نشبت حرب تصريحات بين الرئيس الفرنسي الأسبق ساكوزي والجزائري بوتفليقة بسبب اتهامات كل طرف للاخر بارتكاب جرائم قتل خلال الفترة الاستعمارية الفرنسية والاستقلال.

عبد الحفيظ العيد من الجزائر: قال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إن الشعب الجزائري تعرض لـ"دمار همجي لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر" خلال الأشهر الثلاثة التي فصلت بين توقيع وقف إطلاق النار في 19 مارس أذار 1962 و5 يوليو من العام نفسه، في رد واضح على تصريحات الرئيس الفرنسي السابق الذي اتهم الثوار الجزائريين بارتكاب جرائم ضد الفرنسيين والمتعاونين معهم خلال هذه الفترة.

وتحتفل الجزائر كل عام في 19 مارس أذار بذكرى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع فرنسا الاستعمارية في هذا اليوم من عام 1962، والذي يطلق عليه الجزائريون "عيد النصر"&

وجاء في رسالة بوتفليقة السنوية بمناسبة إحياء ذكرى عيد النصر: "لقد كان عيد النصر لحظة استرجاع الشعب الجزائري الأبي سيادته على أرض أجداده، سيادة استرجعت في ظروف جد مأساوية، يجب ذكرها عندما نتحدث على تثمين حريتنا ولكي تبقى الأجيال الصاعدة دوما على دراية بمشقة وطول المسيرة التي خاضتها الجزائر الحرة على درب البناء والتشييد".&

استعمار&

وأضاف: "لقد وصل شعبنا إلى لحظة الاستقلال ثلاثة أشهر بعد إقرار وقف إطلاق النار، ثلاثة أشهر من دمار همجي لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر، دمار أنجزته المنظمة السرية المجرمة في حق شعب قبل بصمود وشجاعة احترام عهد إيقاف القتال الذي التزمت به ثورتنا المجيدة يوم 19 مارس 1962".

&وتضمنت رسالة بوتفليقة ردا صريحا على ما صرح به ساركوزي &الخميس لصحيفة &"لوفيغارو" الفرنسية.

وكان الرئيس الفرنسي السابق قال إن توقيع وقف إطلاق النار بين جبهة التحرير الوطني التاريخية في 1962 والسلطات الفرنسية أعقبته "مأساة استمرت لعدة شهور شملها ترحيل الفرنسيين من الجزائر".

&وبين ساركوزي "تسجيل سلسلة من التفجيرات التي راح ضحيتها الكثير من الفرنسيين من دون غض الطرف عن الاعتداءات التي تعرض لها الحركى، فضلا عن العديد من الأحداث المؤلمة التي لا يمكن أن تمحى من التاريخ".

والحركى هم الجزائريون الذين عملوا مع الفرنسيين وقرروا بعد استقلال الجزائر الرحيل إلى فرنسا ، بالنظر إلى أن اغلبهم كان مجندا في قوات الاستعمار الفرنسي.

وطالب ساركوزي السلطات الجزائرية إعادة النظر في موقف الجزائر تجاه هذه الفئة التي عانت الكثير.

لكن بوتفليقة، ذكر أن الجزائر لما استعادت استقلالها كان "قرابة ثلاثة ملايين من أبنائها المشردين لاجئين خارج حدودنا أو مشردين في معتقلات الاستعمار، ثلاثة ملايين نسمة وهو ثلث تعداد شعبنا في تلك الفترة".&

وأضاف الرئيس الجزائري "لحظة الاستقلال قرابة كانت قرابة 10 ألاف قرية مدمرة من جراء وحشية قمع كفاحنا التحرري".&

واستطاع الشعب الجزائري أن ينال استقلاله بعد 132 سنة من الاحتلال الفرنسي الذي راح ضحيته قرابة 8 ملايين جزائري، منه 1.5 مليون قتيل فقط خلال الثورة التحريرية التي دامت 7 سنوات ونصف، وانتهت بتوقيع اتفاق إطلاق النار ، وبعد الاستقلال في 5 يوليو 1962.

وقال بوتفليقة: "إن نصف قرن من التاريخ يقف شاهدا مجسدا لحقيقة مجيدة، وهي انتصار الشعب الجزائري على الاحتلال الاستيطاني البغيض، وطيه لسجل عمر 132 سنة، مداد صفحاته دماء زكية لنفوس طاهرة بريئة أزهقت بالقتل والتعذيب والتنكيل في المعتقلات والسجون والمحتشدات، وهي كلها ممارسات يندى لها جبين الإنسانية".&

وأضاف: "إن تاريخ 19 مارس أذار 1962 هو ثمرة جهاد مقدس خاضه الشعب الجزائري ضد قوى الظلم والاستعمار".

وتحيي السلطات الفرنسية لاول مرة &هذه الذكرى بمشاركة الرئيس فرانسوا هولاند بإلقاء كلمة أمام أحد النصب التذكارية، لكن ساركوز انتقد هذه الخطوة

وعرفت العلاقات الفرنسية الجزائرية تطورا ملحوظا في فترة رئاسة هولاند على المستوى الاقتصادي وحتى في ملفات الذاكرة.

& وفي 25 يناير كانون الثاني الماضي، حل وزير المجاهدين الجزائري الطيب زيتوني بباريس، في اول زيارة يقوم بها وزير جزائري لهذا القطاع إلى فرنسا.

وتوجت هذه الزيارة بالاتفاق على تنصيب "لجنة مختلطة"، اجتمعت بعدها في &(فبراير) شباط &لدراسة "مسألة المفقودين التطرق إلى تعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية في الجزائر".

وشهر إبريل المقبل، تحتضن الجزائر اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة رفيعة المستوى بين البلدين التي يرأسها الوزير الأول عبد المالك سلال ونظيره إيمانويل فالس.

عبرة

ولم يقف انتقاد بوتفليقة لمواقف ساركوزي عند القضايا التاريخية، بل حتى للقضايا الحالية.

وعبر الرئيس الجزائري صراحة عما حدث في المنطقة العربية تحت غطاء "الربيع العربي" الذي كان ساركوزي من بين المهللين له خاصة في ليبيا.

وقال بوتفليقة: "إن وقفتنا في هذا اليوم المجيد على كلفة حريتنا وعلى طول مسيرتنا في بناء جزائر اليوم، لهما سببان كافيان لنستوقف ضمائرنا جماعيا أمام التحديات العديدة التي تقف أمامنا".&

وأضاف: "إن الشعب الجزائري الكبار الذي ضحى بالنفس والنفيس من أجل تحرير الجزائر وبنائها، مستوقف اليوم نساء ورجالا، شبابا وكهولا، للوحدة اليقظة والتجند حفاظا على سلامة بلادنا وهي مجاورة للعديد من الأزمات المشتعلة".&

وأردف: "كما أن شعبنا الأبي مستوقف للوحدة واليقظة للصمود في أمن وسلامة أمام الأمواج المخربة التي دبرت ضد الأمة العربية قاطبة، أمواج تدفع لها اليوم شعوب شقيقة ثمنا دمويا بعدما دفعنا نحن عشرات الآلاف من ضحايا المأساة الوطنية التي جاءت رياحها في الواقع من خارج قطرنا".&