إيلاف من القاهرة: رغم تصاعد لهجة العداء والقطيعة بين تركيا وروسيا، بعد إسقاط طائرة روسية ومقتل قائدها، واتخاذ إجراءات عدائية بين الجانبين. ورغم وجود خلافات ودماء بين تركيا وإسرائيل، إلا أن الرئيس التركي استطاع تجاوزها وتصالح مع الدولتين، وأعاد تطبيع العلاقات معهما، في الوقت الذي يرفض فيه التصالح مع مصر.

ويرجع قراء "إيلاف" السبب وراء مسارعة تركيا في التصالح مع روسيا وإسرائيل، إلى رغبة الرئيس رجب طيب إردوغان في تجاوز الخلافات الخارجية من أجل التفرغ لحل الأزمات الداخلية التي تهدد نظام حكمه.

اسباب التطبيع

وطرحت "إيلاف" السؤال التالي على القراء: ما أسباب مسارعة تركيا لتطبيع علاقاتها مع روسيا وإسرائيل؟

وقدمت إليهم ثلاثة خيارات، هي: "طموح إقليمي"، "تجاوز أزمات داخلية"، "غير ذلك".

ووفقاً لنتائج الاستفتاء، الذي شارك فيه 1628 قارئاً، فإن الأغلبية صوتت لصالح "تجاوز أزمات داخلية"، وبلغ عدد القراء المنحازين لهذا الخيار 980 قارئاً، بنسبة 60 %.

ويميل 292 قارئاً إلى خيار "طموح إقليمي"، بنسبة 16% .

ويرى 356 قارئاً، بنسبة 22 %، أن هناك أسباب أخرى دفعت إردوغان إلى المسارعة بالتصالح مع روسيا وإسرائيل.

وحسب الخبراء السياسيين، فإن تطبيع العلاقات بين تركيا ورسيا وتركيا وإسرائيل، تدخلت فيه عوامل كثيرة سياسية واقتصادية. وقال الدكتور علي سعد الدين، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاهرة، إن السياسة الدولية لا تعرف العداء الدائم أو الصداقة الأبدية، مشيراً إلى أن التغير الدائم والمستمر هو السمة المميزة للعلاقات الدولية.

الملف السوري

وأوضح لـ"إيلاف" أن ثمة جملة من المصالح ساهمت في التقريب بين تركيا وروسيا، لعل أهمها الملف السوري والحرب على الإرهاب، منوهاً بأن العمليات الإرهابية التي استهدفت تركيا ساهمت في دفعها دفعاً نحو الانخراط والتعاون مع المجتمع الدولي ضد تنظيم داعش.

وأضاف أن أنقرة أدركت أنها ليست بعيدة عن مرمى نيران "داعش"، حتى وإن رفضت التعاون مع التحالف الدولي ضد التنظيم، معتبراً أن دولا أخرى يمكن وصفها ب"الصديق المشترك"، وهي إيران تحديداً، لعبت دوراً في تقريب وجهات النظر بين تركيا وروسيا، وساهمت في تجاوز الخلافات ودفع تعويضات لضحايا الطائرة الروسية التي أسقطتها تركيا، وفي المقابل سوف تعود حركة التجارة والسياحة بين البلدين إلى سابق عهدها، واشتراك إردوغان في الحرب ضد الإرهاب، وعدم السماح للإرهابيين بالحصول على الدعم من تركيا.

ولفت إلى أن هذا التطبيع يصب في صالح نظام الرئيس بشار الأسد بالأساس، فهو ساهم في "تحييد" تركيا من الصراع في سوريا على أقل التقديرات.

صراعات شخصية بين السيسي وإردوغان

وفي ما يخص التطبيع مع إسرائيل، قال الدكتور محمد مصطفى، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، إن العلاقات بين تركيا وإسرائيل استراتيجية وعميقة، معتبراً أن هناك تنسيقا عسكريا واستخباراتيا دائما بين الطرفين طوال الفترة الماضية، رغم وجود قطيعة سياسية منذ العام 2010، بسبب حادث أسطول الحرية الذي كان يهدف لكسر الحصار عن غزة.

وأضاف لـ"إيلاف" أن الملف السوري والأوضاع في المنطقة والمصالح الاقتصادية والتجارية ساهمت في تجاوز تلك الخلافات، وتطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.

ولفت إلى أن العمليات الإرهابية التي وقعت في تركيا واشتداد ساعد حزب العمال الكردستاني، والخلافات السياسية الداخلية التي يواجهها إردوغان ساهمت في تسريع وتيرة التصالح مع روسيا وإسرائيل، لاسيما أنهما قوتان لهما تأثير واضح في صناعة القرار الدولي وصناعة مستقبل المنطقة.

ورغم أن مصر كانت الأولى بالمصالحة من روسيا وإسرائيل، لأسباب عديدة منها وحدة المصالح السياسية والاقتصادية، وتطابق وجهات النظر حول الملف السوري، إلا أن إردوغان يرفضها مطلقاً، وتؤكد دراسة صادرة عن معهد واشنطن للدراسات السياسية، أن الصراعات الشخصية بين السيسي وإردوغان على الزعامة تقف حائلاً دون اتمام المصالحة.

خارج الاطار الجيوسياسي

ووفقاً للدراسة التي أعدها كل من: سونر چاغاپتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، ومارك سيفرز الدبلوماسي مقيم في معهد واشنطن، ونائب رئيس البعثة الدبلوماسية للسفارة الأميركية في القاهرة، فإنه "تلعب القضايا الشخصية دوراً أيضاً خارج الإطار الجيوسياسي. ففي صيف عام 2013، وبينما كان مرسي يواجه موجة من الاستياء الشعبي التي أدت في النهاية إلى الإطاحة به، كان على إردوغان التعامل مع الثورة الشعبية التي تواجهه في تركيا، أي حركة احتجاجات "ميدان تقسيم" الليبرالية. وقد رد الزعيم التركي على الحملة بالقمع العنيف. ويُعتبر إردوغان الزعيم الأقوى في تركيا منذ أن أصبحت البلاد دولة ديمقراطية متعددة الأحزاب في عام 1950. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن الزعيم التركي يخشى من أن ما حدث لمرسي ​​يمكن أن يحدث له. وطالما أن إردوغان غير قادر على التأقلم مع الواقع الجديد في السياسة المصرية، لا يمكن تطبيع العلاقات التركية المصرية".

وأضافت الدراسة: "وفي الوقت نفسه، ينظر السيسي إلى إردوغان كمنافس له في شؤون المشرق العربي، والأهم من ذلك، في السياسة. فقد فاز الزعيم التركي المتحالف مع محمد مرسي بأربعة انتخابات متتالية، ثلاثة منها برلمانية وواحدة رئاسية، وأظهر نفسه بصورة النموذج اللامع للسياسة الإسلامية في الشرق الأوسط. أما في نجاح إردوغان، فيرى السيسي تجسيداً لخصومه السياسيين. ويشير ذلك إلى أنه من غير المرجح أن تتعافى العلاقات التركية المصرية في المستقبل القريب، طالما أن إردوغان والسيسي في السلطة. وفي الواقع، من المحتمل أن تزيد المنافسة الإقليمية بين السلطتين من تغذية النزاعات القائمة بدءًا من غزة مروراً بقبرص ووصولاً إلى العراق".

آلية التطبيع بين تركيا وإسرائيل

فاجأ اتفاق تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل بعد قطيعة استمرت لنحو ست سنوات المراقبين، وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن الجانبين اتفقا على نص تفاهم بخصوص تطبيع العلاقات الثنائية بينهما، معلنا أن المرحلة الأولى من التطبيع ستبدأ عقب التوقيع على نص التفاهم الثلاثاء 28 يونيو من قبل مستشار وزارة الخارجية التركية ونظيره الإسرائيلي.

وقال يلدريم إن تفعيل السفارات وإعادة السفراء لدى الدولتين سيتم حال مصادقة الطرفين على التفاهم، مشيرا إلى أن البرلمان التركي سيتولى عملية المصادقة، من جانبها ستقوم الوزارات المعنية في تل أبيب، بالمصادقة لدى الجانب الإسرائيلي.

ويتضمن التطبيع التركي الإسرائيلي استكمال مؤسسة الإسكان التركية مشاريعها في غزة، وتسريع إنشاء المنطقة الصناعية في منطقة جنين.

وأما بخصوص السبب الرئيس لتفاقم القطيعة بين الجانبين، أي حادث هجوم القوات الإسرائيلية على سفينة المساعدات التركية التي كانت متوجهة إلى غزة "مافي مرمرة"، ستقوم تل أبيب بدفع 20 مليون دولار كتعويضات للجرحى وذوي القتلى الهجوم.

ورغم أن التوقعات كانت تشير إلى استمرار القطيعة والتصعيد بين تركيا وروسيا، إلا أنهما فاجأتا العالم أيضاً بقرارهما تطبيع العلاقات، وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بعد لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف في منتجع سوتشي في إطار المساعي الرامية إلى إعادة تطبيع العلاقات بين بلديهما، إن تركيا اتفقت مع روسيا على الدفع بجهود التسوية في سوريا، بينما قال لافروف إن موسكو تأمل إجراء اتصالات بشأن سوريا بين الجيشين التركي والروسي.