إيلاف من بيروت: تقوم الكاتبة تيريز هيوستن الإختصاصية في علم النفس المعرفي من جامعة سياتل في كتابها" كيف تقرّر المرأة "، بمناقشة نظرية عدم احترام قرارات المرأة بقدر قرارات الرجل، وتشرح كيف من الممكن أن يشكّل ذلك عائقاً أمام تقدّم المرأة. كما أنّها تفسّر المعايير المزدوجة المتعلّقة بالنظرة الموجّهة إلى المرأة والرجل في صنع القرار.

تأمّلت هيوستن رفوف مكتبتها ووجدت من جهة كومةً من الكتب حول كيفية تنمية القدرة على اتخاذ القرارات بأقلام رجال من سماسرة البورصة والرياضيين، ومن جهة أخرى أعمالاً موجّهة للمرأة حول طرق اكتساب مهارات القيادة والثقة. فبادر إلى ذهنها: "هل تؤخذ المرأة على محمل الجد بقدر الرجل حين تتّخذ قراراً؟ فكانت الإجابة: "لا أعتقد ذلك".

أفضلية الرجل على المرأة&

يتمّ احترام الرجل كصانع قرار أكثر من المرأة، لا سيما في ميدان العمل، لوجود اعتقاد ثقافي سائد بأنّ المرأة غير قادرة على اتخاذ قرارات مهنية ذكية. وبينما تسخر بعض الدراسات من استغراق المرأة وقتاً طويلاً في اختيار ثيابها كل يوم، تغيب الدراسات التي تتناول الوقت الذي يستغرقه الرجل في اختيار سيارة جديدة. إنّ هذه الأفكار النمطية تدعم الإعتقاد بأنّ الرجل هو الملجأ المناسب لإتخاذ قرار سريع وفعّال، ما قد يجعل المرأة تشكّك في قدرتها على اتخاذ قرارات مهمة.

دراسات علمية ترجح كفة المرأة في اتخاذ القرار

بدأت هيوستن بتحليل هذه الصور النمطية واستعانت بالأبحاث العلمية لتثبت عدم صحّتها. فوجدت أنّ الحسم في اتخاذ القرار هو من الصفات المميزة للقادة، وبحسب الدراسات فإنّ المجتمع يعتبر الرجال أكثر حسماً في اتخاذ القرارات من النساء.&

لكنّ الأبحاث العلمية تبيّن أنّ الرجل والمرأة يعانيان بشكل متساوٍ في اتخاذ القرارات، والفارق الوحيد بينهما هو في سن المراهقة، حيث تكون المراهقات أقل حسماً في اتخاذ القرارات من المراهقين. ولكن بحسب الكاتبة "فالمرأة أكثر تعاوناً"، فهي إذا احتلّت منصب المديرة تميل أكثر إلى الاستعانة بآراء الآخرين لإتخاذ قرار معيّن. فالمرأة تطلب مشاركة الغير، مما يساعد في اتخاذ قرارات أفضل، غير أنّ ذلك يُعتبر بشكل ساخر نقطة ضعف لا قوة.&

وتوضح هيوستن أنّه في أوقات الضغط تختلف القرارات بين الرجال والنساء وتكون النتائج أفضل في معظم الأوقات عندما تتدخّل المرأة، وفق مقال نشر حديثاً في مجلة Fortune حول الأزمة المالية في 2007 وأهمية وجود العنصر النسائي في وول ستريت لتجنّبها.&

وتضيف الكاتبة أنّ علماء الجهاز العصبي يدركون الفارق بين كيفية اتخاذ القرارات لدى الجنسين، لكنّه أمر يجهله المستثمرون المصرفيون على الأرجح. وتتوالى الدراسات التي تدعم هذه النظرية.&

فقد أجرى اختصاصيون في علم الأعصاب المعرفي دراسة حديثة حول طريقة الرجل والمرأة في اتخاذ القرارات، ووجدوا أنّهما يتفاعلان بشكل مختلف تحت الضغط. وفي محاكاة للعبة القمار تأتي ضمن هذه الدراسة، تبيّن أن المرأة تحت الضغط تتخذ قرارات ذكية مثل الانسحاب إذا كانت في الطليعة أو القيام برهانات آمنة، بينما يخاطر الرجل بكل شيء إذا رأى فرصة للربح مهما كانت ضئيلة.&

وكذلك بيّنت دراسة أخرى أجراها عالم في بيولوجيا الأعصاب Ruud van den Bos من جامعة رادبود في هولندا، ميلاً أكبر لدى الرجال لاتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر تحت الضغط، بينما تظهر المرأة مهارات أكثر دقة وبراعة في اتخاذ القرارات كلما اقترب الموعد النهائي لإنجاز أمر ما أو كلما واجهت ضغطاً معيناً.&

وتلفت الكاتبة إلى أنّ الشركات تستعين بالمرأة عندما تخرج الأمور عن السيطرة مع العلم أنّها لو أحضرتها في الوقت المناسب لكانت تجنّبت وقوع المشاكل من الأساس.&

الاستخفاف في قدرة المرأة على اتخاذ القرارات

تلفت هيوستن النظر في كتابها إلى حادثة من العام 2013، حين أصدرت ماريسا ماير، المديرة التنفيذية الجديدة لشركة ياهو، قراراً يقضي بإلغاء سياسة العمل بدوام كامل من المنزل، ما أثار موجة عارمة من الإنتقادات الواسعة بين الإعلاميين وبالأخص من رجل الأعمال ريتشارد برونسون، وبعد أسبوع أصدر الرئيس التنفيذي لشركة بيست باي الأميركية هيوبرت جولي قراراً مماثلاً لم يلقَ أي رد فعل من هذا القبيل.&

وتستشهد الكاتبة بتجربة أخرى اختبرتها في بدايات حياتها المهنية، حين كانت تعمل وتعيش في مكان يبعد 5 ساعات عن مكان عمل خطيبها. كان كلّ منهما يتقدّم في عمله، لكنّهما اتّفقا أن يترك وظيفته ليعيش قريباً منها. فتمنّى المدراء له التوفيق وتقبّل الناس قراره برحابة صدر. وبعد سنة تغيّر الوضع، فكان القرار أن تغيّر هيوستن مكان سكنها ليتناسب مع وضع خطيبها المهني. ورغم أن السيناريو قد كرر نفسه، بدأت الأسئلة والانتقادات تنهال عليها، حتى أنّ أصدقاءها شككوا في قرارها، الذي لم ينتقده أحد عندما اتّخذه خطيبها.&

في النهاية، يبدو أنّ قرارات النساء تتعرّض للتدقيق أكثر بكثير من قرارات الرجال، وهذا مثير للسخرية لأنّ المرأة قد تكون أكثر براعة في هذا المجال.&