لا تزال قضية الاتجار بالبشر تثير الرأي العام اللبناني، بعد شهادات الفتيات المعنّفات واللواتي أجبرن على ممارسة البغاء تحت عنف التهديد الجسدي والنفسي، والسؤال كيف يُنظر قانونيًا واجتماعيًا إلى إشكالية موضوع الاتجار بالبشر في لبنان؟
بيروت: لا تزال قضية شبكة الاتجار بالبشر تتصدر القضايا الإجتماعية في لبنان، بعد شهادات الفتيات المعنّفات والمغتصبات، ويطرح توقيف السلطات الأمنيّة اللبنانيّة شبكة للإتجار بالبشر خلال عملية نوعية، أكثر من علامة استفهام حول إشكالية الاتجار بالبشر في لبنان قانونيًا واجتماعيًا، بعدما حُررت على أثرها 75 فتاة معظمهن سوريات، وهذه الشبكة وصفت بالأخطر من نوعها.
فقد تمكنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي اللبناني، من كشف هوية مجموعة أشخاص يشكلون أخطر شبكة للإتجار بالبشر في لبنان، وتم توقيفهم في محلة جونيه شمال بيروت.
وكشفت السلطات الأمنية، أن الفتيات تعرضن للضرب والتعذيب النفسي والجسدي، وأجبرن على ممارسة البغاء تحت تأثير التهديد بنشر صورهن عاريات.
ولفتت السلطات إلى أنه تم تسليم الفتيات إلى عدد من الجمعيات بناء على طلب القضاء المختص، فيما التحقيق مستمر لتوقيف باقي أفراد العصابة والمشاركين في هذه العملية.
كما كشفت إحدى الفتيات من اللواتي تمكن من الهروب من شبكة الاتجار بالبشر منذ 4 أشهر أن عماد الريحاوي والملقب بـ"الجلاد"، متزوّج من سيدة لبنانية تقيم في بلدة العين البقاعية، كان يعمل محققًا في فرع الاستخبارات الجوية في سوريا، ولفتت الى أنّه طُرِد قبل أن يفرّ إلى لبنان حيث عمل لفترة في أعمال الديكور وانتقل بعدها إلى أعمال تسهيل الدعارة.
وتقول الوزيرة السابقة منى عفيش (مهتمة بالشؤون الإجتماعية) لـ"إيلاف" إن تعريف الإتجار بالبشر يشمل كل شخص يأتي بشخص آخر ويقوم بالكذب عليه من خلال تضليله، ويستغله في أمور أخرى غير سوية.
أما من يساهم في لبنان في تعزيز مفهوم الاتجار بالبشر؟ تجيب عفيش أن الفقر والجهل هما عنصران يساهمان كثيرًا في هذا المجال، والعائلات المفككة والمتروكة لمصيرها، فالأوضاع في سوريا أيضًا ساهمت في استغلال تلك الفتيات.
سمعة لبنان
كيف يساهم هذا الموضوع في سمعة لبنان وسياحته بصورة خاصة؟ تقول عفيش إن كل من يستغل شخص آخر ضعيف أو لوضعه الاجتماعي يجلب العار لنفسه وليس للبلد، و"نشدد على أهمية عمل قوى الأمن الداخلي والقضاء في كشف تلك العصابة الخطيرة، ونأمل أن تجرى محاكمة عادلة لكي يكون هؤلاء المتورطون عبرة لغيرهم".
كيف يمكن حل هذا الموضوع إجتماعيًا من جذوره برأيك؟ تجيب عفيش أن هذا الأمر يحتاج إلى عمل جبار من خلال التفتيش عن أسباب حصوله، من خلال سبر هل كان هناك فقرًا أو انحلالاً عائليًا أو أن الأهل قاموا ببيعهن، أم قاموا بتشجيعهن، والدولة يجب أن تقوم بتفتيش المراكز المشبوهة.
أما كيف ساهم الوضع السوري الأمني بتعزيز الاتجار بالبشر في لبنان؟تجيب عفيش أن الوضع في سوريا كان من أسباب ترك تلك الفتيات بلادهن والمجىء إلى لبنان، وعندما طال الأمن كل مناطق سوريا، تم اصطيادهن من قبل تلك الشبكات التي استغلتهن.
القانون اللبناني
ويطرح السؤال أيضًا في هذا الخصوص كيف يعاقب القانون اللبناني الاتجار في البشر؟ ويقول المحامي الدكتور منيف حمدان لـ"إيلاف" إن قانون العقوبات اللبناني يميز بين نوعين من الاتجار بالبشر، علمًا أن حجز الحرية أكثر من 24 ساعة يشكل جناية عقوبتها الأشغال الشاقة قد تتراوح بين 3 سنوات و15 سنة، وبما يتعلق بتسهيل الدعارة يوجد عنصر تشديد للعقوبة هذه ويعاقاب عليها بالمادة 523 وما يليها وهذه عقوبة جنحية.
وتتحدث المادة 523 بما يلي :"من قام بحجز شخص أو أكثر ذكرًا كان أم انثى وارغمه على الفجور أو الفساد او على تسهيله له أو مساعدته على اتيانه عوقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من خمسين ألف إلى 500 ألف ليرة لبنانية، ويعاقب العقاب نفسه من تعاطى الدعارة أو سهّلها."
أما أنواع الاتجار بالبشر فهي أن يستقدم المبعدات واللاجئات ويسلمهن إلى آخرين للعبودية في بلاد تقر العبودية، وفي لبنان نحارب العبودية لأننا دولة ديموقراطية، أو يستقدمهن لتسهيل الدعارة، وهذا الشذوذ في جونية يبقى سابقة خطيرة جدًا ويعتقد حمدان أن القضاء يعالجها بيد من حديد من خلال انزال العقوبات الصارمة على كل من يثبت أنه متدخل أو مستفيد مما حصل.
الفتاة القاصر
ولدى سؤاله في حال كانت إحدى الفتيات المرغمات على القيام بالدعارة قاصرًا ما هو العقاب لمن ساهم بارغامها على ذلك؟ يجيب حمدان أن التهمة تصبح حينها جناية، وتقول المادة 505 من قانون العقوبات اللبناني :"من جامع قاصرًا دون ال15 من عمرها عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة ولا تنقص العقوبة عن 15 سنة إذا لم تكن الضحية قد اتمت ال12 من عمرها".
التعليقات