بعد صمت مريب يقترب من درجات التواطؤ، بدأت السلطات الألمانية في ملاحقة ومحاكمة جماعات يمينية متطرّفة مارست أعمال عنف وشروع في القتل ضدّ المهاجرين. ويبدو أنّ التحول في الموقف الرسمي الألماني تجاه هذه المجموعات الدموية، يشير إلى حصول برلين على معلومات تفيد بتخطيطهم لعمليات أكثر عنفا.


لندن: اعتقلت الشرطة الالمانية مؤخرا خمسة اشخاص في ولاية سكسونيا شرقي البلاد بتهمة الانتماء الى خلية ارهابية.

وانضم الخمسة الى آخرين وراء القضبان بالتهمة نفسها.

واطلق المحققون الفيدراليون الالمان اسم "جماعة فرايتال" على الخلية نسبة الى بلدة فرايتال التي تقع جنوب شرق مدينة درسدن. وهم يعتقدون ان الجماعة شُكلت في صيف 2015 أو قبل ذلك وانها سعت الى ترويج افكارها اليمينية المتطرفة باعتداءات على طالبي اللجوء والمختلفين معها في التوجه السياسي.

ويُشتبه بأن الجماعة نفذت ثلاثة هجمات حتى الآن. &ويحقق الادعاء العام في ما إذا كان اعضاء الجماعة المعتقلين ضالعين في هجمات اخرى. ويمكن ان يواجه المتهمون احكاما بالسجن مدى الحياة في حال ادانتهم.

الموقف الرسمي يتغيّر

تبين هذه القضية التغير الذي حدث في الموقف الرسمي من عنف اليمين المتطرف في المانيا. إذ كان القضاء الالماني في السابق يرفض النظر الى الاعتداءات على اللاجئين وخاصة على مجمعات سكنهم في اطار ارهاب يميني منظَّم.

وبدا في بعض المناطق وكأن الأجهزة الأمنية غير موجودة وان بامكان المتطرفين اليمينيين ان يستهدفوا طالبي اللجوء ويرهبوا السكان كما يحلو لهم دون ان تتدخل الشرطة لمنعهم وملاحقتهم.&

وقال المدعي العام الفيدرالي الالماني بيتر فرانك لمجلة شبيغل ان اليمين المتطرف منقسم على نفسه ولكنه اضاف انه سيتولى التحقيق بنفسه إذا اصبح واضحا ان الجماعات اليمينية المتطرفة تنفذ هجمات على مراكز سكن اللاجئين. وان السلطات ستوجه رسالة الى هذه الجماعات.

تحرك طال انتظاره&

وتأتي العملية في بلدة فرايتال تعبيرا عن تحرك الحكومة الذي طال انتظاره. كما انها تسلط الضوء على التقصيرات التي حدثت حتى الآن. فان ملفات التنصت على مكالمات هاتفية ومراقبة دردشات على الانترنت تشير الى ان شرطة ولاية سكسونيا كانت حسنة الاطلاع في وقت مبكر على مخططات جماعة فرايتال. والأكثر من ذلك ان شاهدا لم يُكشف عن هويته ظهر ربما كان محققا سريا زُرع في صفوف الجماعة.

ويثير هذا السؤال عما إذا كان بالامكان منع الهجمات. والتزمت الشرطة والمسؤولون والادعاء العام في سكسونيا جانب الصمت ورفضوا الاقتناع بأن الجماعة اليمينية كانت تعتزم ارتكاب جرائم قتل.

معقل لليمين المتطرّف

وما كان المتطرفون المعادون للمهاجرين واللاجئين ان يجدوا مكانا أنسب من بلدة فرايتال لنشاطهم. &فالبلدة البالغ عدد سكانها 40 الف شخص تقع على مسافة قريبة من مدينة درسدن حين تنظم جماعة "الاوروبيون الوطنيون ضد أسلمة الغرب" أو "بيغيدا" المعادية للاجئين تظاهراتها منذ ما يربو على عام ، وكانت المدينة ايضا بؤرة احتجاجات ضد اللاجئين.

وكانت فرايتال مهد جماعة متطرفة أخرى شُكلت اوائل 2015 بدعوى حماية ركاب الحافلات بعدما تردد ان اثنين من المهاجرين العرب تحرشا بتلميذات في احدى الحافلات العامة.

واخذ عناصر الجماعة يركبون الحافلات العامة بحثا عن مهاجرين بعد ان عينوا أنفسهم حراسا امنيين لحماية الركاب ، كما زعموا. ويُعتقد ان جماعة فرايتال خرجت من رحم هذه الجماعة.

واستخدم المتطرفون اليمينيون عدة قنوات على الانترنت لاتصالاتهم الداخلية. وسرعان ما تبين من اعتراض هذه الاتصالات ان افراد الجماعة كانوا يناقشون التخطيط لهجمات وانها اخذت تبدي اهتماما بالحصول على متفجرات.

هجمات كثيرة&

وتصاعد نشاط الجماعة تدريجيا الى ان نفذت هجومها الأول في بلدة فرايتال ليلة 19 ايلول/سبتمبر الماضي بتفجير منزل يؤوي عائلات لاجئة.

وكان في المنزل ثمانية لاجئين وقت الانفجار الناجم عن وضع عبوة على شباك المطبخ في الطابق الأرضي. واسفر الانفجار عن تحطيم النافذة وانهيار جزء من جدار المنزل دون وقوع اصابات لأن احدا من اللاجئين لم يكن في المطبخ لحظة انفجار العبوة.

واللافت ان الشرطة بعد ساعات قليلة على الانفجار أوقفت اثنين من اعضاء الجماعة في مكان الحادث وأخذت معلوماتهم الشخصية.

وتوارى النازيون الجدد عن الانظار الى ان وقع الحادث التالي في 18 تشرين الأول/اكتوبر عندما هاجم مجهولون مشروعا سكنيا تنفذه منظمة يسارية لمساعدة اللاجئين. &

وحين ارادت مدينة درسدن ان تضع قاعة للياقة البدنية تحت تصرف اللاجئين سد محتجون يمينيون مدخل المكان واستمرت المواجهة معهم 20 يوما قبل ان تتمكن الشرطة من ابعاد المحتجين.

ونقلت مجلة شبيغل عن مسؤولين ان اعضاء التنظيم اليميني الذي يقف وراء الاحتجاج كانوا يلتقون بانتظام في القاعة.

ما لم يعرفه الارهابيون ان الشرطة كانت ترصدهم وهناك ملفات للمكالمات الهاتفية التي تنصتت عليها الشرطة قبل تنفيذ هجماتهم أو في يوم تنفيذها.

وفي هجوم استهدف مكاتب المنظمة اليسارية التي تساعد اللاجئين تبين هذه الوثائق ان أدوات الهجوم كانت معروفة والأهداف محددة بالاسم ولكن احدا لم يتحرك لإيقاف مرتكبيها.

ومن الجائز ان تسجيل هذه الاتصالات كان الكترونيا ولم تطلع عليها الشرطة إلا لاحقا أو من الجائز ان الذي يتنصت لا يعرف المنطقة ولم يفهم ما تعنيه الاسماء، كما تلاحظ مجلة شبيغل. &

ولكن حوادث غريبة اخرى حدثت. ففي 27 تشرين الأول/اكتوبر الماضي حضر شاهد في مقر شرطة درسدن أُبقي اسمه سريا وكان عنوانه المسجل مقر قيادة الشرطة وهويته "شارة الشرطة".

واثار هذا تساؤلات عما إذا كان الشاهد ضابطا في الشرطة. وسرعان ما اصبح واضحا انه عميل سري مزروع، وكان مطلعا على الهيكل التنظيمي للجماعة بالاضافة الى اسماء اعضائها والقابهم. كما كان حاضرا عندما وقع الهجوم على مكاتب المنظمة اليسارية في درسدن. &ويقول انه أُعطي حجرا لرميه على المبنى.

ولكن مسؤولين مطلعين على القضية يقولون ان محققين سريين لن يكونوا مزروعين داخل الجماعة وان الشاهد ليس ضابط شرطة وانهم لا يعرفون كيف سُجلت هويته على انها "شارة الشرطة".

الشرطة لا تتحرك&

وهكذا تستمر الشكوك بأن المحققين المحليين كانوا يعرفون الخطوات التالية للجماعة الارهابية ولكنهم لم يتحركوا فورا لايقافها. إذ مرت 12 يوما بين التنصت على المكالمات الهاتفية وهجوم الجماعة.&

وفي ليلة 31 نشرين الأول/اكتوبر نفذت جماعة فرايتال هجوما قال محققون فيدراليون انهم صنفوه &شروعا بالقتل.

ومرة اخرى كان الهدف نزلا لطالبي اللجوء في فرايتال يؤوي اربعة لاجئين سوريين. إذ وضعت متفجرات على ثلاث نوافذ وكان الانفجار شديدا. وأُصيب احد اللاجئين في عينه وجبهته ولكن الآخرين كانوا محظوظين.&

وبعد يومين صدرت اول مذكرة القاء قبض وأُوقفت جماعة فرايتال.

كان الادعاء العام في درسدن سعيدا باحالة القضية الى محكمة متدنية المستوى.

وأُعدت التهم وهي جاهزة منذ منتصف شباط/فبراير الماضي.

ولم يعتقد الادعاء العام على مستوى الولاية ان منفذي الهجوم كانوا يعتزمون قتل اللاجئين في المنزل بل شعروا ان الجماعة كانت تحاول تخويف السكان وان الهجوم كان ذا "طابع استعراضي. ولم يربطوا بين سلسلة الهجمات والارهاب. &

ولكن في 11 نيسان/ابريل أخذ محققون فيدراليون القضية من المحققين المحليين واسفر ذلك عن اعتقال اعضاء آخرين في الجماعة.

ويعتقد المحققون الفيدراليون ايضا ان التخويف كان احد اهداف الهجوم ولكنهم قدموا اربع تهم بالشروع بالقتل ايضا.

ويقول الادعاء العام الفيدرالي ان الجماعة كانت تعرف خطورة مفرقعاتها. والأكثر من ذلك انه يرى ان كراهية الأجانب هي الدافع الرئيسي للجماعة.