فتحت التهدئة في سوريا نافذة صغيرة لالتقاط الأنفاس، ووفرت فرصة للإطلاع عن قرب على المشهد في دمشق وضواحيها الخطرة.&


سوريا ما قبل الحرب ليس كما بعدها، لقد هاجر الكثيرون هربا من الموت تاركين خلفهم أحلامهم وذكرياتهم. بينما بقي البعض ينتظر مصيره المجهول.
&
وجهة السوريين المهاجرين تنوعت، فبينما حط البعض رحاله في الدول المجاورة، سلك آخرون درب الألم وصولاً إلى أوروبا، فتعددت الماسي وحوادث الغرق والضياع.
&
لكن ماذا عن أولئك الذين فضلوا البقاء في بلادهم وصمدوا أمام آلة الحرب الدامية؟‬
&
عاشت مراسلة البي بي سي، لينا سنجاب، دمشقية الأصل، في لندن خلال السنتين الماضيتين، وبعد مشاهدتها هجرة السوريين الكبيرة قررت العودة وان تقطن في بيروت، لأنها اقرب إلى بلدها الأم سوريا.
&
لم تخط لينا في سوريا منذ حوالي العام، الآن وبعد أن فر مئات الآلاف من سكان بلادها، تقف هائمة ! معظم الأشخاص الذين تعرفهم اختفوا. بعضهم لجأ إلى دول أخرى للحفاظ على سلامتهم، والبعض الأخر ذهب ضحية القتال، في حين أن جزءا منهم دخل السجون.
&
حالة اقتصادية مزرية
&
كما هو الحال في كل الحرب، انعكست أوضاع القتال في سوريا على اقتصادها، فتراجعت قيمة الليرة مقابل الدولار، وارتفعت الأسعار، في المقابل انخفضت قيمة الرواتب بشكل ملحوظ.
&
إلا أن هذا الأمر لم يؤثر على حركة السوق القديم الذي يكتظ بالوافدين والزائرين فيتمايلون في البازار ويستمتعون بتاريخ دمشق، ولازالت الناس تتوافد على محل بغداش الذي يبيع الآيس كريم في وسط سوق الحمادية.
&
مرت لينا بقرب المسجد الآموي فرأت النساء والرجال والأطفال من كافة إرجاء سوريا يمرحون تحت أشعة الشمس، لتصل إلى سوق التوابل الذي يشهد هدوءاً لم يسبق له مثيل، ويفترش الغبار محال بيع التحف القديمة، فأصحاب هذه المحال كانوا يعتمدون على السائحين لتنشيط حركة البيع.
&
يختلف الوضع في المناطق الأكثر ثراء في دمشق، إذ افتتحت الكثير من المطاعم والمقاهي والحانات، بعضها يحي حفلات راقصة فتسود الأجواء الحماسية عندما يتم وضع أغنية تمدح الرئيس بشار الأسد أو حليفه زعيم حزب الله، حسن نصرالله، وفي هذه الأثناء يستمر بعض الساهرين في احتساء شرابهم، ساكتين هادئين يراقبون ما يحصل، ما ينذر بوضوح أن هذه الفئة من أصحاب المعارضة.
&
اقتربت لينا وهمست في أذن أحداهن سائلة: "هل وضع هذا النوع من الموسيقي أصبح قاعدة؟" فأجابت: "إنه نوع من الولاء الذي يؤمن لك الحماية من النظام".
&
في ظل وقف إطلاق النار السائد، يخيم الهدوء على وسط دمشق، &حيث تقلصت أصوات القذائف، وأصبح من السهل المرور والتجول بعد إزالة الكثير من نقاط التفتيش، لكن الوضع يختلف في الضاحية الشرقية حيث كانت منطقة برزة من أكثر المناطق تجاذبا بسبب شهودها على أولى المظاهرات المناهضة للأسد، كما كانت مسرحا لقتال عنيف لتتحول في الوقت الراهن إلى مدينة أشباح.
&
إعادة بناء وإصلاح الضرر
&
تتأمل لينا حالة الخراب التي لحقت بالمباني، وتعرج على منزل صديقتها ندى التي تمكنت من الفرار إلى تركيا أثناء الهدنة، تاركة والدتها التي رفضت الهروب وصمدت في شقتها الصغيرة، تعمل في الحياكة لكسب بعض المال، &في حين أن الأمر اختلف مع صديقتها ندى التي سجنت بتهمة الإرهاب، تتحدث مع عائلتها التي تذهب لزيارتها بشكل يومي، آملة بإطلاق سراحها قريبا.&
&
محطة لينا الأخرى كانت مسقط رأسها، مدينة التل، فهي تبعد عشرين دقيقة عن وسط دمشق، وتعتبر من المناطق المكنوبة، حيث شهدت الكثير من المعارك بسبب معارضة الكثير من أبناءها للنظام، لكن الهدوء يخيم على البلدة الآن، رغم أنهم يجدون صعوبة في إدخال وإخراج المواد الغذائية.
&
تلفت لينا إلى قدرة أبناء هذه البلدة على إعادة إحيائها بوقت قياسي، فلقد شهدت إعادة بناء وإصلاح الضرر، هذا فضلا عن احتوائها للكثير من النازحين، فلا يخلو بيت من عائلة أو أكثر، حتى أنهم جعلوا من أوراق النايلون شبابيكاً وأبواباً ترد عنهم القليل من البرد القارس.
&
بين وسط مدينة دمشق الآمن وخطر الضواحي تقف لينا أمام أولئك اللذين عقدوا العزم على البقاء في وطنهم والاستمرار في مسيرة عملهم مدركين أن البقاء يتطلب خطف الأنفاس والابتعاد عن السياسة.
&
اليوم روسيا سحبت قواتها، لكن هذا لا يعني أن الحرب قد انتهت، هناك الكثير من التكهنات حول مستقبل سوريا، لكن الجميع يأمل البقاء ويتمنى أن يسود الاستقرار لينعم بحياة هادئة في بلده.
&
&