تواجه تركيا بعد فشل المحاولة الانقلابية أشهرا من العذاب والفوضى، خاصة بعدما أصيب جهاز الدولة بالشلل من جراء موجة التطهيرات التي اطلقها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والاقتصاد يترنح على شفير هاوية، ويقول مراقبون إن الجيش ايضا يعيش حالة غليان بحيث ليس من المستبعد ان تشهد تركيا محاولة انقلابية ثانية أو تنزلق الى حرب اهلية. &

عبد الاله مجيد: أعلن إردوغان&ان المحاولة الانقلابية "هبة من الله" تعطيه ذريعة لإسكات خصومه ومنتقديه.& وأوصل اردوغان واتباعه رسالتهم بقسوة بالغة تبدت في اعتقال اكثر من 2000 عسكري وإقالة عشرات الآلاف من موظفي الدولة بينهم 36200 معلم وكادر في وزارة التربية و8000 ضابط شرطة ونحو 3000 قاض كثيرون منهم بتهمة الانتماء الى حركة "الخدمة" التي يقودها الداعية الاسلامي فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة حيث طالبت انقرة بتسليمه.&

وكان انتقاد اردوغان وميوله السلطوية ممارسة محفوفة بالمخاطر خلال السنوات الأخيرة التي شهدت اعتقال مثقفين وصحافيين وغلق صحف معارضة.& ويقول ايرول اوندر اوغلو من منظمة مراسلون بلاحدود ان القمع اصبح شديدا والمصالح الاقتصادية بين الاعلام والحكومة متداخلة. &

ولكن ما تبقى من معارضة علنية سيختفي بالكامل الآن بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.& وقامت الحكومة خلال الأيام القليلة الماضية بغلق عشرات المواقع الالكترونية لمؤسسات اعلامية مستقلة فيما توقفت عن البث محطات اذاعية وقنوات تلفزيونية كانت تنتقد الحكومة،& ونقلت مجلة شبيغل عن اوندر اوغلو قوله "ان الذين كانوا يظنون ان اردوغان يمكن ان يكون شريكاً من اجل الحرية والمصالحة عليهم ان يتخلوا عن هذا الأمل مرة والى الأبد".&

إلغاء الديمقراطية

ويرجح مراقبون الآن ان يقوم اردوغان بمحاولة جديدة لالغاء الديمقراطية، وبعد فشل محاولاته السابقة لتحويل النظام البرلماني الى نظام رئاسي قد يجد من المغري ان يدعو الى استفتاء على تعديل دستور يجيز له ذلك أو اجراء انتخابات مبكرة ربما هذا العام.&

وقال احد مستشاري اردوغان لمجلة شبيغل ان الحكومة كانت تخطط لاقالة العديد من قادة الجيش والبحرية في اغسطس المقبل ولعل هذه الخطط هي التي أدت الى المحاولة الانقلابية،& ولكن التضامن الشعبي الذي أسهم بقسط حاسم في احباط المحاولة سرعان ما تبدد وحل محله انعدام ثقة،& وقلما كان المجتمع التركي منقسماً كما هو منقسم الآن بين من يرون ان إفشال المحاولة دشن حقبة جديدة من القوة ومن ينظرون الى ما أعقب المحاولة على انه نهاية الديمقراطية التركية.&

وقالت امرأة طلبت عدم الكشف عن اسمها ان اسوأ ما في الوضع الحالي هو الغموض الذي يكتنف المستقبل مشيرة الى نزعة الانتقام التي أطلقتها دعوات اردوغان لملاحقة كل من يُشتبه بأن له علاقة بالانقلابيين أو حركة غولن.& وبمقدور اردوغان نفسه الآن ان يهدئ الوضع ويعيد اللحمة الى المجتمع التركي، ولكن مراقبين يقولون ان اردوغان ليس رجل مصالحة وطنية بل يفضل التقسيم والاستقطاب،& فهو يسمي المعارضة "نمواً سرطانياً" ويعد ببناء "مستقبل بلا خونة".& واعرب احد مستشاري اردوغان الكبار عن تأييده تخفيف قوانين حيازة السلاح لتتمكن الأمة التركية "من تسليح نفسها" ، على حد تعبيره.&

الاتفاق مع الاتحاد الاوروبي

ولكن حملة إردوغان وتطهيراته تعدت ملاحقة خصومه الحقيقيين والمتخيلين في الداخل الى علاقاته مع الغرب ايضاً.& ويهدد الخطر الآن اتفاقه مع الاتحاد الاوروبي بشأن ازمة اللاجئين.& ويدعو الاتفاق الى منع اللاجئين من المرور عبر الأراضي التركية الى دول الاتحاد الاوروبي مقابل إلغاء تأشيرات الدخول للمواطنين الاتراك. ولكن من المستبعد ان تُلغى التأشيرة الآن ولا سيما ان أحد المعايير التي وضعها الاتحاد الاوروبي مقابل ذلك هو تغيير القانون الذي يجيز لإردوغان اتخاذ اجراءات قاسية ضد خصومه.& وكان اردوغان مستاء من هذا المطلب حتى قبل المحاولة الانقلابية. &

ومن المستبعد ايضا ان يجري تسريع المفاوضات بشأن عضوية تركيا في الاتحاد الاوروبي وهي اصلا عملية مديدة من دون تداعيات المحاولة الانقلابية.& وقال مفوض الاقتصاد الرقمي في الاتحاد الاوروبي غونتر اوتنغر من الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة المستشارة انغيلا ميركل لمجلة شبيغل ان تركيا لن تصبح عضوا في الاتحاد الاوروبي "في هذا العقد وبقيادة اردوغان".&

وكان الاتفاق بشأن اللاجئين تعرض الى انتقادات حادة في الأشهر التي سبقت المحاولة الانقلابية.& وقال منتقدو الاتفاق ان اوروبا باعت قيمها مقابل تحرك اردوغان لوقف تدفق اللاجئين.& واكد دبلوماسي اوروبي رفيع "ان اردوغان يفعل الآن ما حذر منه كثيرون لدى توقيع الاتفاق بشأن اللاجئين وهو الآن يصرف الشيك الذي حصل عليه من الاتحاد الاوروبي".&

في اوائل ابريل كشف الاميركيون عن قلقهم بشأن الوضع في تركيا حين قررت واشنطن إخراج عائلات العسكريين الاميركيين المتمركزين في قاعدة انجرليك لأسباب أمنية وتعزيز وحداتها بنشر مئات من مشاة البحرية في القاعدة.& وقالت مجلة فورين بولسي بعنوان رئيس مؤخرا "ان اسلحة اميركا النووية لم تعد بمأمن في تركيا". &

الجيش حامي الدستور

قد يستطيع اردوغان استبدال قيادة الجيش لإحكام قبضته على المؤسسة العسكرية ولكنه لا يستطيع ان يستبدل جميع الجنود بل هو ما زال لا يعرف حتى عدد المتآمرين الذين ما زالوا في صفوف القوات المسلحة.& وعلى النقيض من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فان اردوغان ليس ابن الجهاز بل غريبا متطفلا لم يلق قط اعتراف الجيش به.& وكان الجيش دائما ينظر الى نفسه على انه حامي دستور تركيا العلماني ووريث التركة السياسية لمؤسس تركيا الحديثة كمال اتاتورك. &

وطعن استاذ العلوم السياسية سنان بردال بالرأي القائل ان مجموعة صغيرة ترتبط بحركة غولن نفذت المحاولة الانقلابية الفاشلة مشيرا الى انها كانت تضم جنودا من وحدات وقواعد مختلفة.& وقال بردال لمجلة شبيغل "انها كانت عملية واسعة حسنة التخطيط" معرباً عن اعتقاده بأنه ما زال هناك الكثير من مشاعر الاحباط المكبوتة في الجيش بسبب إردوغان.& واضاف ان حركة انقلابية ثانية "سيناريو واقعي تماماً". &

ولكن بقدر ما يرتاب اردوغان بجنوده فانه يعتمد عليهم ، على الأقل طالما انه يرفض التوصل الى حل سلمي للقضية الكردية.& ولا احد يجسد آمال الكرد المجهَضة كما يجسّدها زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دمرتاش. &

يقول دمرتاش ان اردوغان هو الذي اطلق يد الجيش ضد الكرد في جنوب البلاد.& ونقلت مجلة شبيغل عن السياسي الكردي قوله "ان القوات المسلحة لم تعد تشعر ملزَمة بأي قوانين" محذرا من انقلاب يقوم به اردوغان بعد فشل المحاولة الانقلابية العسكرية ومن حرب أهلية تعقب مثل هذا الانقلاب.&

دكتاتورية.& انقلاب آخر.& حرب أهلية.& هذه هي العناوين التي يخافها الاتراك اليوم.& ويبدو ان قلة منهم يجرؤون في ظلها على التطلع الى المستقبل بتفاؤل. &

&

اعدت ايلاف المادة عن&مجلة شبيغل الالمانية

المادة الاصل هنا

&

&