أشرف أبوجلالة: بالتزامن مع انطلاق قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، اليوم، في العاصمة البولندية، وارسو، يلوح في الأفق كثير من التساؤلات حول أفضل الطرق التي يمكن التعامل من خلالها مع الدب الروسي، وما هي الأهداف التي يتعين على الغرب والكرملن السعي لتحقيقها، وما هي السبل التي يمكن إتباعها لإنهاء الأزمة الراهنة؟

وبينما تُعَبِّر سياسة روسيا الخارجية العدوانية عن حالة ضعف وليس قوة، فإنه ما زال يتعين على الغرب أن يتعامل مع البلاد على أنها قوة مؤثرة. ومن الواضح أن روسيا غير مهتمة حالياً بالحوار، لكنه يتعين على الغرب إغراقها بعروض الحوار والتواصل. ورغم خرق روسيا للقانون الدولي، لكن على الغرب أن يكون متيقظاً للاتفاقات الدولية وأن يكون حريصاً على إيجاد طرق للتواصل مع روسيا بشكل بنَّاء.

ردود روسيا السلبية

ومع أن الأمر قد يبدو متناقضاً ولا يعني شيء للوهلة الأولى، لكن مجلة دير شبيغل الألمانية تقول إن ذلك هو النهج المناسب بالنسبة للغرب إن أراد الدفاع عن قيمه ومصالحه٫ فالقوة التي يمتلكها الغرب تتيح له اتخاذ رؤية طويلة الأمد وإظهار ما يتحلى به من صبر استراتيجي وتجنب الوقوع في ذلك الفخ المتعلق بدوامة التصعيد في المواجهة.

وفي المقابل، أكدت المجلة أن ردود الفعل الروسية شديدة السلبية على قمة الناتو – كما هو متوقع – قد تزيد من تعميق الانقسام الحاصل. ومن ثم فإنه كلما تزايد التزام الغرب بتلك المبادئ سالفة الذكر التي تبدو متناقضة مع مواصلة سعيه للتواصل مع روسيا بشكل بنّاء، كلما كان بالإمكان منع حدوث خلافات أعمق في الغرب.

وبناءً على ما سبق، رصدت دير شبيغل بعض الملاحظات التي برز في مقدمها أن خطر التصعيد قائم بقوة، وأن الغرب مُطَالَب بفعل المزيد على أمل الحد من ذلك السيناريو، لا سيما وأن الأزمة الراهنة قد تسببت في حدوث أخطر موقف داخل وحول أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة. وطالبت المجلة بضرورة إنشاء وحدة مشتركة للتعامل مع الأزمات كخطوة أولى نحو بناء الثقة من خلال الاتصالات العسكرية.

استراتيجية المسار المزدوج

وأوضحت المجلة كذلك أن "إستراتيجية المسار المزدوج" الكلاسيكية ستعزز قدرات الناتو الدفاعية من ناحية وستقوي لغة الحوار والتواصل التعاوني من ناحية أخرى. وإقران ذلك بالصبر الاستراتيجي سيظل الخيار الأفضل للتعامل مع الجانب الروسي.

كما لفتت المجلة إلى ملاحظة أخرى تتمثل في أن روسيا تحظي بقوة من الناحية العسكرية، لكنها تعاني من وهن وضعف في كثير من الجوانب الأخرى. ومن ثم فإن ردة فعل الغرب يجب أن تُبنَى على تحليل واضح لمدى القوة التي تمتلكها روسيا بالفعل، لا سيما وأن بوتن يرى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمثل نجاحاً لبلاده، في الوقت الذي يكمن فيه الخطر الأكبر في نقاط الضعف التي تعانيها القارة العجوز.

وختمت المجلة بمطالبتها في آخر ملاحظة بضرورة أن ينطوي تقييم الغرب الرصين على توجيه انتقادات لذاته، حتى في حالة رفض روسيا توجيه أي انتقادات لذاتها. فليس معنى اعتراف الغرب بإخفاقاته أنه متقبل لعقيدة الأمن الروسية التي تمنع حرية اختيار التحالفات، فذلك يشكل انتهاكاً لمبادئ هلسنكي 1975 وباريس 1990. 

 

اعدت ايلاف المادة عن صحيفة دير شبيغل الألمانية

المادة الأصل هنا