ولكن حماس ترامب للتعاون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد التنظيم الذي يطلق على نفسه اسم "الدولة الاسلامية" (داعش) في سوريا اثار قلقا وغضبا لدى الكثيرين في الولايات المتحدة في صفوف الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.

ولخص رئيس مجلس النواب، الجمهوري بول راين، ما يشعر به كثيرون عندما قال "إن روسيا خطر عالمي يقوده بلطجي مخادع".

ولكن، ورغم الفتور الذي يسود العلاقات بين البلدين بسبب قضايا كثيرة اخرى، هل تبدو مصالح روسيا والولايات المتحدة في سوريا متباعدة حقا ؟

منذ اندلاع الحرب في سوريا قبل خمس سنوات ونيف، ساند الكرملين مساندة قوية حليفه القديم الرئيس السوري بشار الأسد، مما جعل روسيا تقف بالضد تماما مع الولايات المتحدة.

ففي عام 2011، كان الرئيس الامريكي باراك اوباما مصرا على ان تنحي الرئيس الأسد يعد شرطا مسبقا لأي تسوية للصراع في سوريا.

ولكن التهديد المتنامي الذي يمثله "تنظيم الدولة"، الذي تمكن من الاستحواذ على مساحات شاسعة من اراضي شمالي وشرقي سوريا منذ عام 2013، غير هذه المعادلة تماما.

وكانت روسيا فاجأت العالم في ايلول / سبتمبر الماضي بتدخلها المباشر في الحرب السورية بقصفها ما وصفتها باهداف للارهابيين.

الا ان معظم السياسيين والمحللين السياسيين الغربيين قالوا إن ذلك لا يتعدى كونه تبرير الغرض من التغطية على خطة للتمدد ينفذها الكرملين بدهاء.

وقالوا إن محاربة الارهاب ليست من اولويات روسيا بأي حال، بل ان الرئيس بوتين انما تدخل لمساندة الاسد ولاستعادة دور روسيا بوصفها من اللاعبين الاساسيين في منطقة الشرق الاوسط.

وقالوا ايضا إن من اهداف موسكو الاخرى حجب انظار الغرب عن الدعم الذي تقدمه روسيا للمتمردين في اوكرانيا، ولاختبار الاسلحة الروسية الجديدة وعرض قدراتها، وتعزيز شعبية الرئيس بوتين داخل روسيا، وحتى زعزعة استقرار اوروبا عن طريق اثارة موجة نزوح جديدة من سوريا - او ما يطلق عليه البعض "استخدام سلاح اللاجئين".

وبالفعل، بدا ان بعض الغارات التي نفذتها الطائرات الحربية الروسية في سوريا اكدت هذه الشكوك، إذ لم تستهدف "تنظيم الدولة" وانما المعارضة السورية المسلحة التي يدعمها الغرب.

كما تشير الادلة التي جمعتها منظمات معنية بحقوق الانسان الى ان روسيا استهدفت مستشفيات وغيرها من الاهداف المدنية، وحتى ان الطائرات الروسية كانت تغير ثانية لاستهداف فرق الانقاذ.

ولكن روسيا تنفي كل ذلك، وتقول إن لها مصلحة حقيقية في محاربة الارهاب.

ويقول الروس إن نحو الف من مواطنيهم قتلوا في هجمات نفذها متطرفون اسلاميون منذ عام 2001.

كما يقولون إن "تنظيم الدولة" اسس خلايا له في منطقة شمالي القفقاس التي يدين معظم سكانها بالاسلام.

ويقولون ايضا إن التنظيم المذكور يرسل مسلحين شمالا من افغانستان لزعزعة استقرار جارات روسيا في آسيا الوسطى.

ويصر الروس على انهم انزلوا بالتنظيم ضربات اقوى بكثير من تلك التي نفذتها الولايات المتحدة.

ومما لا شك فيها ان الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد "تنظيم الدولة"، والتي انطلقت قبل الحملة الروسية بسنة تقريبا، لم تحقق الكثير. فلغاية شباط / فبراير من السنة الحالية، كانت روسيا تضرب 60 هدفا للتنظيم اسبوعيا بينما كان التحالف الغربي لا يضرب الا 7 اهداف.

كما لا يختلف اثنان في ان روسيا تستهدف "تنظيم الدولة" اضافة الى جماعات متطرفة اخرى مثل جبهة النصرة التي كانت الى وقت قريب مرتبطة "بتنظيم القاعدة".

وفي آذار / مارس الماضي، مكن الدعم العسكري الروسي قوات الحكومة السورية على طرد مسلحي "تنظيم الدولة" من مدينة تدمر التاريخية في اول اندحار كبير لهؤلاء المتطرفين في سوريا فيما يعد نصرا كبيرا للرئيس الأسد.

وقبل وقت قصير، ساعدت القوات الجوية الروسية جيش الأسد في احكام حصاره لمدينة حلب التي كانت الى وقت قريب اكبر المدن السورية.

ويقاتل المعارضون في تلك المدينة الآن بضراوة لفك الحصار المفروض على الاحياء التي يسيطرون عليها.

ولكن في الوقت الذي يصر فيه الغرب على ان الرئيس الأسد هو سبب مشاكل سوريا، تقول روسيا إن اي بديل عنه سيكون اسوأ بكثير.

وتشير روسيا الى النتائج الكارثية التي ترتبت على الاطاحة بالرئيسين صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا، حيث ادى فراغ السلطة في البلدين الى نشوء وترعرع "تنظيم الدولة" وغيره من التنظيمات المتطرفة.

كما يشكك الكرملين في مدى اعتدال "المعارضة السورية المعتدلة"، فالعديد من التنظيمات السورية المسلحة - عدا "تنظيم الدولة" وجبهة النصرة (التي غيرت اسمها الى جبهة فتح الشام) - تقاتل هي الاخرى لتأسيس دولة تطبق الشريعة الاسلامية.

وحتى بعض الفئات المنضوية تحت لواء "الجيش السوري الحر"، الذي يقول إنه يريد بناء سوريا تعددية، تعاونت بين الفينة والاخرى مع جبهة النصرة. ويعرف قادة عسكريون امريكيون ان الجيش السوري الحر يضم مسلحين لا ينطبق عليه المفهوم الغربي "للاعتدال".

وتقول روسيا إن كل هذا يفسر التأييد الضعيف الذي يقدمه الغرب للمعارضة السورية التي دربها وزودها بالمعدات ولكنه لم يزودها بالسلاح بشكل جدي.

والحقيقة التي ينبغي ان تقال إن امريكا - على العكس من روسيا - لا يبدو انها تعرف ماذا تريد في سوريا.

ولكن لم يشر الى ذلك علانية الا ذلك السياسي الشعبوي دونالد ترامب، الذي قال غير مرة "إن الأسد شرير" ولكن ادارة اوباما كانت "تدعم اناسا لا تعرفهم".

وفي الحقيقة، ففكرة تكوين تحالف روسي امريكي ضد التطرف ليست بالفكرة الجديدة بأي حال، فالقوتين الكبريين تعاونتا بشكل وثيق خلال الغزو الامريكي لافغانستان عام 2001 عقب هجمات سبتمبر في الولايات المتحدة.

وتقول روسيا إنها دعت في شهر تشرين الاول / اكتوبر الماضي الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا لتنسيق العمليات التي تستهدف "تنظيم الدولة" في سوريا، ولكن الغرب رفض ذلك لأن الرئيس الأسد كان جزءا من المخطط ولأن الغربيين كانوا يخشون ان تستخدم المعلومات الاستخبارية الخاصة بالمسلحين المناوئين للتنظيم في الجيش السوري الحر من اجل استهداف هؤلاء.

ولكن الآن، وبعد نقاشات ومشاورات، مستفيضة في موسكو، يقول وزير الخارجية الامريكي جون كيري إنه توصل الى اتفاق اطار مع روسيا حول تنسيق النشاط الحربي الجوي بين الطرفين ينص على ان الولايات المتحدة ستشارك روسيا في الجهد الاستخباري مقابل وعد روسيا بألا تضرب الفصائل التي يدعمها الامريكيون.

ولكن الكثيرين في واشنطن يشككون في امكانية الثقة بالكرملين، ويعتبر البعض ابرام اي اتفاق مع روسيا بمثابة خيانة للقوى التي دعمتها الولايات المتحدة طيلة السنوات الخمس الماضية.

وقد يتطلب الامر وصول ترامب الى سدة الرئاسة - اذا كان لذلك ان يتحقق فعلا - مع قائمة مختلفة للاولويات، من اجل ان ينفذ اي اتفاق امريكي روسي جديد.

هل سيعني ذلك اندحارا ليس "لتنظيم الدولة" فحسب بل لكل اعداء الرئيس الأسد ؟ ام نصر للأسد ملؤه الانتقام والتشفي ؟ او ربما فرصة لحل وسط حقيقي تفرضه القوتان الكبريان ؟

بالتأكيد سيكون اتفاقا كهذا تحولا كبيرا في السياسة الامريكية ومذلا بالنسبة لكثيرين، فالسياسة الامريكية حيال سوريا ستصبح اقل اخلاقية وكذلك - ربما - اقل تناقضا.