضية، تماما مثل أطفال الشوارع".
&
مشاريع جريمة وبغاء
&
من جانبه يقول أيهم علي، مصمم صحافي: لم ار اسوأ مما أرى الآن، وأنا لا احتمل مشاهدة كل هؤلاء الصغار والكبار وهم في كل مكان ، انا اعلم ان وراء البعض منهم مافيات وعصابات الا انني اعتب على الدولة التي تتركهم هكذا وبهذا الوضع الذي يسيء للإنسان نفسه".
&
&واضاف: "في الدول التي تحترم نفسها يعتبر الصغار ثروة وطنية لذلك يتعاملون معهم على هذا الاساس ويؤكدون على الاباء عدم الاساءة لابنائهم لذلك هم يعلمون الصغير متى يتصل بالشرطة اذا ما تعرض لأذى من الوالدين، وهناك يهتمون بالطفل ويوفرون له كل متطلبات العيش الكريم بينما نحن لا نهتم لذلك ولا يمكن ان نتنبأ بما سيكون عليه هؤلاء الصغار الذين هم مشاريع جاهزة للجريمة وللبغاء وليس اسهل من هؤلاء ان يتم توريطهم والتغرير بهم".
&
محاولات للحد من التسول .. ولكن
&
من جهته، أكد مستشار وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عمار منعم، ان الوزارة تعمل جاهدة على مساعدة المتسولين ولكنهم يصرون على التسول ،وقال :مما لاشك فيه ان التسول يعد من الظواهر غير الحضارية والمؤسفة ايضا في بلد مثل العراق وحيث يتحول التسول من ظاهرة الى حالة على الرغم من محاولات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لمكافحته بالتنسيق مع الإدارات الأخرى ذات العلاقة.
&
واضاف: "قامت الوزارة بعدة اجراءات للحد من الظاهرة ، وتم التنسيق مع المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني من اجل وضع خطط وبرامج تهدف الى الحد منها .. موضحا ان هذه الخطط تتكون من مراحل اهمها التدريب والتاهيل والدمج، من اجل ان يستطيع الشخص الاستفادة منها لايجاد فرص عمل لائقة تضمن له كرامة العيش ولكن للاسف هناك من يصر على ان يمارس التسول".
&
وتابع: "جهود الوزارة مستمرة &في العمل والتنسيق مع وزارة الداخلية لمطاردة متعهدي خلايا فرق التسول المنظمة التي باتت تنتشر بشكل كبير وتأتينا اخباريات عن قيام هؤلاء بتوزيع المتسولين وخاصة من صغار السن في مناطق وشوارع بغداد، وقد استحدثت الوزارة بتوجيه من الوزير المهندس محمد شياع السوداني قسما معنيا بالتسول وبالفعل بدأنا اتصالات مع مسؤولين في المحافظات إضافة الى وزارة الداخلية ، واقترح الوزير تعديل قانون الرعاية الاجتماعية حيث يمكن للجهات القضائية إصدار أمر بحجز المتسولين الذين يصرون على امتهان هذه المهنة لان الكثير منهم من الذين تنطبق عليهم الشروط القانونية ويمكن استيعابهم في دور الدولة مثل الأيتام وكبار السن".