نتائج

لم تكن نتائج الانتخابات البلدية في بيروت حدثا عابراً لأنها أظهرت اهتزاز زعامات تُبنى منذ بداية التسعينيات متمثلة بـ "الحريرية السياسية". فقد نجح المستقلون الذين انضووا تحت لائحة بيروت مدينتي بإحراز أربعين بالمئة من الاصوات أمام لائحة شكلها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ولاقت دعما من أحد عشر حزبا ابرزها حركة أمل وحزب الله والقوات اللبنانية والكتائب وتيار ميشال عون والجماعة الاسلامية وأكبر حزب أرمني؛حزب الطاشناق.

واللافت في تلك النتيجة أن أحد أبرز احياء بيروت السنية اعطى لائحة المستقلين 30 بالمئة من أصواته.

هذه النسبة للمستقلين غير مسبوقة بكل المقاييس في الانتخابات اللبنانية على الاقل منذ انتهاء الحرب، ليس لأنها حققت ارقاما عالية فقط انما لان تلك الارقام ترسم صورة تغيير فعلي في الشارع خارج الاصطفافات الحزبية و تراجعا كبيرا لزعامة سعد الحريري.

يذكر أن زعامة العاصمة هي الرافعة لأي زعامة سنية وتراجعها يضع شكوكا على حجم اي زعامة بالمعنى التقليدي للكلمة. وقد اقر الحريري نفسه بذلك عندما قال في احد المهرجانات الانتخابية ان بيروت ستبقى الواجهة السياسية لتيار المستقبل. وكان ذلك قبل اعلان النتائج.

أسباب

في قراءة للأسباب توضع هذه الخسارة لسعد الحريري في الشارع البيروتي في سياق عوامل عدة:

اولا: حالة التململ العامة من ما يصفه مؤيدو لائحة "بيروت مدينتي" بواقع الفساد السائد لدى الطبقة السياسية اللبنانية والذي برز أثنا ازمة النفايات وما واكبها من اتهامات بهدر للمال العام لصالح بعض الحلقات القريبة من الحريري.

وكانت اتهامات الفساد التي واكبت أزمة النفايات والتعثر في حلها ترافقت مع شعار عمم بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي وبين حجم التململ الا وهو " كلن يعني كلن" في اتهام لكامل الطبقة السياسية. كما كان الافراط في استخدام العنف ضد المتظاهرين نكسة ايضا لتيار المستقبل على اعتبار ان وزير الداخلية محسوب على التيار.

بيروت مدينتي

ثانيا : غياب سعد الحريري عن لبنان لأربع سنوات متواصلة منذ اسقاط حكومته مع اختياره الاقامة في الخارج لأسباب قال انها أمنية مع ما رافق ذلك في السنتين الاخيرتين من أزمة مالية تُرجمت في توقفه عن دفع رواتب الموظفين في مؤسساته وتحديدا الاعلامية منها. وساعد هذا في بروز تململ واسع في جمهور هو في اغلبيته جمهور متعاطف مع خطه السياسي.

ثالثا: ترشيح سليمان فرنجية صديقالرئيس السوري بشار الاسد الشخصي لرئاسة الجمهورية من دون الرجوع الى التيار وخروج ابن خالة الحريري وهو امين عام تيار المستقبل بتصريح يقول فيه ردا على التململ الداخلي "ان لا صوت يعلو فوق صوت سعد الحريري عندما يتكلم".

وظهرت تصريحات لبارزين في التيار تنتقد هذا الترشيح على خلفية الصراع السياسي في البلد بعد اغتيال رفيق الحريري والاتهام السياسي الذي وجه لدمشق بالوقوف وراء الاغتيال. وشكل ترشيح فرنجية في هذا السياق مفاجأة ربطها البعض برغبة الحريري في العودة الى رئاسة الحكومة في اطار صفقة سياسية كانت لها نتائج سلبية على الجمهور اللصيق بتيار المستقبل وحلفائه المسيحيين ما مهد لخسارة في الشارع دفع ثمنها الاثنان.

رابعا: الاخطاء التي ارتكبت في اثناء الحملة الانتخابية كالتحالفات التي جاءت من دون مقدمات ومناقضة للاختلاف السياسي الحاد الذي ترك بصماته في توتر الساحة الداخلية الذي يترافق ايضا مع حملات متبادلة، وعلى رأسها التحالف مع حزب الله والتيار العوني، بالإضافة الى كيفية ادارة الحملة الانتخابية.

يضاف إلى ذلك تسمية لائحة الحريري وشعارها فقد اختير لها اسم " لائحة البيارتة"، وشعار : "لتبقى بيروت لأهلها" و"بيروت هي للبيارتة" ما قوبل بتعليقات في الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي اعتبرت الشعار "عنصريا" لعاصمة احتضنت كل الطوائف والطبقات.

والكلام عن التحالف المناقض للاختلاف السياسي أثار الامتعاض لدى جمهور المستقلين لأنه تحالف جاء بوجههم وبوجه المجتمع المدني المنادي بوقف الفساد والذي التقى في الاساس على محاربته، وبدا لمعارضيه كأنه تحالف يريد لواقع الفساد ان يستمر ما ساعد في تعبئة الناس ضده مع العلم ان الكثير من أعضاء لائحة "بيروت مدينتي" كانوا في فلك فريق الرابع عشر من آذار الذي تشكل بعد اغتيال الحريري.

خامسا: عجز بلدية بيروت السابقة المحسوبة على الحريري عن حل مشكلة النفايات التي بقيت اسابيع في شوارع العاصمة واشهرا على تخومها هي مشكلة ما زالت من دون حل حتى الان. مع العلم ان مشكلة النفايات كانت شرارة التحركات الشعبية العفوية التي شهدتها العاصمة قبل اشهر. وفشلت البلدية في تقديم اي حل لتلك المشكلة ومشكلات انمائية عدة.

سادسا: الصفقات التي خرجت الى العلن وكان آخرها اقرار البلدية شراء عقارات في شاطئ بيروت الشعبي وهو الوحيد المفتوح للفقراء بقيمة 120 مليون دولار. وقد ذكرت صحف محلية ان تلك العقارات تعود للحريري وانها "صفقة تثير التساؤلات والشبهات" والبعض وصفها بأنها "غير قانونية". وهذا دفع الحريري لتبديد المخاوف من امكانية اغلاق الشاطئ "لان الحريري اشتراها كي تبقى لأبناء بيروت" مؤكدا بذلك انه مالكها وان صفقة البيع هي لصالحه.

خسارة جماعية للأحزاب

نتائج انتخابات بيروت لم تشكل خسارة للحريري فقط انما للأحزاب المسيحية مجتمعة ايضا. فقد صب 60 بالمئة من اصوات المسيحيين لصالح لائحة بيروت مدينتي. ما اعتبر نكسة للأحزاب المسيحية ومؤشرا على تراجع كبير في شعبيتها ايضا.

تشير اي قراءة متأنية لنتائج الانتخابات البلدية في بيروت ان صورة الاحزاب والتيارات ووضعها لم يعد كما هو فالمزاج الشعبي يتغير لغير صالح الاحزاب.

لقد سبق لرفيق الحريري ان كسر الزعامات التقليدية في العاصمة في انتخابات العام 92 النيابية وفي انتخابات العام 96، فسقط رموز "بيارتة" في تلك الانتخابات. ويبدو ان الوضع تغير الان ولكن ليس لصالح العائلات التقليدية انما لصالح تيار ثالث يتمثل بالمستقلين.